تأمُّلات في الحديث الشريف: "حُبّ الوطن مِن الإيمان".
:
زيارة أهل البيت "صلوات الله وسلامه عليهم" هي صورةٌ و مثالٌ لحقيقةٍ عميقة و هي: (العودةُ إلى الوطن)
،
ما جاء في الروايات الشريفة أنّ (
#حب_الوطن_من_الإيمان)
المعنى الدنيوي الظاهري لهذا الحديث المعروف عند الناس هو معنىً صحيحٌ.. لكن في كلمات أهل البيت "صلوات الله و سلامه عليهم":
• هناك ما هو في أُفُق العبارة
• و هناك ما هو في أُفُق الإشارة
• و هناك ما هو في أفق اللطائف
• و هناك ما هو في أفق الحقائق
،
و في هذا الحديث الشريف (حُبُّ الوطن مِن الإيمان) هناك إشارة و هناك تلويحٌ إلى هذه الحقيقة:
أنَّ الوطن الحقيقي: هو الحقيقة التي صدرتْ واشتُقّتْ مِنها
الكائنات..
والحقيقة التي صدرتْ منها
الكائنات هي (الحقيقة المُحمَّدية)
هكذا أخبرنا نبينا و
#أهل_البيت "صلوات الله وسلامه عليهم" بأنَّ الله خلق نُوراً أوّل ما خلق وهو نور نبينا "صلّى الله عليه وآله" ومِن هذا النور اشتقَّ جميع الأنوار واشتقَّ جميع
الكائنات.. كما في حديث
#سيّد_الكائنات مع جابر بن عبد الله الأنصاري:
◀يقولُ جابرٌ بنُ عبد الله: قُلتُ لرسولِ الله "صلّى الله عليهِ وآلهِ": أولُ شَئٍ خَلقَ الله تَعالى مَا هو ؟ فَقال:
(نورُ نبيّكَ يا جابر، خَلقهُ اللهُ ثُمَّ خلقَ مِنهُ كلُّ خير، ثُمَّ أقامَهُ بينَ يديه في مقام القُرْب ما شاءَ الله، ثُمَّ جعلهُ أقساماً،
فَخلقَ العرش مِن قِسْم، والكُرسيّ مِنْ قِسْم، وَحَمَلة العرش وخَزَنة الكُرسيّ مِن قِسم،
وأقامَ القِسم الرابع فِي مَقام الحُبَّ ما شاءَ الله، ثُمَّ جَعلهُ أقساماً
فَخلقَ القلمَ مِن قِسم، واللوحَ مِنْ قِسم والجنَّةَ مِنْ قِسم
وأقامَ القِسم الرابع فِي مَقام الخوف ما شاء الله، ثُمَّ جَعلهُ أجزاء،
فَخلقَ الملائِكة مِن جُزء، والشمس مِن جُزءٍ، والقمر والكواكبِ مِن جُزء،
وأقام القِسْم الرابع فِي مَقامِ الرجاءِ ما شاءَ الله.. ثُمَّ جَعلهُ أجزاءً
فَخلقَ العَقلَ مِن جُزء، والعِلمَ والحِلمَ مِن جُزء، والعِصمة والتوفيق مِن جُزء،
وَأقامَ القِسم الرَّابع فِي مَقامِ الحَياء مَا شَاءَ الله
ثُمَّ نظرَ إليهِ بِعينِ الهيبةِ فَرشحَ ذلكَ النُور وَقطرتْ مِنهُ مَائة ألف وَأربعة وَعُشرون ألف قَطرة فَخلقَ الله مِنْ كُلِّ قَطرةٍ رُوح نَبيٍ وَرسول
ثُمَّ تَنَّفَسَتْ أرواحُ الأنبياء فَخلقَ اللهُ مِن أنفاسِها أرواحُ الأولياء وَالشهداء والصالحين..)
[بحار الأنوار- ج25]
:
فكلُّ
الكائنات مردُّها إلى النور الأوّل إلى النُور المُحَمَّدي و ذلك هو (الوطن)..
الوطن هو الجهةُ التي تتوطّن فيها الحقائق، و الجهة التي تولَّدتْ منها الحقائق..
ألا يُقال الآن في الّلغة و في العُرْف و حتّى في الأحكام الشرعية بأنّ الوطن هو المكان الذي يكونُ مسقط رأس الإنسان،
فحيثُ ولد الإنسان و حيثُ و حيث نشأ و ترعرع.. هذا هو الوطن..
أمّا الوطنُ في المعنى الحقيقي الأعمق فهو الجهة التي تولَّد منها الوجود.
فحقيقتنا ليستْ في أبداننا و لا في أرواحنا.. حقيقتنا في وجودنا.
،
الإنسان بدنٌ و روح، و لكن هذا البدن مِن دون الوجود لا يتحقق، و هذه الروح كذلك، من دون الوجود لا تتحقّق..
حقيقةُ الإنسان في حقيقة وجودهِ،
إنّما كانتْ الروح لأنّ فيض الوجود تجلّى فيها.. و إنّما كان البدن لأنَّ فيض الوجود قد تجلَّى فيه،
و فيضُ الوجود إنّما تأتّى مِن النور الأوّل.
،
#الوطن_الحقيقي هو الحقيقة التي وُلدنا منها و جئنا منها، من الحقيقة التي ولد منها وجودنا.. و تلك هي حقيقة النور المُحَمَّدي ، هي المخلوق الأوّل، هي الصادر الأوّل، العقل الأوّل، العرْش الأوّل.. عبّر ما شئت مِن العبائر و الكلمات فكلّها تشير إلى هذا المعنى.. إلى معنى الكلمة الأولى التي تكلّم الله بها وبعد هذهِ الكلمة صدرتْ كلّ الكلمات.. كما نقرأ في دعاء البهاء:
(اللَّهُمَّ إنّي أسألك من كلماتكَ بأتمِّها وكُلُّ كلماتِك تامّة، اللَّهُمَّ إنّي أسألك بكلماتكَ كُلِّها)
الكلمة الأتم، والنور الأصلي هو مُحَمَّدٌ "صلّى الله عليه وآله" في الأفق الأعلى لا في الأفق الأرضي..
،
مُحَمَّد بن عبد الله في الأفق الأرضي إنّما هو تجلي لتلكُم الحقيقة،
وحين نتحدّث و نقول أنّ نور نبينا هو مصدر
الكائنات.. فالله سبحانه وتعالى جعل فيه القدرة على إيجاد
الكائنات،
،
نحن هنا لا نتحدّث عن مُحمَّد بن عبد الله الذي ولد في عام كذا.. من أُمٍّ أسمها كذا..و من والد أسمهُ كذا..
مُحَمَّدٌ "صلّى الله عليه وآله" الذي كان في المدينة و الذي دُفن في المدينة إنّما هو
#التجلي_الأعظم لتُلكم الحقيقة المُحَمَّدية.
الكائنات حينما أشرقتْ أشرقتْ مِن تلكم الحقيقة الأولى التي تجلّى اسمها الأعظم في العالم الأرضي و هو مُحَمَّدٌ "صلى الله عليه وآله وسلّم" و هذا ما تشهد بهِ الروايات الكثيرة الكثيرة عن
#أهل_البيت"صلوات الله وسلامه عليهم"
فالمعنى الأعمق للحديث الشريف "حبّ الوطن من الإيمان" المراد من الوطن هو الوطن الحقيقي الذي اشتُقّتْ منه
الكائنات.. و هو (الحق