ثالثًا: من أشهر الانتقادات التي وُجهت للحراك من طرف النشطاء هي وقوعه في وهم الدولة المستقرة، فكيف يُطالب بتداول السلطة والحال أنَّ إدلب ساحةَ حرب ومرحلة انتقالية لم تنته بعد؟! وكيف يمكن صد الحملات العسكرية وشن الغزوات والمعارك دون قيادة مركزية قوية تثق بها القوى العسكرية؟!
وكيف لقائد ثورة مسلحة أن يحقق سرعة الحركة في الهجوم ويكسب المبادرة أمام العدو ويحقق المرونة في الحرب إن كان مقيدًا بالمجالس البرلمانية الموسعة وقوانين المؤسسات البيروقراطية والأحزاب السياسية التي تهدده برفع لواء المعارضة عند كل منعطف؟!
هذا ما جعل العديد من النخب يعتبرون مطلب تداول السلطة ليس إلا هدفًا مثاليًّا لدغدغة مشاعر البسطاء، وأنَّ الحراك -وإن وصل للسلطة- سيعجز عن تحقيق هذا الهدف أمام واقع تهديدات الحرب وتغيُّر مجريات الصراع مع الأسد.
ولو أنَّه رفع مطلب ترشيد استخدام السلطة بدلًا من تداولها للقي قبولًا أوسع.
رابعًا: انتهج الحراك أساليب تسببت في انصراف النخب وعدد من الناشطين عنه، من بينها ترديد شعارات تشمل السب واللعن والقذف التي لم تكد تخل مظاهرة منها، وذلك رغم أنَّ الحراك لم يقم ضد نظام مستبد مثل نظام الأسد بل ضد حركة إسلامية لها رصيدها النضالي، كما أنَّ استحضار ذكريات الثورة السورية الأولى وتوظيفها ضد أبي محمد الجولاني مبالغة كبيرة، فهو ليس مثل بشار، وليست الهيئة مثل نظام الأسد، وفي التشبيه بينهما فارق بعيد، ولهذا اعتبر أكثر النشطاء أنَّه لم يكن أخلاقيًّا أن يوظف الحراك هذه الصورة الذهنية النمطية عن الأسد ضد خصومه من المنتمين إلى الثوار.
أما نعت الجولاني بالمجهول وتكرار ذلك لاستعطاف الناس وتأليبهم، فلم يكن منصفًا أيضًا في نظر الكثيرين، فهو معروف في الثورة أكثر حتى من رموز الحراك أنفسهم، ومعروفٌ باسمه الصريح ونسب عائلته وسيرته، وكل ذلك معلومٌ ومنشور في لقاءات صحفية وموثقة.
زد على ذلك أنَّ انخراط العديد من الشخصيات المشبوهة في المظاهرات أفقدها جاذبيتها، وقد عُرفت بعض هذه الشخصيات بميلها إلى التكفير والتشدد في الدين، إضافة إلى مشاركة حزب التحرير الواسعة، وهو حزب مشهور بجرأة أعضائه على تخوين المخالف، وحدة طباعهم، وعدم مشاركتهم في الثورة المسلحة بأي نشاط يذكر.
إنَّ كل ما سبق أدى إلى حركة اصطفاف داخلية خلف الجولاني جعلته أقوى من ذي قبل،
وإن قلنا إنَّ الحراك قد أفاده أكثر مما أضر به لما أبعدنا النجعة، إذ لولاه لما تجاوزت السلطة أثر “أزمة العملاء” ولما تحققت الوحدة في الهيئة من جديد بعد أن كادت تعصف بها النزاعات.وأخيرًا، لو أنَّ الحراك كان منضبطًا في سلوكه وأخلاقه، ولو أنَّه استطاع أن يعبر عن ذاته بعيدًا عن السب والقذف والتخوين عملًا بقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” [سورة المائدة:8].
لو أنَّه فعل ذلك لانضمت له فئةٌ واسعة من النخب، ولتمكن من تحقيق الكثير مما لا يسعه تحقيقه اليوم، عندما كانت قابلية الهيئة للتنازل متاحة، وربما يصعب تحقيقه مستقبلًا.
https://t.center/osamaisaa