View in Telegram
أسامة عيسى
#ورقة_تحليلية الاحتجاجات في إدلب؛ سيرورة الصراع وسيناريوهات النهاية. يقول المثل: الضربة التي لا تقتلك تقوِّيك. يمكن لكل طرف في إدلب الآن أن يقرأ هذ المثل بمنظور مختلف، فقادة الحراك ورموزهم يعتبرون ما يتلقونه من اعتقالات وتضييق وملاحقات أمنية ليس إلا وقوداً…
لماذا لم تلق دعوة الحراك استجابة شعبية؟

يمكننا من خلال تتبع الأحداث وتأمل وتحليل استجابة مختلف الأطراف لتداعيات الصراع أن نحيل فشل الحراك في تحقيق أهدافه كاملةً إلى عدة عوامل:

أولًا: إنَّ المطالب الطموحة التي رفعها الحراك انقلبت وبالًا عليه، فإصراره على إسقاط قيادة المحرر وتغييرها كان فيه افتئات وتجاوزٌ لبقية مراكز الثقل والتأثير، وأهمها القوى العسكرية. وبعبارة أخرى؛ يمكن القول إنَّ الحراك قد وقع في “الفردية” التي هاجمها وعابها على الجولاني من حيث لا يشعر، ولو أنَّه لم يسرع إلى رفع مطالب حادة، ولم يشترط إسقاط الجولاني، وتوقف عند الدعوة إلى وضع آليات متفق عليها لاختيار القيادة بغض النظر عن مخرجاتها للقيَ آذانًا مصغية بين النخب والرموز ومراكز الثقل، بل من داخل الهيئة نفسها.

إنَّ الشرط المسبق الذي وضعه الحراك استفز العديد من أمراء الجند وقادة الفصائل العسكرية ومسؤولي المؤسسات المدنية ونشطاء المحرر، فالمشاركون في الحراك لا يمثلون غير نسبة ضئيلة من مراكز الثقل في المجتمع، أما الشريحة الأكبر فقد وجدت نفسها مهملةً ومفتات عليها، خاصة أمراء الجبهات وأصحاب الشوكة، فقد نظر هؤلاء إلى الحراك على أنَّه جهة متسلِّقة على الثورة لم تكن مؤثرةً أيام المحن والمعارك والمواقف المصيرية، وها هي الآن تريد إزاحة القائد الذي شاركهم في كل ملاحم الثورة ويعود الفضل له في تدبير أكثر معاركها وأحداثها.

والأسوأ من هذا أنَّ الحراك في بعض تصريحاته قلل من شأن القوى العسكرية بطريقة غير مباشرة وادعى أنَّ المكتسبات التي تحققت هي بجهود الكوادر المدنية لا العسكرية، وكان هذا استفزازًا واضحًا لأصحاب النفوذ الأكبر في المحرر، خاصة وأنَّ الحقيقة التاريخية تقول: إنَّ مكتسبات الإدارة المدنية والمؤسسات الخدمية شمال غرب سوريا لم تكن لتظهر إلى الوجود لولا جيش الفتح الذي وضع نواتها ومكَّن النخب المدنية من الانخراط فيها.

ولو أنَّ الحراك احترم القوى الأكثر نفوذًا في المحرر ولم يهاجمها بتصريحات مستفزة كالتي سبق ذكرها؛ للقي من بينها أنصارًا كثُر خاصة بعد أزمة العملاء التي زعزعت الثقة بالقيادة، ولو أنَّ الحراك رفع راية “وضع نظامٍ لاختيار القيادة” لا “إسقاط القيادة” لتلاقت مطالبه مع مطالب كثير من النخب العسكرية.

ثانيًا: تكمن العلة الأخرى في الحراك أنَّه لعب على وتر مطلبين لا يتصلان بالواقع والمنطق، المطلب الأول هو: حل جهاز الأمن، أما الثاني: فهو رفع الضرائب وتحقيق نهضة اقتصادية.
أما الأول فلم يلق قبولًا لعدة أسباب، أهمها أنَّ جهاز الأمن في ذهن السكان ليس بالسوء الذي يروِّج له الحراك، ورغم العديد من الأخطاء التي وقع فيها، فإنَّ الفضل يعود له في تأمين المحرر من جرائم السرقة والاختطاف والسلب والاغتيال التي كانت رائجة جدًّا، بل وصل الأمر ليصبح نموذج الحكم شمال غرب سوريا -في نظر المراقبين- أفضل النماذج من حيث الأمن والاستقرار من بين مناطق الأطراف الفاعلة الأخرى (نظام الأسد والميليشيات الكردية والجيش الوطني).

فمحاولة إسقاط جهاز الأمن وتشبيهه بشبيحة الأسد لم تحقق نجاحًا يذكر إلا بين المتضررين من أخطاء الجهاز أو بين عوائل المجرمين وهم قلة، أما معظم سكان شمال غرب سوريا فلم يحرك ذلك فيهم ساكنًا بحكم ميزة الأمن الذي ينعمون به بعد فقدٍ طويل.

وبالعودة إلى مطلب رفع الضرائب وتحقيق النهضة الاقتصادية، فهو كذلك بعيد عن الواقع، مما جعله يلقى انتقادًا واسعًا، فأين هي هذه الضرائب الثقيلة التي تفرضها حكومة الإنقاذ مقارنة بضرائب الأسد أو ضرائب الميليشيات الكردية؟!

ثم من دون هذه الضرائب المحدودة كيف للمحرر أن ينهض ويبني قوته العسكرية والخدمية في ظل انعدام الموارد، وفقدان الثروات البطانية والمعدنية والطاقية، ومحدودية الإنتاج الزراعي والحيواني؟! لقد كانت هذه المقاربة واضحة لدى العديد من الناشطين، ولهذا السبب وجدوا مطالب الحراك مثالية وبعيدة عن الواقع.

إضافة إلى هذه فإنَّ المحرر رغم قلة ذات اليد يعيش نهضة صناعية حقيقية، فشمال غرب سوريا يشهد يوميًّا إحداث طرق جديدة ومشارع استثمارية وخدمية وتعلمية، لم يشهدها من قبل في حقبة الصراع الفصائلي، ولعل هذا التقدم الاقتصادي جعل السكان -وخاصة فئة التجار والأكاديميين- تنأى بنفسها عن الحراك.

ولو أنَّ الحراك رفع مطلب إصلاح جهاز الأمن لا إسقاطه، وإصلاحه بإخضاعه لإجراءات تحاكم علنية، وإدخال مزيد من النظم الحقوقية لحماية المتهمين، وشفافية القضاء ومنع التعذيب واحترام حقوق الإنسان، لكان ذلك أدعى لحصوله على مناصرين كثُر بين الأكاديميين والحقوقيين بل داخل الهيئة نفسها.

ولو أنَّه طالب بإخضاع الضرائب والأموال للجنة عليا وجهة سيادية موثوقة وعدم تركها بيد المؤسسات التنفيذية، لوجد آذانًا مصغية
.
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Find friends or serious relationships easily