قد يقول البعض إنَّ الأقليات في سوريا جزء أصيل من نظام الأسد. لكن هل ذلك صحيح فعلًا؟!
للإجابة عن ذلك؛ يكفي تذكُّر مشهد تمرد الدروز في السويداء، والمعارضة المسيحية في الخارج، بل إنَّ السخط بدأ ينتشر حتى بين الطائفة النصيرية، إذ تذهب عدة دراسات إلى أنَّ العلويين لا يدعمون الأسد لأنَّه الخيار الأفضل؛ بل لأنَّهم يخافون من البديل.
أضف على ذلك، قد لا يكون مصطلح “الكيان السني” لغمًا للأقليات فحسب، بل للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية أيضًا، فعادة ما تتوجس هذه الجهات خيفةً من الخطابات الشبيهة.
وحتى لا نذهب بعيدًا، لم تحرق نار هذا المصطلح المشتعل البعيدين فحسب، بل دخلت الساحة في دوامة من السِّجالات الإعلامية العقيمة، وهنا نعود ونتساءل: هل ساهم استخدام المصطلح في جمع الكلمة أم في تفريقها؟!
وإن كان هذا المصطلح يفجِّر معاني سلبية في عقول سامعيه، بداية من المجتمع الدولي مرورًا بالأقليات وصولًا للعديد من مكونات المعارضة السورية، فما الجدوى من تسويقه إعلاميًّا؟! قد يكون مفيدًا للخطاب الداخلي، لتعزيز الهوية، لتحقيق الحشد، لإيجاد الانتماء، لكن تسويقه في كافة الخطابات ضرره أكثر من نفعه.
لماذا لا يسعنا في الخطاب الخارجي أن نستخدم الأسلحة المنفوخة كما يفعل الجميع؟ إنَّنا نحتاج لمصطلحات من قبيل: الكيان السوري والإنساني والوطني والمدني؛ نعم إنَّها مصطلحات هُلامية، لكنها تحقق أهدافها، إنَّها ناجعة في تحييد الخصوم وتخفيف العِداء.
لكن كما أنَّنا في ميدان الحرب لا يمكن أن نحقق النصر بالسلاح المنفوخ فقط، ولا بُدَّ من وجود قوة هجومية تحسم المعركة، كذلك فإنَّنا في ميدان السياسة لن نستطيع النجاح أيضًا بالمصطلحات المنفوخة لوحدها. فإن لم يكن لهذه السياسة قوة عسكرية حاضرة على الأرض تدعمها لطارت مصطلحاتنا أدراج الرياح.
وهنا تحديدًا يكمن ضعف المعارضة السورية المنفصلة عن واقعها، فهي بطريقة عملها الحالية كمن يريد قلع جبلٍ بفأس من هواء، إنَّها تريد إسقاط نظام الأسد المتجذر منذ عقود بأسلحة سياسية هزيلة لا قذائف فيها غير المصطلحات المنفوخة، إنَّ تلك المعارضة ما دامت منفصلة عن القوى العسكرية فإنَّ أنشطتها لا تَعدُ أن تكون نفخات في رماد.
من جهة أخرى لعل تمييع نخب الخارج لمسألة العصبية، واستغراقهم في الحرب السياسية التي أدواتها “المصطلحات المنفوخة” الهُلامية، وانشغالهم عن توجيه خطابات دينية تعزز الهوية وتحقق اللُّحمة مع القوى القتالية في الداخل؛ لعل ذلك كله كان سببًا في الردود الحادة من نخب الداخل وتمسُّكها بالهوية السُّنية لملء الفراغ.