وبعد أشهر من المسايرة والخطوات اللينة حُيِّدت العديد من الشرائح الشعبية ودخلت مسار الإصلاح التي دعمته السلطة، أما من بقي ضمن الحراك فقد دخل في مرحلة جديدة من التعامل، إذ بدأت السلطة تتخذ إجراءات تصعيدية مستغلة أخطاء الحراك وحوادث انفلات الأمن التي تسارعت في الساحة. فعلى سبيل المثال اتخذت السلطة قرار فض الاعتصام بالقوة، عندما حصلت ملاسنة ومشاجرة بين وجهاء إدلب والمعتصمين أمام المحكمة العسكرية، وعندما أوغل المعتصمون في سب وفد الأعيان والتنقيص منه استغلت قوات الأمن هذا الموقف واستخدمت الهراوات لطرد المحتجين.
ثم في اليوم التالي، استُنفر الجناحَ العسكري لهيئة تحرير الشام والفصائل العسكرية الأخرى مثل صقور الشام وأحرار الشام، ونصبت تلك القوى العسكرية المدججة بالسلاح الحواجزَ في مداخل المدن ومخارجها، ومنعت المتظاهرين من التجمع في مدينة إدلب، وقد كان حضور مختلف الفصائل في هذا الاستنفار عاملًا معنويًّا لصالح السلطة.
وجرى استثمار الجرائم التي هزت الرأي العام في المحرر لإصدار قرارات وزارية تجرِّم الحراك مع تصعيد حملات الاعتقال في حق نشطائه، مثل جريمة مقتل القيادي أبي ماريا القحطاني قرب مدينة سرمدا يوم 4/4/2024، واغتيال عنصر الأمن مصطفى سيو في مدينة جسر الشغور يوم 27/5/2024، وأخيرًا إحراق سيارات الأمن والتعدي على المخافر في مدينة بنش يوم 5/7/2024.
وفي المحصلة؛ استخدمت السلطة وما زالت في كل أحوالها مقاربة العصا والجزرة، ومزجت بين الأساليب الخشنة واللينة، فبعد كل حادثةٍ تحرك الرأي العام ضد المحتجين؛ ثم تستخدم إجراءات أمنية للضغط عليهم، ثم تُفتح قنوات الحوار عبر الوسطاء والمبادرات الحيادية، ليصبَّ هذا الضغط أخيرًا في دفع الحراك إلى دخول مسار الإصلاح. وقد حققت هذه السياسة نجاحًا كبيرًا حتى الآن، لكنها تواجه مجموعة من العقبات؛ أهمها أخطاء عناصر الأمن وإفراطهم -في بعض الأحيان- في استخدام القوة.
https://t.center/osamaisaa