مجلة أنصار النبي ﷺ

Канал
Логотип телеграм канала مجلة أنصار النبي ﷺ
@ansarmagazineПродвигать
11,21 тыс.
подписчиков
مجلة شهرية تصدر عن الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
وعن عَبْد اللهِ بْن عَمْرٍو قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r وَهُوَ يَقُولُ: “يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ، حَتَّى يَخْرُجَ فِي بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ”[2].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ r أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ إلَى زَمَنِ الدَّجَّالِ”.

وسيستمر وجودها إلى آخر الزمان، غير أنها تظهر فترة بعد فترة، وكلما ظهرت طائفة منهم قُطعت، وانتهى أمرها، ثم تظهر طائفة أخرى.. وهكذا، حتى يخرج الدجال في آخرهم.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “وقصدوا -أي الخوارج- بلاد العراق وخراسان، فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم ومسالكهم المختلفة المنتشرة، التي لا تنضبط ولا تنحصر؛ لأنها مفرعة على الجهل، وقوة النفوس، والاعتقاد الفاسد”[3].

لقد حرك عدوان اليهود كل سكان المعمورة بل وصحح نظرة الناس جميعاً تجاه قضية الاحتلال، وعرف الناس حقارة اليهود وبشاعتهم، ولكن زهد هؤلاء المجرمين (المارقين الدعاة على أبواب جهنم) في كل ذلك، وزهدوا في قدسية المكان وشرف الرباط والجهاد، وزهدوا في نصوص القرآن والسنة لما يحملون من قلوب مريضة واعتقادات فاسدة.

ويا ليتهم سكتوا بل زداوا بعد الانسلاخ من الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين أنهم صاروا أبواق زور وفجور هداهم إليه الكذب؛ ففي وقت يعترف فيه قتلة الأنبياء بخسائرهم في العتاد والعدة والجنود وخسائرهم في الاقتصاد وخسائرهم في الدعاية المكذوبة التي أيقظت الناس من بعد غفلة.. تجد هؤلاء الذين يوادّون من حادّ الله ورسوله وينصرونه، يروجون أن أهل الرباط خسروا وأنهم سبب في الدمار والخراب وإزهاق الأرواح! وأن زعماء الرباط يحتمون بالمدنيين ويعيشون عيشة الرغد!

بل ورموا أهل الرباط -الظاهرين على الحق- بأنهم أصحاب عقائد فاسدة ومنهجهم فاسد، ووصل بالبعض من هؤلاء المرضى الحمقى بأن حكموا بردّة من وعدنا الله بنصرتهم وبشرنا رسوله الكريم بأنهم لا يضرهم من خذلهم.

وحديث الطائفة الظاهرة على الحق المتواتر والذي رواه ما يزيد على سبعة عشر صحابياً أشار فيه النبي r إلى أفعال هؤلاء ووصفها مرة بالخذلان، ووصفهم أخرى بالمناوأة، وثالثة بالمعادة، ورابعة بالمخالفة، وهذه الألفاظ تشير إلى أن المخالف والمعادي والخاذل والمناوئ يقع من القريب الذي تُرجَى منه النصرة.

ونحن نثق في وعد الله Y ووعد رسوله r، وأن هؤلاء المرابطين المجاهدين لن يضرهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم ولا من ناوأهم حتى يأتي أمر الله.

استحوذ عليهم الشيطان
يقولون: “التاريخ يعيد نفسه”، فأحداث التاريخ تتكرر وتتشابه إلى حد كبير؛ لأن وراءها سنناً ثابتة تحركها وتكيفها. وأفعال المجرمين والمفسدين والمنافقين تتكرر لأنهم يتغيرون ويتكررون ويهلكون. يكررون تجربة شيطانية واحدة هي تجربة إبليس نفسه الممتدة مع الزمن، وهذا سر الغفلة التي يقع فيها أهل الإجرام.. لا يعتبرون بمن سبقهم لأن معلمهم استحوذ عليهم فأنساهم ذكر الله، حتى أنساهم أنفسهم فكُتبت عليهم الحسرة والذلة والمسكنة، ودائماً هم الخاسرون.

والقرآن الكريم أشار إلى تشابه المواقف والأقوال والأعمال، نتيجة لتشابه الأفكار والتصورات التي تصدر عنها، وفي هذا جاء قوله تعالى: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ لَوۡلَا یُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِینَاۤ ءَایَةࣱۗ كَذَ ٰ⁠لِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَیَّنَّا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ١١٨].

وقال تعالى عن مشركي قريش: ﴿كَذَ ٰ⁠لِكَ مَاۤ أَتَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا۟ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ * أَتَوَاصَوۡا۟ بِهِۦۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ طَاغُونَ﴾ [الذاريات: ٥٢-٥٣]. أي: إن هذا الاشتراك والتشابه في الموقف من الرسل، بين الأولين والآخرين، والمسارعة
مقال: تثبيت المؤمنين وانتكاس المبطلين

بقلم: عبد القادر مهدي أبو سنيج

أيكون أهل الكفر والملاحدة وأهل الفن والغناء والرياضة أصحاب مواقف من الاحتلال والظلم والعدوان، وفي المقابل يكون أدعياء العلم عوناً للمعتدي الظالم على المظلوم المحاصر؟!

سبحانك ربي هذا بهتان عظيم وإفك مبين لا ينطق عليه إلا وصف النبي r: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ -أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ- كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ ‌وَالْخَلِيقَةِ».

وعن أَبَي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: “يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَأَنَّ هَذَا مِنْهُمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ مَعَ الْمَسِيحِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ ‌وَالْخَلِيقَةِ»[1].
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سالِمٌ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيدِ اللهِ -وكان كاتِبًا له- أنَّه قَرَأ كِتابًا كَتَبَه عَبدُ اللهِ بنُ أبي أوْفَى رَضيَ اللهُ عنهما إلى عُمَرَ بنِ عُبَيدِ اللهِ الذي كان أميرًا لِلحَربِ على الخَوارِجِ والحَرُوريَّةِ في عَهدِ الخَليفةِ علِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، والحَرُوريَّةُ همْ فِئةٌ مِنَ الخَوارِجِ، وكان في الكِتابِ: “إنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ في بَعضِ أيَّامِه”، أي: غَزَواتِه “التي لَقيَ فيها العَدُوَّ، انتَظَرَ حتَّى مَالَتِ الشَّمسُ”، وتَحرَّكَتْ عن وَسَطِ السَّماءِ، وبذلك تَكونُ الحَرارةُ قدِ انكَسَرتْ، “ثمَّ قَامَ في النَّاسِ” المُحارِبينَ معه، فخَطَبَ فيهم “فقال: أيُّها النَّاسُ، لا تَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ”، وهذا النَّهيُ لِأنَّ المَرءَ لا يَعلَمُ ما يَنتَهي إليه أمْرُه، ولا كيف يَنجُو منه، ولِأنَّ الناسَ مُختَلِفونَ في الصَّبْرِ على البَلاءِ، ولِأنَّ العافيةَ والسَّلامةَ لا يَعدِلُها شَيءٌ.

وأيضًا نَهَى ﷺ عن تَمَنِّي لِقاءِ العَدُوِّ؛ لِمَا فيه مِن صُورةِ الإعجابِ بالنَّفْسِ، والاتِّكالِ عليها، والوُثوقِ بأسبابِ القُوَّةِ، ولِأنَّه يَتضَمَّنُ قِلَّةَ الاهتِمامِ بالعَدُوِّ واحتِقارَه، وهذا يُخالِفُ الاحتياطَ والحَزمَ، “وسَلُوا اللهَ العافيةَ”، والعافيةُ مِنَ الألفاظِ العامَّةِ المُتناوِلةِ لِدَفْعِ جَميعِ المَكروهاتِ في البَدَنِ والمالِ والأهلِ والدُّنيا والآخِرةِ، وخُصَّتْ بالدُّعاءِ في هذا المَقامِ؛ لِأنَّ الحَربَ مَجالُ الإصاباتِ والابتِلاءِ، ثمَّ قال لهم: “فإذا لَقيتُموهم فاصْبِروا” فالصَّبرُ في القِتالِ والحَربِ فَرضٌ على المُسلِمِ ما دام ذلك في قُدرَتِه وطاقَتِه، وإنَّما يَأتي النَّصرُ لِمَن صَبَرَ أكثَرَ، “واعلَموا أنَّ الجَنَّةَ تَحتَ ظِلالِ السُّيوفِ”، أي: أنَّ لِقاءَ العَدُوِّ والنِّزَالَ بالسُّيوفِ مِنَ الأسبابِ المُوجِبةِ لِلجَنَّةِ، ثمَّ سَأَلَ اللهَ تعالَى النَّصرَ، فقال: “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتابِ”، وهو القُرآنُ، “ومُجْريَ السَّحابِ” بالأمطارِ والصَّواعِقِ ونَحوِها، “وهازِمَ الأحزابِ” وهُمُ الأحزابُ الذين اجتَمَعوا عليه ﷺ في غَزوةِ الخَندَقِ الأحزابِ، فهَزَمَهمُ اللهُ بالرِّيحِ العاصِفةِ مِن دُونِ قِتالٍ، "اهْزِمْهم وانصُرْنا عليهم".
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن تَمَنِّي لِقاءِ العَدُوِّ، وهذا غَيرُ تَمَنِّي الشَّهادةِ. وفيه: أنَّ الإنسانَ إذا لَقيَ العَدُوَّ فإنَّ الواجِبَ عليه أنْ يَصبِرَ. وفيه: الدُّعاءُ على المُشرِكينَ بالهَزيمةِ والزَّلزَلةِ.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى في العدد القادم.
وكان من ذكره ﷺ يوم الخندق: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده".
وفي هذا اليوم المجيد، أصبحت المدينة وأصبح الملك لله.. وأصبح النصر لله ورسوله وخلت الساحة من الأوثان والوثنيين الذين ولوا مدبرين.. تكنس الريح آثارهم ونفاياتهم.. نظر ﷺ إلى ساحة القتال فحمد الله هو وأصحابه.. وذكّرهم بنعمة الله عليهم ومعجزته التي لوت أعناق المشركين وأذلتهم، كما أذلت أعناق مشركين آخرين في زمن غابر جدًا.. إنهم قوم النبي الكريم هود، وهم قوم عاد؛ فقد نصر الله نبيه هود بريح عاتية آتية من الغرب، ونصر الله محمدًا ﷺ بريح عاتية آتية من الشرق، ولذلك يقول ﷺ: "نُصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدبور". وقال ﷺ: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده".

وقد حول ساحة المؤمنين إلى نصر وربيع؛ فالحمد والشكر لمن هزم الأحزاب وحده، كانت معركة غير متكافئة عددًا واستعدادًا لكن المؤمن عندما يفعل الأسباب ثم يتوجه بها نحو الله تتحول النتائج إلى أعياد.. ها هو ﷺ يبشّر أصحابه بعد انتهاء المعركة بنهاية عصر وبداية آخر.. يبشرهم ﷺ بانهيار هيبة قريش وانكسار حربتها، يبشرهم بأن الخندق مقبرة قوة قريش: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم".12

رابعاً: التذلل والافتقار لله عز وجل

فمنه دعاؤه في الخروج يوم بدر لأصحابه: "اللهم إنهم حفاة فاحملهم. اللهم إنهم عراةٌ فاكسُهم. اللهم إنهم جياعٌ فأشبعهم".
فعن عبد الله بن عمرو: أن النبي ﷺ خرج يوم بدرٍ في ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً؛ فقال: "اللهم إنهم حفاة" جمع الحافي "فاحملهم"؛ أي: أعطِ كل واحدٍ منهم المركوب، "اللهم إنّهم عُراة"، جمع العاري، "فاكسُهُم"؛ أي: أعطهم كساء. "اللهم إنهم جياع" جمع الجائع "فأشبعهم"، ففتح الله له؛ أي: للنبي ﷺ؛ فانقلبوا؛ أي: انصرفوا، وما منهم رجلٌ إلا وقد رجع بجملٍ أو جملين واكتسوا وشَبعوا.
وكذلك دعاؤه مما رواه ابن عباسٍ: قال النَّبيُّ ﷺ يوم بدرٍ: "اللَّهمَّ إني أنشُدُكَ عَهْدَكَ، ووعدك! اللَّهُمَّ إن شئتَ لم تُعْبَدْ" فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك، فخرج ﷺ؛ وهو يقول: "﴿سَیُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَیُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ"﴾ [القمر: ٤٥].

ودعاؤه بعد أُحد والصحابة صفوف خلفه:

"اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ اللَّهُمَّ لا قابِضَ لِما بَسَطْتَ ولا باسِطَ لِما قَبَضْتَ، ولا هادِيَ لِمَن أضْلَلْتَ ولا مُضِلَّ لِمَن هَدَيْتَ ولا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ ولا مانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولا مُقَرِّبَ لِما باعَدْتَ ولا مُباعِدَ لِما قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنا مِن بَرَكاتِكَ ورَحْمَتِكَ وفَضْلِكَ، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ النَّعِيمَ المُقِيمَ الَّذِي لا يَحُولُ ولا يَزُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ العَيْلَةِ والأمْنَ يَوْمَ الخَوْفِ، اللَّهُمَّ إنِّي عائِذٌ بِكَ مِن شَرِّ ما أعْطَيْتَنا وشَرِّ ما مَنَعْتَنا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا الإيمانَ وزَيِّنْهُ في قُلُوبِنا وكَرِّهْ إلَيْنا الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيانَ، واجْعَلْنا مِنَ الرّاشِدِينَ اللَّهُمَّ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ، وأحْيِنا مُسْلِمِينَ، وألْحِقْنا بِالصّالِحِينَ غَيْرَ خَزايا ولا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسَلَكَ ويَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ واجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وعَذابَكَ، اللَّهُمَّ قاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ، إلَهَ الحَقِّ".

وعَنْ أَبِي النَّضْرِ، عن كِتَابِ رَجُلٍ مِن أَسْلَمَ، مِن أَصْحَابِ النبيِّ ﷺ يُقَالُ له: عبدُ اللهِ بنُ أَبِي أَوْفَى، فَكَتَبَ إلى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ حِينَ سَارَ إلى الحَرُورِيَّةِ، يُخْبِرُهُ، أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ كانَ في بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ، يَنْتَظِرُ حتَّى إذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فيهم، فَقالَ: "يا أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ"، ثُمَّ قَامَ النبيُّ ﷺ وَقالَ: "اللَّهُمَّ، مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عليهم".

فالعَافِيةُ نِعمةٌ مِنَ النِّعَمِ التي يَنبَغي على المَرءِ أنْ يُدَاوِمَ على سُؤالِ المَوْلَى سُبحانَه وتَعالى إيَّاها.
أولاً: الاستبشار بوعد الله تعالى

كان النَّبيُّ ﷺ يُبشِّرُ المؤمنينَ بوَعدِ اللهِ لهم بالنَّصرِ والتَّمكينِ، وقدْ أيَّدَه اللهُ سُبحانه بمُعجزاتٍ ظاهرةٍ، وفي هذا تَثبيتٌ وتَأييدٌ للمؤمنينَ أنَّهم على الحقِّ الَّذي جاءهُم به النَّبيُّ ﷺ مِن ربِّه سُبحانه.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كُنَّا مع عُمَرَ بيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَتَرَاءَيْنَا الهِلَالَ، وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ البَصَرِ، فَرَأَيْتُهُ وَليسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أنَّهُ رَآهُ غيرِي، قالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لا يَرَاهُ، قالَ: يقولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ علَى فِرَاشِي، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عن أَهْلِ بَدْرٍ؛ فَقالَ: إنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ كانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بالأمْسِ، يقولُ: "هذا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، إنْ شَاءَ اللَّهُ". قالَ: فَقالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بالحَقِّ، ما أَخْطَؤُوا الحُدُودَ الَّتي حَدَّ رَسولُ اللهِ ﷺ، قالَ: فَجُعِلُوا في بئْرٍ بَعْضُهُمْ علَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ رَسولُ اللهِ ﷺ حتَّى انْتَهَى إليهِم، فَقالَ: "يا فُلَانَ بنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانَ بنَ فُلَانٍ، هلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَرَسولُهُ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي اللَّهُ حَقًّا". قالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لا أَرْوَاحَ فِيهَا؟! قالَ: "ما أَنْتُمْ بأَسْمعَ لِما أَقُولُ منهمْ، غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شيئًا".

وقد كان من وصاياه ﷺ: "إن بيَّتَكُم العدوُّ فقولوا: "حم لا يُنصَرونَ". ففي هذا الحَديثُ يُرشِدُ النَّبيُّ ﷺ أصحابَه حالَ مُباغَتةِ العدوِّ لهم، فيَقولُ ﷺ: "إن بَيِّتّكم"، أي: إنْ بيَّتَكم العدوُّ فقَصَدكم بالقتلِ ليلًا على غِرَّةٍ، واختَلَطتُم معَه، فَلْيكُن شِعارُكم "حم لا يُنصَرونَ"، أي: لِيَكُنْ هذا شِعارًا لكُم تتَعارَفون به، ويَعرِفُ بَعضُكم بَعضًا به؛ بأن يَقول: "حم لا يُنصَرون"، والمعنى: بفَضلِ السُّورةِ المفتتحةِ بـ"حم"، وهي سور: غافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف، ومَنزلتِها.. لا يُنصَرون، وسيَكونُ ذلك حتمًا بانهِزامِ الأعداءِ، ولا يُنصَرون، أي: لا يُنصَرُ الكفَّارُ عليهم.

ثانياً: اليقين والتوكل على الله تعالى

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ إذا غزا، قال: “اللهم أنت عَضُدِي ونَصِيرِي، بِكَ أَحُول، وبِكَ أَصُول، وبك أقاتل”.

وعنى عضدي: عوني. قال الخطابي: معنى أحُول: أحتال. قال: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون معناه: المنع والدفع من قولك حال بين الشيئين: إذا منع أحدهما من الآخر، فمعناه: لا أمنع ولا أدفع إلا بك.

ومن وصيّته ﷺ بالدعاء ذلك اليوم إذ بلغت القلوب الحناجر: "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا".، وَهُوَ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قُلْنَا يَوْم الخَنْدَق يَا رَسُول الله هَل من شَيْء نقُول قد بلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر قَالَ نعم اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوارتنا وَأمن روعاتنا قَالَ فَضرب الرب عز وَجل وُجُوه أَعْدَائِنَا بِالرِّيحِ فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى.
وأوصانا إذا خاف الإنسان قوماً أن يقول: "اللَّهُمَّ إِنَّا نجعلُكَ في نحورِهِمْ، ونعُوذُ بِكَ مِنْ شرُورِهمْ". تقول: جعلت فلاناً في نحر العدو: إذا جعلته قبالته، وترساً يقاتل عنك، ويحول بينه وبينك، والمعنى: نسألك أن تصد صدورهم، وتدفع شرورهم، وتكفينا أمورهم، وتحول بيننا وبينهم.

ثالثاً: الإكثار من ذكر الله تعالى

الإكثار من ذكر: "يا حي يا قيوم"، فعن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي عنه، قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال ثم جئت مسرعاً لأنظر إلى رسول الله ﷺ ما فعل فجئت فأجده وهو ساجد يقول: "يا حي يا قيوم" لا يزيد عليها، فرجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد، يقول ذلك، ثم ذهبت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك، فلم يزل يقول ذلك حتى فتح الله عليه.

قال الخطابي: لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي ﷺ في تلك الحال، بل الحامل للنبي ﷺ على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم، لأنه كان أول مشهد شهده، فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة، فلما قال له أبو بكر ما قال كف عن ذلك وعلِم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة.
مقال: تثبيت النبي ﷺ لأصحابه عند لقاء العدو (1/2)

بقلم: خالد خضر بيضون - كاتب من بيروت

ينشغل العالم منذ أيام بمتابعة ما يجري من أحداث على أرض #فلسطين، وبخاصة بعد الملحمة البطولية التي سطّرها المقاومون الشجعان بسواعدهم يوم السبت 7 أكتوبر 2023م، الذي وافق 22 ربيع الأنور 1445. ومع استعار الحرب بمرور الساعات والأيام، وتمادي قوات الاحتلال بقتل المدنيين العزّل من الشيوخ والنساء والأطفال وتهجير من بقي على قيد الحياة منهم من أرضه، ينشغل الناس بمتابعة مختلف التحليلات حول السيناريوهات المرتقبة ونشهد سيلاً من المعلومات والتصريحات والأحداث التي تجد تأثيرها فيه نفس المتابع وفكره.

ولأن النبي ﷺ هو قدوة المسلم ومرجعيّته، فإن على المسلم اتباع الهدي النبوي في هذه اللحظات، فبه تكون الطمأنينة ويتحقق النصر وشفاء الصدور بإذنه تعالى، فكيف تعامل النبي ﷺ مع أصحابه عند لقاء العدو؟
"لقد تعلمنا أن لنا أولويات في كل شيء، أولوية في الولاء وفي البراء وفي السلم وفي الحرب، أولوية فيما نسمع وفيما نتكلم، وحتى في الطعام والشراب والنوم وغير ذلك، واليوم نحن أمام أخطر قضية عرفها التاريخ الحديث وهي قضية القرن الواحد والعشرين"

من مقال: عامٌ على الطوفان (1/2)

بقلم: د. حسين عبدالعال

اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/gIu
كان بالإمكان أن يُتَفهم هذا الأمر لو كانت دول العالم قد نبذت القوة، ودمرت سلاحها، لكن العالم اليوم يقدس القوة، ويتفنن في تصنيع الأسلحة الفتاكة، ويتسابق في امتلاك السلاح النووي، ولم يتخلص العالم من فكرة "إن لم تَغزُ تُغْزَ"، بل يبالغ فيها لكنه يغطيها بوسائل إعلامية ماكرة، ولا تتوقف دول الاستكبار عن الكيد، والتآمر، وسرقة ثروات الشعوب الضعيفة، وإذكاء النزاعات،.. إلخ.

أمام كل هذا، يتبرأ المسلمون من سيوفهم الحديدية وأسلحتهم الضعيفة المستوردة من أعدائهم، ويكسرون رماحهم الخشبية، وأصبح الضعفُ في عيون بعضهم فضيلةً، ولم تعد الشهامة والعزة والكرامة من سمات العربي، بل تتفنن أنظمة العرب اليوم في الانقياد للأعداء، والتذلل لهم، وكأن هذه الأمة ما ورد في كتاب ربها: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم..﴾ [الأنفال: 60].

لقد عدّ القرآن الكريم الرضا بالضعف والهوان خطيئةً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ [سورة النساء: 97]، وكان رسول الله ﷺ يستعيذ بالله من الضعف، وأسبابه، وأشكاله، فكان يدعو: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ".
وجاء في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ، أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ، قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ، قَالَ عُقْبَةُ: لَوْلَا كَلَامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَمْ أُعَانِيهِ، قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لِابْنِ شَمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا" أَوْ "قَدْ عَصَى".
ولا تقوم للأديان ولا للأمم قائمة دون قوةٍ تحميها، وجندٍ يحرسونها، "فإن قوام الدين بالكتاب الهادي، والحديد النَّاصِرُ" كما يقول ابن تيمية رحمه الله، وأما ادعاء أن الأديان أو الأفكار الإصلاحية يمكن أن تجد لها مساحةً تقوم عليها في الأرض دون قوة عسكرية تحميها، فهي فكرة حالمة، "فَلَيْسَ دِينٌ زَالَ سُلْطَانُهُ إلَّا بُدِّلَتْ أَحْكَامُهُ، وَطُمِسَتْ أَعْلَامُهُ. وَكَانَ لِكُلِّ زَعِيمٍ فِيهِ بِدْعَةٌ، وَلِكُلِّ عَصْرٍ فِيهِ وِهَايَةُ أَثَرٍ".

إن الأمة اليوم مطالبةٌ أن تتوب إلى الله توبةً نصوحًا من ضعفها، وعجزها، وقلة سلاحها، وعليها أن تربي أبناءها على الشجاعة والعزيمة وامتلاك القوة، وأن تتذكر أن من أهم فروض الكفاية المعاصرة امتلاك كافة وسائل القوة العسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، وأن تعلم أنه لن يحميها من عدوان الأعداء إلا سلاحها، وأن كل مؤسسات النظام الدولي، وكل القوانين والمعاهدات الإنسانية لن تحمي ضعيفًا، ولن تنصر مظلومًا، بل هي الوجه الآخر للقاتل، فامتلاك أمتنا للقوة العسكرية الحقيقية هو طريق عزتها وكرامتها، وما سواه تُرَّهات، وإضاعة أوقات، و"مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إِلَّا عَمَّهُمُ اللهُ بِالْعَذَابِ" كما قال سيدنا رسول الله ﷺ.
مقال: التوبة من خطيئة الضعف!

بقلم: نور رياض عيد - كاتب من قطاع غزة

لو أن شخصًا جاء بعد 100 سنة ليقرأ ذلك الكم الكبير الذي كتبه علماء الإسلام ودعاته حول تمجيد السِّلم، والدعوة للسلام، ونبذ العنف، والبراءة من امتلاك السلاح، لظنَّ أن المسلمين كانوا في هذه الأيام هم مَن يسيطرون على العالم، ويحتلون بلدانه، ويستضعفون شعوبه، وأن جيوشهم تمتلك الترسانة العسكرية الأقوى التي تقتل بها أعداءها صباح مساء، فاضطر علماء الإسلام لتجميل الصورة، وتقديم التبريرات.

أو للتخفيف من وطأة الظلم الذي يوقعه المسلمون بغيرهم، ولن يخطر في بال ذلك القارئ أن هؤلاء الكُتَّاب كانوا من أبناء أمة مستضعفة، مهيضة الجناح، مستباحة الحدود، مسلوبة الخيرات والمقدرات، يُذَبَّح أبناؤها في مشارق الأرض ومغاربها.

لقد جعل الاستعمار المسلمين مستضعفين يحملون نفوسًا تعيش عقدة أنهم الظالمون، وضحايا بضمائر تؤنبهم وكأنهم المعتدون، فَمَثَل المسلمين اليوم كالدجاجة التي تُذبح لكنها تتألم لأن بعض قطرات دمها جاءت على ثوب الجزار، أو كالشاة التي تعتذر للذئب وهو يُقَطِّعها بأنيابه لأنها لم تأتِ لترمي بنفسها بين أنيابه، بل اضطرته للجري وراءها قبل أن يفترسها.
"لقد جرَّب الناس أصنافًا من البلاء لم تخطر لهم ببال، حتى إنه ليمكن عد الحروب السابقة نزهةً حقيقيةً بالقياس عما نرى، وصرنا نستذكر ما بلغنا عن إخواننا من قبل في #العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها من بلاد الإسلام."

من مقال: في غمرات الطوفان (1)

بقلم: الشيخ محمد بن محمد الأسطل - من علماء غزة

اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/dyh
لقد كان رجال هذه الأمة عبر تاريخها يملكون أسلحتهم القتالية الشخصية، ويجيدون استخدامها بمهارة وكفاءة عالية، ليكونوا دائماً على أهبة الاستعداد للنفير في سبيل الله متى دعا داعي الجهاد، ولتكون سيوفهم أداة إقامة الحق، ودفع الظلم، وصون الحرمات، حتى جاءت الدولة الحديثة، فجردت الأمة من سلاحها، لتحتكر هي حق تصنيعه وحيازته واستخدامه، ليسهل عليها إخضاع الناس والبطش بهم، دون أن يكون لها رادع من سيف يُرفع أو رمح يُشرع.

من مقال: قراءة في مقتنيات السنوار (1)

بقلم: د. سميح عبدالرحمن -مدير أكاديمية أنصار النبي ﷺ

اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/smk
قبل 48 سنة بالضبط قال لي بدوي من أهل الحجاز المعمّرين، الذين زاروا ديارنا المقدسة قبل احتلالها ويعلم حجم المعاناة التي يعانيها أهلنا في ظل الاحتلال، في سبعينات القرن الماضي: "لو كنا مكانكم ما تحملنا ما تتحملون...". يومها قلت له: ماذا تقول؟ ألا تعلم أن أرضنا مباركة (بحجرها وشجرها وبشرها)؛ كيف نتركها؟

بعد هذه الكلمة ازداد تعلقي بـ #فلسطين الأرض التي بارك الله فيها للعالمين؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَجَّیۡنَـٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا لِلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء: ٧١].

تعلمت وبدأت أقرأ عن أفضلية بيت المقدس وأكنافه؛ عن الطائفة المنصورة؛ والتي قال ﷺ في أهلها وأمثالهم: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي منصورين لا يضرهم مَن خذلهم حتى تقوم الساعة".
وأحاديث كثيرة حددها ببيت المقدس وأكنافه؛ ولقد عشنا سنوات شديدة من البؤس والحرمان؛ صغاراً وكباراً، وتغربنا وطال بنا المقام؛ ورأينا الوجع على أصوله، والألم والحرمان بأنواعه وأشكاله، مررنا بحروب كارثية؛ إلا أن معركة طوفان الأقصى، وما بعدها من حرب ضروس طاحنة، رأينا خلالها كل أنواع القنابل والدمار والموت الذي مر بجانبنا وما زال في العمر بقية.

مرّ بها كل الشعب دون استثناء؛ بأوقات وحوادث كارثية، ما لا يمكن وصفها! ولا يمكن تحملها إلا مَن منَّ الله عليه وأذن له بالصبر والثبات والتحمل..
حتى تذكرت كلام صاحبي الحجازي المعمر؛ تذكرته ونحن نتعرض لأبشع أنواع القتل، وأقذر حرب يخوضها الأنذال ضد الأبرياء؛ وهذا الخذلان العجيب والغريب؛ ومع ذلك يصبر الناس على اللأواء ويثبّت الرجال الرجال بمقاومتهم في وجه أشرس آلة عسكرية مدمرة؛ ويثخنون في العدو الجراح؛ ليمر عام وأكثر الآن من الصبر والثبات والصمود والتحمل والتحدي والمواجهة.

وكأننا بثباتنا وصمودنا وصبرنا وتحملنا يذكرنا رسول الله ﷺ باشتياقه ويقول: "ودِدْتُ أنَّا قدْ رَأَيْنا إخْوانَنا". وفي حديث آخر يبيّن مَن هؤلاء الإخوان؛ فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُم"؟! قَالَ: "بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"1.

لن نناقش في موضوع الأفضلية، فالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين خير وأفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام، ولهم الخيرية والأفضلية بصحبة النبي ﷺ ورؤيته، وهذه مزيّة لا ولن يصلها أحد من الناس مطلقاً مهما صنعوا وعملوا، ومع ذلك قال النبي ﷺ: "الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ".
الصبر.. ثم القبض على الجمر! صبر لا يوصف؛ فدقّة المعنى لا يُعلم إلا من خلال السياق: "الصبر فيهن مثل القبض على الجمر"؛ مَن يستطيع أن يقبض على جمر النار؟!

أهل #غزة لهم أكثر من سنة يقبضون على جمر النار!
أكثر من سنة من الموت المتواصل والدمار الشامل يحيطهم والتشريد والنزوح يشملهم، والحر والغلاء والقلّة والفاقة والحرمان يغلي بهم، بلا طعام ولا ماء ولا غذاء ولا دواء..
بل رأينا المرأة وهي تحترق دون أن ترفع صوتها؛ وتتحرك ببطء تنتظر فرج الله بقرب ولوج جنة الله؛ كأنها وهي تحترق ترى الجنة!
إن المرء لا يتحمل هذا العيش يومين أو ثلاثة؛ أسبوعاً أو أسبوعين... شهراً بالكثير!

معظم الدول التي حاربت في الحرب العالمية الثانية لم يتحملوا الحرب، من خمسة أيام لعدة أسابيع ثم استسلموا.. أما غزة!
غزة وحدها حكاية؛ ليأخذ الصابرون أجرهم بغير حساب؛ أجر العامل الصابر فيها أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين..
أعلمتم ماذا تعني غزة وأهلها؟
إنها الطائفة المنصورة؛ أجر المقيم الصابر العامل المحتسب فيها راضياً بأجر خمسين من الصحابة؛ فكيف بالمجاهد المرابط؟
اللهم لا تحرمنا أجرهم وصحبتهم!
مقال: هنيئاً لـمَن أجرُه كـ50 صحابياً

بقلم: الشيخ حسن عبدالله الخطيب - عضو رابطة علماء فلسطين/ غزة
"أي بطولة يفخر بها المرء إذ يستطيع أن يقتل بإلقاء القنابل، وهو في طائرة تعلو آلاف الأميال على قومٍ من العُزَّل الذين لا يطالونه، أو حتى يقتل وهو في مركز للتحكم وقد أرسل طائرة مُسَيَّرة يتحكم فيها كما يتحكم في الألعاب الإلكترونية، يرى الناس من حيث لا يرونه، ويفتك بهم من حيث لا يدركونه؟!"

من مقال: سنوار مان!.. حاشية على رثاء أبي إبراهيم!

بقلم: م. محمد إلهامي -رئيس تحرير مجلة أنصار النبي ﷺ

اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/vWW
دأبت الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ على منح وسام "شيخ الأنصار" في كل عام لشخصية من الشخصيات المؤثرة في العالم الإسلامي، وتشرفنا في العام الثالث بمنح الوسام لاسم الشيخ الشهيد إسماعيل هنية، ابن الأزهر الشريف والجامعة الإسلامية، وتسلم الوسام نجله الأكبر عبد السلام هنية، الذي ذكّر بمشوار والده العلمي، ومواقفه مع شيوخه وأساتذته، حتى وصل إلى قيادة (حماس) كبرى الحركات الإسلامية المجاهدة.

مقال: هيئة الأنصار في خندق الطوفان

بقلم د. محمد الصغير - رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ

اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/awW
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
م. محمد إلهامي -رئيس تحرير مجلة أنصار النبي ﷺ- يتحدث عن دور المجلة ويحث الجميع على التفاعل معها، خلال مؤتمر الذكرى الثالثة لانطلاق الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ

#مؤتمر_الأنصار_والطوفان
ونحن والله على ثقة بأن الله الذي أرسل الأرضة التي أكلت الصحيفة غير باسمك اللهم، قادر سبحانه أن يرسل جنودًا من عنده -وما يعلم جنوده إلا هو- لنصرة أهل المسرى وأهل غزة، ولكن كما قال ربنا: ﴿ذَ ٰ⁠لِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ﴾ [محمد: ٤]، وكما قال أيضًا: ﴿لِیَمِیزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِ وَیَجۡعَلَ ٱلۡخَبِیثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَیَرۡكُمَهُۥ جَمِیعࣰا فَیَجۡعَلَهُۥ فِی جَهَنَّمَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٧].
فسارِع أيها المؤمن لتكون في صف الطيبين، وإن أصابك ما أصابك من بلاء، وأبعد نفسك عن صف الخبيثين، وكن واثقًا في نصر الله المبين، وكن أنت حامل اللواء والمدافع عن إخوانك، حتى يأتي النصر وأنت في خندق المؤمنين، أو يأتيك الأجل وأنت ثابت على طريق الموحدين.

وللحديث بقية في العدد القادم إن شاء الله تعالى.
وهذا هو العربي الأصيل وإن كان يعيش في جاهلية قبل الإسلام، فكيف بالعربي لو أسلم؟ فالأصل أنه يزداد حبًا وتمسكًا بكرامته وعزته، خاصة والإسلام يدعوه لأن يكون عزيزًا كريمًا، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [المنافقون: ٨] أي: حصرًا وقصرًا عليهم، ومعنى هذا أن الذي يرضى بالذل والهوان ليس مؤمنًا، بل إن الذي يرضى بالاستضعاف دون عذر فإن الله تعالى يتوعده بالعذاب وإن ادعى الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰ⁠سِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا﴾ [النساء: ٩٧-٩٩] وهؤلاء مسلمون وربما من الصحابة، لكن جريمتهم أنهم رضوا بالاستضعاف، والرضا بالاستضعاف ينافي التمسك بالعزة والكرامة.
ولو تأملنا حال بلال -رضي الله عنه- وهو يستعذب البلاء في سبيل الله تعالى، وهو يصرخ في وجه عدوه قائلًا: "أَحد أَحد"، ثم يقول: "لو كنت أعلم كلمة هي أغيظ لهم منها لقلتها". إنه سمو الروح وحب العزة والكرامة، وإن أدى ذلك للقتل أو الموت.

عام من الحصار والمقاطعة

وبرغم ما في العام من عزة وكرامة ونشوة بالنصر، إلا أنه عام من الألم والجوع لأعز أناس على قلوبنا -أهل غزة الأبطال- يذكّرنا أبطال غزة بما فعلوه في السابع من أكتوبر 2023م وما تلا ذلك اليوم، يذكروننا بكثير من مواقف السيرة النبوية المطهرة، على صاحبها أفضل صلاة وأتم تسليم، فاليوم نتذكر شِعب أبي طالب، ذاك الشعب الذي ضم بداخله بني هاشم وبني المطلب، دونَ قريش كلها، وقفوا استجابة لدعوة أبي طالب لهم، استجابة للنخوة والرجولة والشهامة، عرَّضوا أنفسهم وذراريهم للمقاطعة والجوع والحرمان دون أن يتخلوا عن شهامتهم ومروءتهم.. وقوفًا أمام قومهم لما رأوا منهم ظلمًا وعدوانًا لا مبرر له، في حين انحازت بقية القبائل لصف الصلف والجور مع أبي جهل ومَن معه، حتى أبناء العمومة كالمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وعتبة وشيبة ابني ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، هؤلاء تخلوا عن بني عمومتهم ووقفوا في صف الطغيان.
وتستمر المقاطعة ثلاث سنوات متواصلة، يحرم فيها بنو هاشم وبنو المطلب من كل حقوقهم في البيع والشراء والمناكحة وحتى من التجول والخروج سوى في الأشهر الحرم، كل هذا لأجل عدم التفريط في ابنهم والمسلمين معه، وما منع أبا جهل وعصابته من قتل محمد ﷺ إلا خوفه من سيلان بحور الدم ممن ناصروه ومن بني هاشم والمطلب المدافعين عن رسول الله ﷺ.

لكن تلك المقاطعة كانت تتخلق بأخلاق الجاهلية الأولى (وأقصد بذلك مدحًا لها لا قدحًا فيها) فبرغم الحصار لهم كانوا يحافظون على بعض أخلاقهم التي تربوا عليها، فبنو هاشم والمطلب ما دخلوا في حلف أبي طالب إلا لحفاظهم على عاداتهم من عدم التخلي عن ابنهم، ومن مناصرتهم للمظلوم وإن كلفهم ذلك حياتهم، وحتى المحَاصِرون -بكسر الراء- كانوا يخشون رغم ظلمهم أن يؤثَر عنهم أنهم تخلوا عن أعرافهم، ولذلك قاموا هم أنفسهم ينقضون الصحيفة التي كتبها صناديدهم، فرأينا هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية المخزومي، ومطعم بن عدي، وأبا البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، يتمالؤون بالليل سرًا على نقض الصحيفة، ولو أرادوا توسعة دائرتهم لوجدوا العشرات معهم، ممن يرفضون الظلم والقطيعة.

حصار غزة ليس له مثيل

ولكن جاهلية القرن الواحد والعشرين جاهلية جهلاء، لا تعرف قيمًا ولا أخلاقًا وليس لها من العادات ما تحترمه، وليس من بينهم من يستطيع تقليد المطعم أو زهير، لذلك حصار ومقاطعة أهل غزة أشد بكثير من حصار أبي جهل للمسلمين الأول، حصار اليوم تنصب فيه الحمم صبًا على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ والضعفاء، حصار اليوم لا يوجد فيه من يقول للظالم أنت ظالم، لا يوجد فيه زهير ليطوف بالبيت ثم يقول: "أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة"، لأن اليوم دار ندوتهم -وما يسمونه مجلس أمنهم- لا يعرف شيئًا عن الأخلاق والعادات الكريمة، ولأن زعماء جاهليتنا ليس فيهم أمثال المطعم ولا زمعة ولا هشام، وغاب عنهم حكيم بن حزام الذي كان يمد عمته خديجة بالليل سرًا بالطعام والشراب.
لقد شعرنا وشعر الأحرار في يوم السابع من أكتوبر 2023م شعورًا حقيقيًا بمعنى العزة والكرامة، وتنفسنا الصعداء فرحًا ونشوةً وسرورًا، وهتفنا من أعماقنا: الله أكبر الله أكبر، أحقًا ما رأينا وسمعت آذاننا؟ أحقًا اقتحم الأسود سلكًا كلف المليارات؟ واقتحمت صواريخهم قبة صوروها لنا أنها تصطاد الحشرات؟ أحقًا أسر أبطالنا أكثر من مئتي وخمسين خنزيرًا صهيونيًا في لحظات قليلة وقتلوا أكثر من ألف وثلاثمئة آخرين؟ أحقًا يفر المستوطنون خوفًا وفزعًا؟ ويهجر الآلاف منهم أرض الميعاد المزعومة؟ نعم هذا كله وغيره أشعرنا بعزة الإسلام، وكرامة المسلم، وبهجة النصر العظيم.

وما زلنا طوال هذا العام ونحن نشعر بالعزة رغم الألم، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]. أنتم الأعلون حتى في لحظة الهزيمة، فكيف بكم في حالة النصر؟! في حالة النصر أنتم الأعلون وتشعرون بالعزة والكرامة ونشوة النصر.

نشعر بالعزة كلما سمعنا عن قتل خنزير فكيف بقتل المجموعات منهم؟ نشعر بالعزة كلما شاهدنا صورة للميركفاة وهي مشتعلة بمن فيها، نشعر بالعزة كلما رأينا منزلًا يفجر بالخنازير، نشعر بالعزة كلما سمعنا (النتن) يصرخ كالمجنون ويتهدد ويتوعد ووجهه مكفهر من آثار الهزيمة، نشعر بالعزة وهم يقولون نحن ننتظر ردّ المقاومة بالموافقة على الصفقة من عدمه، نشعر بالعزة ونحن نرى العالم كله على قدم وساق والمقاومون في هدوئهم وثباتهم.
هذه حالة يشعر بها الأحرار من الناس، ولا يشعر بها العبيد منهم، فالأحرار سعداء تسموا أرواحهم، وإن كانت تمطرهم القنابل، وما رأيناه وما زلنا نراه من أهل غزة يدعونا دائمًا للعزة والكرامة.


﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

لقد تعلمنا أن لنا أولويات في كل شيء، أولوية في الولاء وفي البراء وفي السلم وفي الحرب، أولوية فيما نسمع وفيما نتكلم، وحتى في الطعام والشراب والنوم وغير ذلك، واليوم نحن أمام أخطر قضية عرفها التاريخ الحديث وهي قضية القرن الواحد والعشرين، وهي قضية (طوفان الأقصى)، والتي سطرت ملحمة جديدة وعظيمة وغريبة على التاريخ المعاصر، ولزاماً علينا أن نجعلها أولويتنا العظمى، وأن نقف في صفها وأن ندعمها وأن لا ننشغل عن دعمها بأي أمر آخر وإن عظم قدره، وأكثر ما يريده بني صهيون هو أن ننشغل بقضية غيرها، وخاصة أن ننشغل بقضايا خلافنا مع بعضنا أو مع بعض المحيطين والمتربصين بنا، ولو انجررنا للنزاعات مع بعضهم، فسننسى قضيتنا الأساسية، وينفرد الذئب بالضحية يفعل بها ما يشاء.

وإن أولى ما ننصر به قضيتنا (قضية الطوفان) هي وحدتنا وترك الخلافات بيننا، فوحدة قلوبنا سبب للنصرة، لقوله تعالى: ﴿لَّقَدۡ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ یُبَایِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَثَـٰبَهُمۡ فَتۡحࣰا قَرِیبࣰا﴾ [الفتح: ١٨]، فلولا تآلف قلوبهم ووحدتهم على الحق لما استحقوا السكينة ولا الفتح القريب، ولذلك فإخواننا في غزة يجاهدون المحتل ويتنزل عليهم النصر بوحدتنا معهم وتآلف قلوبنا.. وهذا يدفعنا للدعاء لهم، فنصرهم عائد على الأمة كلها لذا هم في حاجة ماسة لوحدة قلوبنا، وإنا لنخشى والله أن نكون سببًا في تأخير النصر عن إخواننا بسبب تنازعنا واختلاف قلوبنا، عافانا الله وإخواننا من ذلك!

عام من العزة والكرامة

كثير من الناس يعيشون في الأرض معيشة الأنعام -أعزكم الله-، فلا يرون الحياة إلا علفًا يؤكل، وماء يُشرب، ولذة تُقضى، وإن داروا في فلك الساقية ليل نهار، وإن أذلهم صاحب البستان وأمطرهم بوابل من الشتائم وأحيانًا بعض السياط، المهم عندهم أنهم نجوا من السكين وإن عاشوا ذليلين خاضعين، وتلك هي حياة العبيد.
والبعض الآخر وهم القلة، لا يرضون بمثل هذه الحياة الذليلة مهما كان الثمن، فهم يرضون بالفقر والجوع والعذاب بل والموت، والمهم أن يكونوا أعزة مرفوعي الرؤوس، يعيشون بكرامة وإباء، ويموتون بكرامة وإباء، وهم يعلمون أن عزتهم وكرامتهم لا تقصر لهم عمرًا.
يقول عنترة بن شداد واصفاً هذا الشعور بالكرامة والعزة:
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها
وَاقدِم إِذا حَقَّ اللقا في الأَوّلِ
وَاختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ
حِصنٌ وَلَو شَيّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزةٍ خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إلى أن قال:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلّة
بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
مقال "عامٌ على الطوفان" (1/2)

بقلم د. حسين عبد العال - عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
Telegram Center
Telegram Center
Канал