ضع لي أغنية عن الفجر يا حبيبي صف لي ملائكة يأتون بالشمس يبتكرون الضوء والناس نيام. ضع لي أغنية، وتذكرني دع عنك اللغة، والشعر، والموسيقى. يا حبيبي أغنية تشبه ضحكتك فيها من الدمع ما يغني اللحن ومن الصمت ما يشبه الكلام. ثم سمّها ان شئت؛ أغنية قلبك.
غارقٌ في غموضِ العائلة في صمتِها في مجاعةٍ تمتدُّ كحبلٍ طويلٍ يلتفُّ بلا نهايةٍ حولَ خواصِرِ أيّامنا غارقٌ في عبوسِ الترابِ وسخريةِ الماءِ غارقٌ في حزن هواءٍ يصهلُ في جيوبي ويختنقُ في شوارعِ صدري غارقٌ في ضجرِ العتمةِ من ملامحِ وجهي وسأبقى كذلك ما لمْ يُصدِر الطّينُ وآلهةُ الطين توضيحاً عاجلاً لجَلَبةٍ تُحدِثُها كل يومٍ سيرةُ الأواني الفارغة
لا أريدُ أنْ أبكي نَدماً على جرائمي أريد لدموعي أنْ تُخفي الأدلّة. كأنَّ الجريمةَ كانت مجردَ حلمٍ جرفته الرياحُ إلى زوايا النسيان. في كلِّ زقاقٍ، أرى ظلي ينتظرُ عودةَ الوجع، بينما تُراقصُ الأضواءُ العمياء أحلاماً مُتكسّرةً على أرصفةِ الشوارع. أريدُ أنْ أصرخَ في وجهِ الغياب أنْ أُشعلَ النارَ في أوراقِ الذكريات فلا يُكتبُ لي تاريخٌ يسجلُ هزائمي، ولا يُحصى لي عِدادُ الخسارات. أريدُ أنْ أُخبئَ الجريمةَ في قلبي وأُطوّقَها بسلاسلَ من صمتٍ لكنَّ الأنينَ يصرخُ في أعماقي ككائنٍ بلا مأوى، يبحثُ عن ظلِّه المفقود. لا أريدُ أنْ أبكي فالبكاءُ ليس لي، هو للذين لا يزالون يؤمنون بأنَّ للجرائمِ نهاية، بينما أنا، أعيشُ في دائرةٍ لا تُغلقُ أبداً.
لا علاقةَ للريحِ باشتهاءاتِ السفن كل ما في الأمر أننا نحاول لومَ أي شيء حين نسلكُ الطرق الخاطئة. نلومُ القمر على ظلمةُ الأيامُ - نلومُ البحر على أبتعاد السفن ونلومُ الحب- بعد كل بكاء
قبل سبع وعشرين عاماً كانت الأمور على ما يرام.. حتى قرر زوجان ليس بجرابهما ما يخسرانه إنجاب طفلٍ عاشرٍ.. وفي يوم كهذا مساء جمعة غائمة جئت أنا إثر مزحة عاطفية.. فأخذني الآخرون على محمل الجد للآن.. حيث كبرت فجأة بينما ظلي لازال هناك يلعب مع صبية الحي.. ثم وفجأة كذلك صرت مثل منعطف.. كل الأشياء التي تصلني تغير مسارها وتبتعد.. ورغم كل هذا ها وصلت بـ 27 عاماً و11 شهراً و30 يوماً.. أي ما يعادل 243.638 ساعة وأنا أحاول جاهداً أن أورق.. لأنني أعرف أن خلو القلب من الأمل يعني العطب. خائفاً أقفُ عند حافة هذه السنة.. وأَنظرُ للسنة الأخرى بعينينِ مِلؤهُما رجاءاتٍ كثيرة.. أضع رجليّ على الحافةِ تماماً.. مستعداً للقفزِ بأملٍ خجول.. وأحلامٍ مؤجلةٍ حتى إشعارٍ آخر.. أهمسُ لها أن ربما هناك ملجأٌ في الضفةِ الأخرى فلا تخذليني الآن. وها أنا الآن أيضاً وقد جلستُ عند باب الثامن والعشرين بظهر تعِب مبكراً.. ليس في جراب أيامي إنجاز عظيم.. غير أنني لم أنس ما قاله الأمل: "انتبه لمروءَتك أن يَخْرمها الطمع".. ثم ماتَ بكامل مروءتِه. أحد ما يوقف هذا المصعد.. نريد ارتقاء العمر من الدرج أرجوكم.
الشيطان أول من دخل الجحيم، كان أول عذابٍ جربه هناك، هو الوحدة. ففي ظلمة الزنازين، لا صدى للخطوات، ولا صديق يفتح باب الأمل، أو يتفقد الأحوال. كان يصرخ في الفضاء، لكن صرخاته كانت تُخنق، تغرق في بحورٍ من الصمت، تسبح في أفقٍ بلا نجوم. كان يراقب الوجوه، التي جاءت بعده، فكلها تحمل عبء العزلة، وتتلمس الطريق في ظلمةٍ أكثر عمقًا. فالعذاب ليس بالنار وحدها، الوحدة نار دون لهب
كمحاولةٍ أخيرة، تلفّ يديكَ بقطعةِ قماشٍ جيداً، كأنك تُعانقَ أملاً مُهدمًا، ثم تمدّهما في وسطِ هؤلاء، الذين يشتعلونَ حولكَ، كالأشجار في عاصفةٍ مدمرة، تُراقب اللهب يتراقص في أعينهم، والجنون يشتعل في صدورهم، بين صرخاتٍ وضحكاتٍ مُزيفة. وفي خضمِّ العواصف، تُبصرُ جموعَ القومِ، كأنهم حُمرٌ تَسُرُّ، على سُرُرٍ من خوفٍ وقلق، أو كأنهم جُندٌ في معركةٍ، يُحاربون طواحينَ الهواء، تأملُ في الوجوهِ المُتعبة، تُدركُ أن الغيمَ لا يحملُ إلا العواصف. فأنتَ، في جوفِ العاصفة، تُعيد تجميع شظايا ذاتكَ، تستجمع قواكَ، كأنك تُدافع عن عِرضٍ مُستباح، تسعى لتُعيد بناءَ ما تحطّم، وتُدرك أنكَ في النهاية، تحمل قلبكَ في يديكَ، كأنها محاولةٌ أخيرة، لتُعيد رسمَ ما كان في زمنٍ جميل.
أتذكرون اللّيل ؟ اللّيل الذي كنتم ترمونه ، بالغناء و القوارير الفارغة كنت من وراء ظهوركم اتفقدّه و أغطّيه و أعطيه أحيانا ما يأكل من أحلام نيئة لقد سافر و اشتغل نازفًا في بلدان كثيرة و عاد غنيّا جدّا التقينا اليوم في المقهى ؛ شرب عاهة قديمة ودخّنت أنا من زندي و طلب هو ندمًا بالوقت يقول أنّه سيأخذني معه فلا أحد يبني جرحًا مثلي في ليالي الصّقيع
كلُّ الدموعِ لها بيوتٌ فلمْ أقرأ أبدًا عن دمعةٍ مشرّدة لم أُصادفْ منها ما يتدحرجُ في الشوارع ولم أجد طوفانًا يُعزى إلى فيضٍ من البكاء. نحنُ بيوتٌ دافئةٌ لدموعِ الآخرين بيوتٌ تصدحُ بأسماء البكّائين الحزانى أولئكَ الذين ينتحبون عندما يسكنونَ أرواحنا دونَ أن يعرفوا أنّ أحزانهم قد نبتتْ كالأشجارِ في صدورنا.
أنا ألفٌ ألفُ حزين كظلٍّ يتبعني في كلِّ حين أبحثُ عن ضوءٍ يُحرّرني من أغلالِ الليلِ والأنين. في القلبِ حكايا تُنسجُ من خيوطِ العزلةِ والحنين كأنَّ الدموعَ نهرٌ يجري يُغرقُ أحلامي في السديم. أراقبُ السماءَ، ونجومها تتراقصُ كأرواحٍ ضائعةٍ بين لحظاتٍ ولّت، وأخرى تسيرُ في طيفِ الظلامِ الحزين. أسمعُ صدى أسئلتي تترددُ في زوايا الذكرياتِ لماذا تتبددُ البسمةُ كسرابٍ في صيفٍ مُنهكٍ، بلا ربيع؟ أنا ألفٌ ألفُ حزين أحملُ آلامي كأسرارٍ لا تُفصحُ عن نفسها، تتجلى في كلِّ عينيَّ كأنَّ الحزنَ هو الرفيقُ في دربٍ لا نهايةَ له.
للحزن ذيلٌ يجرّني عبر الأزمنة كظلالٍ تتراقصُ على حافةِ النسيان، يمتدُّ في فضاءٍ لا تعرفُ فيه النجوم طريقَ العودة. أستشعرُ ثقلَ الذكريات كحجرٍ على صدرِ البحر، كلما ناديتُ الفرحَ يبتعدُ في الدروبِ كأنما يعرفُ أنني أسيرٌ بين الجدران وأصواتُ الرياحِ تهمسُ بأسرارِ الغياب. أراكَ، يا من تنظرُ في عينيّ كأنك تقرأُ قصائدَ مكتوبةً على ورقِ الزمن، تسألني عن الحلمِ في زمنٍ فقدَ بوصلةَ الوعد، حيث تسكنُ الألوانُ في زوايا الحزنِ، وتتوارى الأجوبةُ كأسرارِ الغيم. للحزن ذيلٌ يخطفُني إلى عوالمَ لا تُدركُ فيها الأشكالُ معنى الوجود، أحملُ ألامي كأحلامٍ مفتوحةٍ على شرفاتِ الليل، كلما سقطتُ، نهضَ ذيلي ليُخبرني أنني ما زلتُ أبحثُ في عتمةِ القلب عن ضوءٍ خافتٍ يُشعلُ لي دربًا بينما تتلاشى الأصواتُ كأنها أصداءُ تسقطُ في بئرٍ عميق.
كلانا ملقى على طرَفِ السرير هو يُدلّي ذيلَهُ ويحدّقُ في دموعي وأنا أدلّي دموعي وأحدّقُ في ذيلهِ... ثمةَ حوارٌ كلّهُ أسئلةٌ سهلةٌ لا إجاباتٍ لها.. لماذا السّاعةُ الآنَ تُشيرُ - بالضبط - إلى السّاعةِ الآن؟ لمَ الخوفُ من الخوف؟ وكيف ينامُ النائمُ؟ ومنذ متى.. منذ متى صار للحزن ذيل؟!
ألا يا قلبُ، ما هذا العناءُ وكيفَ العيشُ والدنيا جفاءُ تَوالتْ في الليالي كلُّ ذكرى كأنّ العمرَ في طياتهِ داءُ أيا ليلَ الأسى، كم فيكَ حزنٌ وكم فيكَ من الآلامِ نداءُ بكيتُ الدهرَ حتى بانَ فجري وما زالَ الأسى في القلبِ داءُ ألا فارفقْ بقلبٍ قد تَهاوى فما في العمرِ إلا ما يُشاءُ كأنّ الحزنَ في الأضلاعِ نارٌ تُهيمُ النفسَ، والدنيا شقاءُ فيا ليلَ البكاءِ، سكنْ فؤادي فقد ضاقتْ بنا الدنيا وباءُ