لما كان صلاح الوجود بالعلماء، ولولاهم كان الناس كالبهائم بل أسوأ حالا، كان موت العالم مصيبة لا يجبرها إلا خَلَف غيره له. وأيضا؛ فإن العلماء هم الذين يسوسون العباد والبلاد والممالك، فموتهم فساد لنظام العالم؛ ولهذا لا يزال الله يغرس في هذا الدين منهم خالفا عن سالف، يحفظ بهم دينه وكتابه وعباده.
وتأمل إذا كان في الوجود رجل قد فاق العالِم في الغنى والكرم، وحاجتهم إلى ما عنده شديدة، وهو محسن إليهم بكل ممكن، ثم مات وانقطعت عنهم تلك المادة! فموت العالِم أعظم مصيبة من موت مثل هذا بكثير، ومثل هذا يموت بموته أمم وخلائق.
جالسوا التوابين، فإنهم أرقُّ الناس قلوبًا . قلب التائب بمنزلة الزجاجة يؤثر فيها جميع ما أصابها، فالموعظة إلى قلوبهم سريعة، وهم إلى الرقة أقرب، فداووا القلوب بالتوبة، فلرُب تائب دعته توبته إلى الجنة حتى أوفدته عليها، وجالسوا التوابين، فإن رحمة الله إلى التوابين أقرب .
• يروى أنَّ النبي ﷺ لقي رجلًا يقال له: حارثة، في بعض سكك المدينة، فقال: كيف أصبحتَ يا حارثة؟
فقال: أصبحتُ مؤمنًا حقًّا. قال: إن لكل إيمان حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفتْ نفسي عن الدنيا؛ فأظمأتُ نهاري، وأسهرت ليلي، وكأني بعرش ربي بارزًا، وكأني بأهل الجنة في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يتعاوون، فقال النبي ﷺ: أصبت فالزم، مؤمن نوَّر الله قلبه.
َ "لقد تأملتُ أمرا عظيمًا: أنه عز وجل يمهل حتى كأنه يهمل، فترى أيدي العصاة مطلقة، كأنه لا مانع؛ فإذا زاد الانبساط، ولم ترعوِ العقول، أخذ أخْذَ جبار. وإنما كان ذلك الإمهال؛ ليبلو صبر الصابر، وليملي في الإمهال للظالم، فيثبت هذا على صبره، ويجزي هذا بقبيح فعله".
"إلهي لاتعذب لساناً يخبر عنك ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك ولا قدماً تمشي إلى خدمتك ولا يداً تكتب حديث رسولك ﷺ فبعزتك لا تدخلني النار فقد علم أهلها أني كنت أذبُّ عن دينك"