من الدراسات الشهيرة والمثيرة للجدل، دراسة نُشِرت في المجلّة الاقتصادية Economic Inquiry المرموقة، والتي درست أكثر من 3000 شخص من المتزوجين، وقد وجدت علاقة واضحة بين (سعر خاتم الزواج وتكاليف حفلة الزواج) وبين (مدّة الزواج)، وهي للأسف علاقة عكسية.
كلّما كانت تكاليف (حفلة الزواج ومعها الخاتم) مرتفعة، كلّما زادت احتمالات انفصال الزوجين خلال السنوات القليلة الأولى من زواجهما.ثمّة تفسيرات عدّة تحاول أن تشرح هذه العلاقة المأساوية، منها أنّ التكاليف المرتفعة مرتبطة غالبًا بالدّيون أو القروض، ومن المحتمل العكس تمامًا، الأشخاص القادرين على دفع مبالغ مرتفعة قد يكونون أكثر ملاءة مالية لتحمّل تكاليف الانفصال والطلاق فيُسارعون بإجراءات الطلاق عند أوّل منعطف.
هناك تفسيرات سيكولوجية كثيرة أخرى، منها أنّ التكاليف المرتفعة في البدايات تعبير عن عقلية سطحية تحصر قيمة الزواج بالمسألة المادية وستصبح لاحقًا الآلية الوحيدة للتعبير عن الحبّ في العلاقة، ومن جهةٍ أخرى، قد تكون المبالغ المرتفعة في البداية تعبير عن سمة الاندفاعية impulsivity في الشخصية وهي سمة غير محمودة البتّة.
أيًّا كان، أسوق هذه الدراسة كي أقول أمرًا يجول في ذهني منذ فترة، وأنا أراقب بحرص النقاش الذي يدور حول الزواج والحبّ -في المجال العربي- على الأقلّ، وهو نقاش مضطرب يستند كثيرًا على (التجارب الشخصية) تجارب يُعمّمها أصحابها على غيرهم بثقة متوهّمة وبلا أي رأفة أو اعتبار بظروف الآخرين وخصوصيتهم.
ويستند جزء آخر من النقاشات إلى الصور الرومانسية التي تخلقها السينما ومنصّات التواصل الاجتماعي وعلاقات المؤثّرين وارتباطهم وانفصالهم، وهي تجارب مضلّلة لا تمتّ للواقع بصلة.
من المؤسف أن نرى زيجات عديدة تندفع نحو التحطّم والانهيار ومن ثمّ الانفصال، كان بإمكانها أن تجد لها انعتاقًا وخلاصًا في العلاج النفسي للأزواج وفيه نماذج علاجية جديدة وهامّة، ولها تراكم تجريبي غير قليل، يمكنها إصلاح العطب في كثير من المشكلات، التي قد تبدو للوهلة الأولى مشاكل غير قابلة للحلّ، مثل: الخيانة الزوجية، أو الفتور العاطفي والملل من العلاقة، مثل الاشمئزاز من الآخر أوعدم الرضا وتخيّل مسارات بديلة ممكنة للذات بعيدًا عن هذا الشخص أو ذاك.
أقول باختصار، أنّ لدى علم نفس العلاقات ما يقوله، بدءًا باختيار الشريك والوقوع بالحبّ والانجذاب، ومرورًا بديمومة العلاقة الزوجية وإحيائها، وانتهاءً بالانفصال أو أسباب انفراط العلاقات وانتهائها إمّا بشكل تدميري أو خاطئ.
ثمّة ملاحظات هامّة منها مثلًّا أنّ النساء عمومًا أكثر قدرة على إحساس وجود مشكلة جوهرية في العلاقة من الرجال، وهم أكثر دقّة بالتنبّؤ باحتمالية الانفصال قبل حدوثه.
النساء يُصبن بالتعاسة في الفترات الأولى للانفصال، فيما يستطعن التكيّف مع الانفصال والطلاق بشكل أفضل من الرجال على المدى الطويل. أمّا الرجال فهم يبدون في البداية أكثر تماسكًا لكنّهم على المدى الطويل أكثر بؤسًا وتأثّرًا بالانفصال.
مثلًا تزداد عرضة الرجال للموت في حال وفاة زوجاتهنّ أكثر من النساء في حال فقدهنّ لأزواجهم. ومن المهم أن نعي هنا أنّ تجربة الانفصال للأزواج تجربة نفسية حادّة جدًا تُكافئ في أحوالها الإكلنيكية في العلاج النفسي التجربة الشعورية لموت الآخر أو وفاته.
هناك فروقات فردية بطبيعة الحال، لكنّ الدراسات تعطينا ميلًا إحصائيًا إلى حدّ ما-في بعض الأحيان لدى الرجال أو النساء بحسب الدراسة.
أتنقّل في هذا البودكاست بين مختلف النظريات، من نظرية العصب الحائر Polyvagal Theory لأستاذ الطب النفسي في جامعة نورث كارولينا ستيفين بورجز، وبالعودة إلى نظرية التعلّق العاطفي وأهمية مراحل الطفولة في تشكيل شخصياتنا العاطفية وقراراتنا واختياراتنا عند الكبر والبلوغ.
وأتعرّض للدراسات التي تتقصّى علاقة (نمط التعلقّ العاطفي) بـ شكل التدّين ومستواه، بما فيه من دلالة وأهمية عن
أنّنا حين نُربّي أطفالنا فنحن نُحدّد كذلك مدى سلامة علاقتهم بالله عزّ وجلّ، وليس فقط بالآخرين.وأنّنا حين لا نُشبع أطفالنا بالحبّ في طفولتهم فإنّهم سيعيشون طوال عمرهم يطاردون الآخرين بحثًا عن حبّ أو اهتمام، أو كما قالت الكاتبة لورين إيدن:
حين لا نمنح أطفالنا الحبّ بمعالق من فضة، فإنّهم سيتعلّمون كيف يلعقونه من سكاكين الآخرين!https://youtu.be/apFXSn3IkoM?si=axkvS87Vk0LiMGpg