غالبًا ما يتمّ التعاطي مع حوادث الاغتيال الإسرائيلية بوصفها عمليات تصفية فردية لغايات أمنية بحتة.
من هنا أحاول في
هذا المقال أن أقدّم مُقاربة سيكولوجية اجتماعية للاغتيالات من منظور الإدارة الإسرائيلية، وهي مُقاربة تستند لعدد من المُعطيات الهامّة التي يُقدّمها كتاب (انهض واقتل أوّلًا) للصحافي الإسرائيلي رونين برغمان، هو كتاب مهم جدًّا يجيء في 800 صفحة.
المُقاربة البسيطة التي أحاول تقديمها أنّ الاستراتيجية الإسرائيلية في اغتيال قادة المقاومة ورموزها، تسعى لتحقيق مُكتسبات وأبعاد مختلفة بشكلٍ متوازٍ:
- بُعد عملياتي: بإضعاف القدرات التخطيطية والحركية لحركات المقاومة بتصفية العقول المُدبِّرة.
- بُعد إعلامي: متمثّل بسياسة اليد الطويلة - بإمكانية الوصول (الوصولية الإسرائيلية) لأي أحد بأي مكان بأي وقت بلا ضوابط أو مُحدّدات.
- بُعد استخباراتي: متمثّل بالتعيين أو التخريط mapping الدقيق للرموز والعناصر المؤثّرة في حركات المقاومة ومراقبتهم استخباراتيًا من مدّة زمنية طويلة تسبق قرار التصفية.
- بُعد سيكولوجيّ: عبر إحباط النموذج المُحتَفى به لدى الشعوب (الأبطال، قادة الكتائب، الناطقون الإعلاميون أصحاب الكاريزما..).
- بُعد سُلطوي: أو ما يُسمّيه ميشيل فوكو بـ"السُّلطة التأديبية" (Disciplinary Power)، حيث تُستخدم العقوبات القاسية لترويض المجتمعات وإجبارها على الامتثال.
- بُعد سيكولوجيّ-اجتماعي: متمثّل بإحباط الشعوب ودفعهم نحو اليأس أمام كلّ بريق أمل يظهر أمامهم ممّا يُؤدّي لتكريس العجز المكتسب لدى المجتمعات المُقاوِمة.
وعلى أيّة حال، أحاول منذ بدء الحرب تقديم مُعطيات علمية جديدة للمجال العربي، لتوسعة النقاش حول ما يعرفه عدوّنا عنّا وعمّا يفعله بنا من هندسة اجتماعية مُمنهجة تستند لخبرات تراكمية في حقل علم النفس والاجتماع.
وكنت أحاول تقديم مُقاربات أدّعي أنّها لم تُعالَج بمنظور سيكولوجيّ في النطاق العربي من قبل، تحديدًا بعيدًا عن النقاش الاختزالي لملفات "الصحّة النفسية" بصيغتها المُبسّطة (ما هي الاضطرابات النفسية التي تحدث لنا بسبب الحرب؟) وإنّما النظر في ديناميات الظاهرة نفسيًا، ما يشعر به الإنسان وكيف يعتمل هذا الشعور في تغيير صورته عن ذاته، وتشويه علاقته بالمجتمع، وتأزيم أو تعميق علاقته بالله عزّ وجلّ، وبمواقفه حيال المقاومة والعدو.. كما فعلت في مادتين سابقتين بعنوان:
المعاناة النفسية لبتر الأعضاء.. أن تشاهد جسدك منقوصًا مرّة واحدة وللأبد
وكذلك الحال في مادة:
سيكولوجية التديّن.. البُنية التحتيّة للمقاومة في غزة
التي أقدّم فيها للقارئ العربي، النموذج الديناميكي المُوسّع لعالم النفس الأمريكية كريستال بارك في جامعة كونيتيكت، حول الدّين كمصنّع للمعنى المُتغيّر وفق مراحل مختلفة من حياتنا كأفراد، خلافًا للمنظور الستاتيكي للدّين بوصفه يمنح المعنى بصيغة أحادية مرّة واحدة وللأبد.. وهي محاولة نظرية جادّة للإجابة عن سؤال (ما الذي يحدث حين يفشل المعنى الأوّلي الذي يمنحنا إيّاه الدّين ونؤمن به في تفسير واقعنا؟).
عسى أن تُفرَج قريبًا على أهلنا في غزّة
والّله غالبٌ على أمره