بحث الاصول ١٠٦٣ : الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. المختار. ١٠ جمادى الأولى ١٤٤٦
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الاصول الدرس ١٠٦٣ الأربعاء ١٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. المختار.
قلت : إن ما ذكر قد يكون له وجه على المبنى المشهور في حكم العلم الإجمالي ، ومع ذلك فهو خاضع للنقاش من جهة أن الاضطرار الى غير المعين لا يجعل الحل حكما لأحد الطرفين بنحو التخيير فلا يصح ما ورد من أن كلا من الطرفين كان حلالا بحد نفسه لأنه يمكن به دفع الاضطرار فإنه لم يكن حلالا بل كان صالحا لأن يحل إن دفع المكلف به اضطراره ، ولا حلية فعلية في أي من الطرفين فهو ليس كالواجب التخييري كما ورد في بعض الكلمات من حيث أن مصداقه متعلق للوجوب مباشرة أو أنه مصداق للعنوان الكلية الذي تعلق به الوجوب من قبيل عنوان عتق الرقبة.
أما في المقام فليس تحليل الشارع للمكلف أن يفعل ما يرفع به اضطراره الا جعلا للحل في حدود العنوان ( المضطر إليه ) وهذا العنوان مختص بما يدفع به الاضطرار ودفع الاضطرار تارة يكون منحصرا بفرد فيجوز هو بنفسه وتارة بعنوان فيجوز منه ما يرفع الاضطرار فحسب ولا يشمل سائر مصاديقه لأن العنوان ليس حلالا وإنما المضطر اليه هو الحلال فحسب.
ولا يخفى أن الرافع للاضطرار إن تعدد وكان أحدها محرما والآخر محللا فلا يجوز رفع الاضطرار بالمحرم فإنه ليس مضطرا اليه ويمكن تركه الى سواه ورفع الاضطرار بالآخر لأن دليل تحليل الاضطرار وإن كان شاملا للحرام الذي ليس له بدل لكنه قاصر عن شمول ما هو حرام وله بدل. فلا يصلح لإثبات الحل الشرعي الواقعي للطرف الذي يختاره المكلف.
اللهم الا أن يقال إن إطلاق دليل الاضطرار ليس منصرفا عن مجهول الحرمة عندما لا يكون له أي بدل ولا يوجد طريق لمعرفة الواقع أو الاحتياط له ، فيكون كل ما يرفع الاضطرار محللا تحليلا شرعيا ببركة دليل تحليل المضطر اليه فيجوز ارتكابه وينحل العلم الإجمالي به إن سبق على العلم بلا إشكال من هذه الجهة.
نعم إن لحق الاضطرار العلم بعد حصول التنجيز ببركة إطلاق أدلة تنجيز موارد الشبهة المحصورة فيجب الاحتياط في باقي الأطراف تمسكا بإطلاق نفس الأدلة لحالة الاضطرار وغيره كما هي شاملة لسائر الحالات.
هذا كله إن كان مفاد الاضطرار يستوجب الحل كما قد يستفاد من حاق بعض الأدلة المشهورة من قبيل مضمون ( وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه ). أما إذا كان المستفاد من الأدلة رفع التبعات فحسب كما هو التحقيق المتقدم في مفاد حديث الرفع الذي تضمن رفع ما اضطروا اليه.
فالاضطرار إنما يستوجب التصرف في مقام الامتثال فحسب، ولا يصلح لتخصيص دليل الحرمة ، وعليه لا مناص من كون المسألة من التوسط في التنجيز حتى على مسلكنا فإن دليل التنجيز ووجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة يبقى على إطلاقه في الطرف الآخر ولا يسقط منه الا ما دفع به الاضطرار.
وعليه لا بد من تنقيح حال قاعدة الاضطرار من هذه الجهة.
وتوضيح ذلك : أن مفاد الحديث موجود في طوائف من النصوص:
الطائفة الأولى : ما تضمنه حديث الرفع الذي هو حديث مشهور تقدم الكلام في إثبات صدوره مفصلا في مباحث البراءة ، وهو مروي في الكافي وتحف العقول والنوادر وغيرها ورواه الصدوق بطرق عديدة على اختلاف بينها والمهم منا في المقام ما رواه الصدوق في التوحيد قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رفع عن أمتي تسعة : الخطأ ، و النسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما لا يعلمون ، وما اضطروا إليه ، و الحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة.
ورواه في الخصال نفسه سندا وقريبا منه متنا و قدم فيه (ما لا يعلمون) على (ما لا يطيقون). فإنه صحيح سندا واضح دلالة معتضد بالأحاديث الأخرى.
والمهم في مفاد الحديث في هذه الطائفة أنه لا يستفاد منه جعل الحل ، وإنما رفع التبعات فيكون مرتبطا بمقام الامتثال ليس صالحا لتخصيص أدلة الحرمة ، وإنما للتأمين منها في مقام العمل.
بحث الاصول ١٠٦٢ : الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. المختار. ٩ جمادى الأولى ١٤٤٦
فالاضطرار إنما يستوجب التصرف في مقام الامتثال فحسب، ولا يصلح لتخصيص دليل الحرمة ، وعليه لا مناص من كون المسألة من التوسط في التنجيز حتى على مسلكنا فإن دليل التنجيز ووجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة يبقى على إطلاقه في الطرف الآخر ولا يسقط منه الا ما دفع به الاضطرار.
وعليه لا بد من تنقيح حال قاعدة الاضطرار من هذه الجهة ...
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الاصول الدرس ١٠٦٢ الثلاثاء ٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. المختار.
أما على ما اخترناه من كون أدلة الأصول العملية المؤمنة وسائر أدلة التأمين الشرعي مخصصة بما دل على لزوم الاحتياط في الشبهة المحصورة فإن إطلاق الأدلة فيه الذي يشمل ما كان فيه اضطرار الى بعض الاطراف بلا تعيين فإنه تكفي لإثبات لزوم الاحتياط في الأطراف التي لم يرفع المكلف بها اضطراره.
إن قلت: إن هذه النصوص محكومة بأدلة رفع الاضطرار كما هي محكومة لسائر الأدلة الثانوية أيضا فكيف تصلح لإثبات التنجيز في مقابل أدلة الاضطرار.
وبعبارة أخرى قد يقال : كما تمسكتم بإطلاق دليل الاحتياط في الشبهة المحصورة فلا بد من التمسك بإطلاق دليل الاضطرار فهو شامل لكل الأطراف وبيد المكلف أن يطبقه على أي طرف شاء فهو حلال له . فكيف يكون حلال الارتكاب قبل أن يختار المكلف أي طرف من الأطراف ثم يحرم عليه بعدما اختار سواه ودفع به اضطراره وهو يشك بكون الحرام الواقعي كان هو ذلك الذي اختاره المكلف لدفع اضطراره ، فلا يكون عالما بالحرام بين الأطراف بل غاية ما يبلغه علمه هو حرمة أحد الأطراف إن لم يكن هو الطرف الذي يختاره المكلف لدفع اضطراه.
فتنجلي الغبرة عن علم تفصيلي بحِلِّ الطرف الذي اختاره لدفع اضطراره إما لأنه حلال بنفسه وبعنوانه الأولي وإما لأنه حلال بالعنوان الثانوي لكونه دافعا للاضطرار، وشك بدويّ في حرمة الطرف الآخر لكونه مرددا بين كونه الحرام الواقعي أو الحلال الواقعي. فتعود حقيقة الأمر الى شك بدوي وليس علما إجماليا.
ولا يختلف الحال بين ما سبق فيه الاضطرار على العلم الإجمالي أو لحق به، نعم على الثاني فإن العلم الإجمالي يكون منجزا يجب الاحتياط له بموافقته القطعية الى أن يحصل الاضطرار ثم عنده لا يبقى على ما هو عليه ، وإنما ينحل كما ذكرنا الى معلوم الحلية وهو ما يندفع به الاضطرار ومشكوك الحرمة وهو سائر الأطراف الباقية، فيكون موردا لأدلة الأصول العملية الترخيصية كما هو معروف.
قلت : إن ما ذكر قد يكون له وجه على المبنى المشهور في حكم العلم الإجمالي ، ومع ذلك فهو خاضع للنقاش من جهة أن الاضطرار الى غير المعين لا يجعل الحل حكما لأحد الطرفين بنحو التخيير فلا يصح ما ورد من أن كلا من الطرفين كان حلالا بحد نفسه لأنه يمكن به دفع الاضطرار فإنه لم يكن حلالا بل كان صالحا لأن يحل إن دفع المكلف به اضطراره ، ولا حلية فعلية في أي من الطرفين فهو ليس كالواجب التخييري كما ورد في بعض الكلمات من حيث أن مصداقه متعلق للوجوب مباشرة أو أنه مصداق للعنوان الكلية الذي تعلق به الوجوب من قبيل عنوان عتق الرقبة.
أما في المقام فليس تحليل الشارع للمكلف أن يفعل ما يرفع به اضطراره الا جعلا للحل في حدود العنوان ( المضطر إليه ) وهذا العنوان مختص بما يدفع به الاضطرار ودفع الاضطرار تارة يكون منحصرا بفرد فيجوز هو بنفسه وتارة بعنوان فيجوز منه ما يرفع الاضطرار فحسب ولا يشمل سائر مصاديقه لأن العنوان ليس حلالا وإنما المضطر اليه هو الحلال فحسب.
ولا يخفى أن الرافع للاضطرار إن تعدد وكان أحدها محرما والآخر محللا فلا يجوز رفع الاضطرار بالمحرم فإنه ليس مضطرا اليه ويمكن تركه الى سواه ورفع الاضطرار بالآخر لأن دليل تحليل الاضطرار وإن كان شاملا للحرام الذي ليس له بدل لكنه قاصر عن شمول ما هو حرام وله بدل. فلا يصلح لإثبات الحل الشرعي الواقعي للطرف الذي يختاره المكلف.
اللهم الا أن يقال إن إطلاق دليل الاضطرار ليس منصرفا عن مجهول الحرمة عندما لا يكون له أي بدل ولا يوجد طريق لمعرفة الواقع أو الاحتياط له ، فيكون كل ما يرفع الاضطرار محللا تحليلا شرعيا ببركة دليل تحليل المضطر اليه فيجوز ارتكابه وينحل العلم الإجمالي به إن سبق على العلم بلا إشكال من هذه الجهة.
نعم إن لحق الاضطرار العلم بعد حصول التنجيز ببركة إطلاق أدلة تنجيز موارد الشبهة المحصورة فيجب الاحتياط في باقي الأطراف تمسكا بإطلاق نفس الأدلة لحالة الاضطرار وغيره كما هي شاملة لسائر الحالات.
هذا كله إن كان مفاد الاضطرار يستوجب الحل كما قد يستفاد من حاق بعض الأدلة المشهورة من قبيل مضمون ( وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه ).
أما إذا كان المستفاد من الأدلة رفع التبعات فحسب كما هو التحقيق المتقدم في مفاد حديث الرفع الذي تضمن رفع ما اضطروا اليه
بحث الاصول ١٠٦١ : الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. نظر الميرزا النائيني ره في تقريب التنجيز وما يلاحظ عليه. المختار ٨ جمادى الأولى ١٤٤٦
أي من الطرفين فهو ليس كالواجب التخييري كما ورد في بعض الكلمات من حيث أن مصداقه متعلق للوجوب مباشرة أو أنه مصداق للعنوان الكلية الذي تعلق به الوجوب من قبيل عنوان عتق الرقبة.
أما في المقام فليس تحليل الشارع للمكلف أن يفعل ما يرفع به اضطراره الا جعلا للحل في حدود العنوان ( المضطر إليه ) وهذا العنوان مختص بما يدفع به الاضطرار ودفع الاضطرار تارة يكون منحصرا بفرد فيجوز هو بنفسه وتارة بعنوان فيجوز منه ما يرفع الاضطرار فحسب ولا يشمل سائر مصاديقه لأن العنوان ليس حلالا وإنما المضطر اليه هو الحلال فحسب.
ولا يخفى أن الرافع للاضطرار إن تعدد وكان أحدها محرما والآخر محللا فلا يجوز رفع الاضطرار بالمحرم فإنه ليس مضطرا اليه ويمكن تركه الى سواه ورفع الاضطرار بالآخر لأن دليل تحليل الاضطرار وإن كان شاملا للحرام الذي ليس له بدل لكنه قاصر عن شمول ما هو حرام وله بدل. فلا يصلح لإثبات الحل الشرعي الواقعي للطرف الذي يختاره المكلف.
اللهم الا أن يقال إن إطلاق دليل الاضطرار ليس منصرفا عن مجهول الحرمة عندما لا يكون له أي بدل ولا يوجد طريق لمعرفة الواقع أو الاحتياط له ، فيكون كل ما يرفع الاضطرار محللا تحليلا شرعيا ببركة دليل تحليل المضطر اليه فيجوز ارتكابه وينحل العلم الإجمالي به إن سبق على العلم بلا إشكال من هذه الجهة.
نعم إن لحق الاضطرار العلم بعد حصول التنجيز ببركة إطلاق أدلة تنجيز موارد الشبهة المحصورة فيجب الاحتياط في باقي الأطراف تمسكا بإطلاق نفس الأدلة لحالة الاضطرار وغيره كما هي شاملة لسائر الحالات. يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الاصول الدرس ١٠٦١ الإثنين ٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. نظر الميرزا النائيني ره في تقريب التنجيز وما يلاحظ عليه. المختار.
وتوهم : أن الترخيص الواقعي في كل واحد من الأطراف تخييرا ينافي العلم بالتكليف الواقعي تعيينا. فاسد ، فإنه إنما ينافي العلم بالتكليف التعييني على كل تقدير وفي كل حال ، وأما العلم بالتكليف على تقدير دون تقدير وفي حال دون حال ، فالترخيص التخييري في كل واحد لا ينافيه ، فتأمل.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه كون الاضطرار إلى غير المعين يقتضي الترخيص الواقعي والتوسط في التكليف ، وقد مال إليه شيخنا الأستاذ – مد ظله - ( أي المحقق النائيني نفسه ) بل قواه في ابتداء الامر ، ولكن عدل عنه في فذلكة البحث واختار الترخيص الظاهري والتوسط في التنجيز وهو الذي ينبغي المصير إليه. انتهى.
هذا ما يقتضيه النظر على مبانيهم في منشأ وجوب الموافقة القطعية بعد حرمة المخالفة القطعية والاستناد في ذلك الى حكم العقل وتعارض الأصول وتساقطها.
وقد يناقش ما ذكره أخيرا من كون ارتكاب المكلف للحرام عند مصادفته له يكون مصداقا للاضطرار، وإن كان يمكن رفع الاضطرار بالطرف الآخر نظير الاتيان بأحد فردي الواجب التخييري ، فان المأتي به يكون مصداقا للواجب ، مع أنه يجوز تركه والإتيان بالفرد الآخر ، وإذا صدق الاضطرار إلى الحرام ، فالترخيص فيه يكون واقعيا. بأن الاضطرار لا يحل كل ما يندفع به الاضطرار ولو كان محرما فلو كان لدى المكلف فردان يمكن دفع الاضطرار بأحدهما وكان أحدهما حلالا والآخر حراما فليس له أن يدفع الاضطرار بالحرام ، وليس في دليله ما يصلح لتحليله واقعا. ومن ثم لو ارتكب الحرام لعد مخالفا واقعا لدليله ولكنه معذور عنه بسبب جهله بالواقع كمن يرتكب الحرام اشتباها وخطئا.
ومن ثم يختلف حاله عن الواجب التخييري فهو حقيقة ينطبق على كل مصداق يندرج تحت عنوانه سواء كان عنوانه حقيقيا أو انتزاعيا من قبيل عنوان ( أحدهما ).
ومن ثم ينبغي أن يكون المنشأ في حل المضطر اليه المردد بين الحرام وغيره هو ارتفاع تنجيز الحرام في حدود ما يرفع به الاضطرار فحسب. ويبقى الطرف الآخر على حاله من التنجيز . وسنتمم المطلب عند بيان المختار ان شاء الله.
هذا ما ذكره الأعلام في تقريب التنجيز وبعض ملاحظاتنا عليه.
أما على ما اخترناه من كون أدلة الأصول العملية المؤمنة وسائر أدلة التأمين الشرعي مخصصة بما دل على لزوم الاحتياط في الشبهة المحصورة فإن إطلاق الأدلة فيه الذي يشمل ما كان فيه اضطرار الى بعض الاطراف بلا تعيين فإنه تكفي لإثبات لزوم الاحتياط في الأطراف التي لم يرفع المكلف بها اضطراره.
إن قلت: إن هذه النصوص محكومة بأدلة رفع الاضطرار كما هي محكومة لسائر الأدلة الثانوية أيضا فكيف تصلح لإثبات التنجيز في مقابل أدلة الاضطرار .
وبعبارة أخرى قد يقال: كما تمسكتم بإطلاق دليل الاحتياط في الشبهة غير المحصورة فلا بد من التمسك بإطلاق دليل الاضطرار فهو شامل لكل الأطراف وبيد المكلف أن يطبقه على أي طرف شاء فهو حلال له . فكيف يكون حلال الارتكاب قبل أن يختار المكلف أي طرف من الأطراف؟ ثم يحرم عليه بعدما اختار سواه ودفع به اضطراره وهو يشك بكون الحرام الواقعي كان هو ذلك الذي اختاره المكلف لدفع اضطراره ، فلا يكون عالما بالحرام بين الأطراف بل غاية ما يبلغه علمه هو حرمة أحد الأطراف إن لم يكن هو الطرف الذي يختاره المكلف لدفع اضطراه.
فتنجلي الغبرة عن علم تفصيلي بحِلِّ الطرف الذي اختاره لدفع اضطراره إما لأنه حلال بنفسه وبعنوانه الأولي وإما لأنه حلال بالعنوان الثانوي لكونه دافعا للاضطرار، وشك بدويّ في حرمة الطرف الآخر لكونه مرددا بين كونه الحرام الواقعي أو الحلال الواقعي. فتعود حقيقة الأمر الى شك بدوي وليس علما إجماليا.
ولا يختلف الحال بين ما سبق فيه الاضطرار على العلم الإجمالي أو لحق به، نعم على الثاني فإن العلم الإجمالي يكون منجزا يجب الاحتياط له بموافقته القطعية الى أن يحصل الاضطرار ثم عنده لا يبقى على ما هو عليه ، وإنما ينحل كما ذكرنا الى معلوم الحلية وهو ما يندفع به الاضطرار ومشكوك الحرمة وهو سائر الأطراف الباقية، فيكون موردا لأدلة الأصول العملية الترخيصية كما هو معروف.
قلت: إن ما ذكر قد يكون له وجه على المبنى المشهور في حكم العلم الإجمالي ، ومع ذلك فهو خاضع للنقاش من جهة أن الاضطرار الى غير المعين لا يجعل الحل حكما لأحد الطرفين بنحو التخيير فلا يصح ما ورد من أن كلا من الطرفين كان حلالا بحد نفسه لأنه يمكن به دفع الاضطرار فإنه لم يكن حلالا بل كان صالحا لأن يحل إن دفع المكلف به اضطراره ، ولا حلية فعلية في
بحث الاصول ١٠٦٠ : الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. نظر الميرزا النائيني ره في تقريب التنجيز وما يلاحظ عليه. ٧ جمادى الأولى ١٤٤٦
بأن الاضطرار لا يحل كل ما يندفع به الاضطرار ولو كان محرما فلو كان لدى المكلف فردان يمكن دفع الاضطرار بأحدهما وكان أحدهما حلالا والآخر حراما فليس له أن يدفع الاضطرار بالحرام ، وليس في دليله ما يصلح لتحليله واقعا. ومن ثم لو ارتكب الحرام لعد مخالفا واقعا لدليله ولكنه معذور عنه بسبب جهله بالواقع كمن يرتكب الحرام اشتباها وخطئا.
ومن ثم يختلف حاله عن الواجب التخييري فهو حقيقة ينطبق على كل مصداق يندرج تحت عنوانه سواء كان عنوانه حقيقيا أو انتزاعيا من قبيل عنوان ( أحدهما ).
ومن ثم ينبغي أن يكون المنشأ في حل المضطر اليه المردد بين الحرام وغيره هو ارتفاع تنجيز الحرام في حدود ما يرفع به الاضطرار فحسب.
ويبقى الطرف الآخر على حاله من التنجيز . وسنتمم المطلب عند بيان المختار ان شاء الله.
هذا ما ذكره الأعلام في تقريب التنجيز وبعض ملاحظاتنا عليه .
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الاصول الدرس ١٠٦٠ الأحد ٧ جمادى الأولى ١٤٤٦ الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. نظر الميرزا النائيني ره في تقريب التنجيز وما يلاحظ عليه.
هذا وكنت آثرت أن أكتفي بذكر كلام السيد الخوئي قدس سره رعاية للاختصار ، ولكني وجدت من تدقيق بعض الأخوة الأفاضل في البحث ما يقتضي ذكر كلام المحقق النائيني قدس سره أيضا زيادة في الفائدة ، وذلك أنه قد ذكر في فوائده ما حاصله (أن التوسط في التكليف معناه : ثبوت التكليف الواقعي على تقدير وعدم ثبوته على تقدير آخر ، بتقييد إطلاقه وتخصيصه بحال دون حال كما هو الشأن في تقييد كل إطلاق بقيد وجودي أو عدمي.
والتوسط في التنجيز معناه : بلوغ التكليف إلى مرتبة التنجز على تقدير، وعدم بلوغه إلى تلك المرتبة على تقدير آخر ، مع إطلاق التكليف الواقعي وثبوته في كلا التقديرين بلا تصرف فيه واقعا ، بل كان تنجز التكليف مقصورا بأحد التقديرين.
والاضطرار إلى غير المعين : في اقتضائه التوسط في التنجيز أو التوسط في التكليف ، كما اختاره الشيخ - قدس سره - وجهان ، لأنه قد اجتمع فيه كل من الجهتين ، فان لكل من الجهل والاضطرار دخلا في الترخيص فيه ، إذ لولا الجهل بشخص الحرام كان يتعين على المكلف رفع الاضطرار بغيره ، كما أنه لولا الاضطرار كان يجب الاجتناب عن جميع الأطراف ولم يحصل في البين ما يوجب الترخيص في البعض ، فالترخيص في ارتكاب أحد الأطراف تخييرا يستند إلى مجموع الأمرين : من الجهل والاضطرار . وحينئذ لابد من ملاحظة الجزء الأخير لعلة الترخيص.
فإن كان هو الجهل ، فالترخيص فيه يكون ظاهريا لا واقعيا ، ويلزمه التوسط في التنجيز ، والترخيص الظاهري في المقام - كسائر موارد الترخيصات الظاهرية المستفادة من أصالة البراءة والحل - لا يقتضي أزيد من المعذورية في مخالفة التكليف على تقدير مصادفة ما اختاره المكلف لدفع الاضطرار لموضوع التكليف مع بقاء الواقع على ما هو عليه بلا تصرف فيه ، فان الترخيص الظاهري لا يصادم الواقع. وإن كان هو الاضطرار ، فالترخيص فيه يكون واقعيا ويلزمه التوسط في التكليف .
والانصاف : أن لكل من الترخيص الواقعي والترخيص الظاهري وجها قويا.
أما وجه كون الترخيص ظاهريا : فهو ما تقدم من أن الاضطرار إلى غير المعين بوجوده لا يصادم التكليف الواقعي ولا يمس الموضوع ، بل الموضوع بتمام ما له من القيود الوجودية والعدمية محفوظ ، فالعلة الموجبة للترخيص في ارتكاب الحرام إنما هو الجهل ، إذ لولا الجهل كان يتعين رفع الاضطرار بغير الحرام ، ولذا قلنا : إن الحكم في مورد الاضطرار إلى غير المعين يكون فعليا.
وأما وجه كون الترخيص واقعيا : فهو أن الاضطرار بوجوده وإن لم يناف التكليف الواقعي ، إلا أنه في حال الجهل بالموضوع وعدم العلم بشخص الحرام ينافيه ويقع المصادمة بين التكليف والاضطرار ولو في صورة مصادفة ما اختاره لدفع الاضطرار لموضوع التكليف ، فان ارتكاب المكلف للحرام في هذا الحال يكون مصداقا للاضطرار ويحمل عليه بالحمل الشايع الصناعي ، ويصح أن يقال : إن ارتكابه للحرام كان عن اضطرار إليه ، وإن كان يمكن رفع الاضطرار بالطرف الآخر نظير الاتيان بأحد فردي الواجب التخييري ، فان المأتي به يكون مصداقا للواجب ، مع أنه يجوز تركه والإتيان بالفرد الآخر ، وإذا صدق الاضطرار إلى الحرام ، فالترخيص فيه يكون واقعيا.
وتوهم : أن الترخيص الواقعي في كل واحد من الأطراف تخييرا ينافي العلم بالتكليف الواقعي تعيينا. فاسد ، فإنه إنما ينافي العلم بالتكليف التعييني على كل تقدير وفي كل حال ، وأما العلم بالتكليف على تقدير دون تقدير وفي حال دون حال ، فالترخيص التخييري في كل واحد لا ينافيه ، فتأمل.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه كون الاضطرار إلى غير المعين يقتضي الترخيص الواقعي والتوسط في التكليف ، وقد مال إليه شيخنا الأستاذ – مد ظله - ( أي المحقق النائيني نفسه ) بل قواه في ابتداء الامر ، ولكن عدل عنه في فذلكة البحث واختار الترخيص الظاهري والتوسط في التنجيز وهو الذي ينبغي المصير إليه.
هذا ما يقتضيه النظر على مبانيهم في منشأ وجوب الموافقة القطعية بعد حرمة المخالفة القطعية والاستناد في ذلك الى حكم العقل وتعارض الأصول وتساقطها. انتهى.
وقد يناقش ما ذكره أخيرا من كون ارتكاب المكلف للحرام عند مصادفته له يكون مصداقا للاضطرار، وإن كان يمكن رفع الاضطرار بالطرف الآخر نظير الاتيان بأحد فردي الواجب التخييري ، فان المأتي به يكون مصداقا للواجب ، مع أنه يجوز تركه والإتيان بالفرد الآخر ، وإذا صدق الاضطرار إلى الحرام ، فالترخيص فيه يكون واقعيا.
بحث الاصول ١٠٥٩ : الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. نظر صاحب الكفاية والنائيني والخوئي ره. ٦ جمادى الأولى ١٤٤٦
إن قلت : إن هذه النصوص محكومة بأدلة رفع الاضطرار كما هي محكومة لسائر الأدلة الثانوية أيضا فكيف تصلح لإثبات التنجيز في مقابل أدلة الاضطرار . وبعبارة أخرى يقال : كما تمسكتم بإطلاق دليل الاحتياط في الشبهة غير المحصورة فلا بد من التمسك بإطلاق دليل الاضطرار فهو شامل لكل الأطراف وبيد المكلف أن يطبقه على أي طرف شاء فهو حلال له . فكيف يكون حلال الارتكاب قبل أن يختار المكلف أي طرف من الأطراف ثم يحرم عليه بعدما اختار سواه ودفع به اضطراره وهو يشك بكون الحرام الواقعي كان هو ذلك الذي اختاره المكلف لدفع اضطراره ، فلا يكون عالما بالحرام بين الأطراف بل غاية ما يبلغه علمه هو حرمة أحد الأطراف إن لم يكن هو الطرف الذي يختاره المكلف لدفع اضطراه ، وهو في حقيقة الأمر شك بدوي وليس علما إجماليا ، غايته أن الاضطرار إن لحق العلم الإجمالي فإن العلم الإجمالي يكون متحققا الى ما قبل ذلك ثم ينحل عند الاضطرار الى معلوم الحلية وهو ما يندفع به الاضطرار ومشكوك الحرمة وهو سائر الأطراف الباقية.
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الاصول الدرس ١٠٥٩ السبت ٦ جمادى الأولى ١٤٤٦ الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. نظر صاحب الكفاية والنائيني والخوئي ره.
وفي مقابله نظر صاحب الكفاية حيث قال : ( إن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين ، كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين ، ضرورة أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه ، تعيينا أو تخييرا ، وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا ، وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم أو لاحقا ، وذلك لان التكليف المعلوم بينها من أول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقة ، فلو عرض على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوما ، لاحتمال أن يكون هو المضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين ، أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين.
لا يقال : الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس إلا كفقد بعضها ، فكما لا إشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان ، كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار ، فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه.
فإنه يقال : حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده ، كان التكليف المتعلق به مطلقا ، فإذا اشتغلت الذمة به ، كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك ، وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه ، فإنه من حدود التكليف به وقيوده ، ولا يكون الاشتغال به من الأول إلا مقيدا بعدم عروضه ، فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد ، فلا يجب رعايته فيما بعده ، ولا يكون إلا من باب الاحتياط في الشبهة البدوية ، فافهم وتأمل فإنه دقيق جدا).
ومال المحقق النائيني والسيد الخوئي رحمهما الله الى ما ذهب اليه الشيخ رحمه الله وخلاصة ما جاد به نظرهما يتبين بأمور :
الأوّل : أنّ الحرام المعلوم بالاجمال لم يطرأ ما يوجب ارتفاعه ، لما عرفت من أنّ الاضطرار إنّما هو إلى الجامع لا إلى خصوص الحرام ليرتفع حكمه.
الثاني : أنّه لا يمكن الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف ، لاستلزامه الترخيص في المعصية ومخالفة التكليف الواصل.
الثالث : أنّه لا بدّ من رفع اليد عن وجوب الموافقة القطعية ، لتوقف رفع الاضطرار على ارتكاب بعض الأطراف ، فلا مناص من الترخيص في الارتكاب بمقدار يرتفع به الاضطرار .
الرابع : أنّه إن انطبق ما اختاره المكلف لرفع اضطراره على الحلال الواقعي ، فالحرمة الواقعية في الطرف الآخر باقية بحالها ، ولا وجه لرفع اليد عنها ، فانّ الحرام الواقعي لا يكون مضطراً إليه ، ولا انطبق عليه ما اختاره المكلف لرفع اضطراره ، وإن انطبق ما اختاره المكلف لرفع اضطراره على الحرام الواقعي ، فالحرمة الواقعية وإن لم ترتفع ، لأنّ اختيار المكلف له لرفع اضطراره لا يكشف عن تعلّق الاضطرار به ، فلا موجب لرفع حرمته ، إلاّ أنّ الجهل به مستلزم للترخيص الظاهري في ارتكابه المستلزم لعدم العقاب عليه .
ونتيجة ما ذكرناه من الاُمور : أنّ التكليف في المقام في مرتبة متوسطة بين الشبهة البدوية التي لم يتنجز الواقع فيها أصلاً ، وبين العلم الاجمالي الذي لم يتعلّق الاضطرار بشيء من أطرافه وكان الواقع فيه منجّزاً على كل تقدير ، فانّ التكليف في المقام منجّز على تقدير عدم مصادفة ما يختاره المكلف لرفع اضطراره مع الحرام ، وغير منجّز على تقدير مصادفة ما يختاره المكلف مع الحرام ، فانّ الجهل به يسقط تنجّزه ، فصحّ أن نقول : إنّ التكليف في المقام في رتبة التوسط من التنجّز ، كما هو الحال في دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، فانّ التكليف بالنسبة إلى الأقل منجّز للعلم بوجوبه على كل تقدير ، وبالنسبة إلى الأكثر غير منجّز للشك فيه ، فيكون مجرىً للبراءة ، فصحّ أن نقول : إنّ للتكليف - على تقدير تعلّقه بالأكثر - توسطاً في التنجز ، بمعنى أنّه لو أتى بالأقل فغير منجّز ، أي ليس على ترك الأكثر حينئذ عقاب ، لعدم العلم بوجوبه .
وعلى تقدير ترك الأقل أيضاً فهو- أي التكليف المتعلق بالأكثر - منجّز ويعاقب على تركه ، حيث لا ينفك عن ترك الأقل. هذا ما يقتضيه النظر على مبانيهم في منشأ وجوب الموافقة القطعية بعد حرمة المخالفة القطعية والاستناد في ذلك الى حكم العقل وتعارض الأصول وتساقطها.
أما على ما اخترناه من كون أدلة الأصول العملية المؤمنة وسائر أدلة التأمين الشرعي مخصصة بما دل على لزوم الاحتياط في الشبهة المحصورة فإن إطلاق الأدلة فيه الذي يشمل ما كان فيه اضطرار الى بعض الاطراف بلا تعيين فإنه تكفي لإثبات لزوم الاحتياط في الأطراف التي لم يرفع المكلف بها اضطراره .