بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الاصول الدرس ١٠٦٠
الأحد ٧ جمادى الأولى ١٤٤٦
الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. نظر الميرزا النائيني ره في تقريب التنجيز وما يلاحظ عليه.
هذا وكنت آثرت أن أكتفي بذكر كلام السيد الخوئي قدس سره رعاية للاختصار ، ولكني وجدت من تدقيق بعض الأخوة الأفاضل في البحث ما يقتضي ذكر كلام المحقق النائيني قدس سره أيضا زيادة في الفائدة ، وذلك أنه قد ذكر في فوائده ما حاصله (أن التوسط في التكليف معناه : ثبوت التكليف الواقعي على تقدير وعدم ثبوته على تقدير آخر ، بتقييد إطلاقه وتخصيصه بحال دون حال كما هو الشأن في تقييد كل إطلاق بقيد وجودي أو عدمي.
والتوسط في التنجيز معناه : بلوغ التكليف إلى مرتبة التنجز على تقدير، وعدم بلوغه إلى تلك المرتبة على تقدير آخر ، مع إطلاق التكليف الواقعي وثبوته في كلا التقديرين بلا تصرف فيه واقعا ، بل كان تنجز التكليف مقصورا بأحد التقديرين.
والاضطرار إلى غير المعين : في اقتضائه التوسط في التنجيز أو التوسط في التكليف ، كما اختاره الشيخ - قدس سره - وجهان ، لأنه قد اجتمع فيه كل من الجهتين ، فان لكل من الجهل والاضطرار دخلا في الترخيص فيه ، إذ لولا الجهل بشخص الحرام كان يتعين على المكلف رفع الاضطرار بغيره ، كما أنه لولا الاضطرار كان يجب الاجتناب عن جميع الأطراف ولم يحصل في البين ما يوجب الترخيص في البعض ، فالترخيص في ارتكاب أحد الأطراف تخييرا يستند إلى مجموع الأمرين : من الجهل والاضطرار .
وحينئذ لابد من ملاحظة الجزء الأخير لعلة الترخيص.
فإن كان هو الجهل ، فالترخيص فيه يكون ظاهريا لا واقعيا ، ويلزمه التوسط في التنجيز ، والترخيص الظاهري في المقام - كسائر موارد الترخيصات الظاهرية المستفادة من أصالة البراءة والحل - لا يقتضي أزيد من المعذورية في مخالفة التكليف على تقدير مصادفة ما اختاره المكلف لدفع الاضطرار لموضوع التكليف مع بقاء الواقع على ما هو عليه بلا تصرف فيه ، فان الترخيص الظاهري لا يصادم الواقع.
وإن كان هو الاضطرار ، فالترخيص فيه يكون واقعيا ويلزمه التوسط في التكليف .
والانصاف : أن لكل من الترخيص الواقعي والترخيص الظاهري وجها قويا.
أما وجه كون الترخيص ظاهريا : فهو ما تقدم من أن الاضطرار إلى غير المعين بوجوده لا يصادم التكليف الواقعي ولا يمس الموضوع ، بل الموضوع بتمام ما له من القيود الوجودية والعدمية محفوظ ، فالعلة الموجبة للترخيص في ارتكاب الحرام إنما هو الجهل ، إذ لولا الجهل كان يتعين رفع الاضطرار بغير الحرام ، ولذا قلنا : إن الحكم في مورد الاضطرار إلى غير المعين يكون فعليا.
وأما وجه كون الترخيص واقعيا : فهو أن الاضطرار بوجوده وإن لم يناف التكليف الواقعي ، إلا أنه في حال الجهل بالموضوع وعدم العلم بشخص الحرام ينافيه ويقع المصادمة بين التكليف والاضطرار ولو في صورة مصادفة ما اختاره لدفع الاضطرار لموضوع التكليف ، فان ارتكاب المكلف للحرام في هذا الحال يكون مصداقا للاضطرار ويحمل عليه بالحمل الشايع الصناعي ، ويصح أن يقال : إن ارتكابه للحرام كان عن اضطرار إليه ، وإن كان يمكن رفع الاضطرار بالطرف الآخر نظير الاتيان بأحد فردي الواجب التخييري ، فان المأتي به يكون مصداقا للواجب ، مع أنه يجوز تركه والإتيان بالفرد الآخر ، وإذا صدق الاضطرار إلى الحرام ، فالترخيص فيه يكون واقعيا.
وتوهم : أن الترخيص الواقعي في كل واحد من الأطراف تخييرا ينافي العلم بالتكليف الواقعي تعيينا.
فاسد ، فإنه إنما ينافي العلم بالتكليف التعييني على كل تقدير وفي كل حال ، وأما العلم بالتكليف على تقدير دون تقدير وفي حال دون حال ، فالترخيص التخييري في كل واحد لا ينافيه ، فتأمل.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه كون الاضطرار إلى غير المعين يقتضي الترخيص الواقعي والتوسط في التكليف ، وقد مال إليه شيخنا الأستاذ – مد ظله - ( أي المحقق النائيني نفسه ) بل قواه في ابتداء الامر ، ولكن عدل عنه في فذلكة البحث واختار الترخيص الظاهري والتوسط في التنجيز وهو الذي ينبغي المصير إليه.
هذا ما يقتضيه النظر على مبانيهم في منشأ وجوب الموافقة القطعية بعد حرمة المخالفة القطعية والاستناد في ذلك الى حكم العقل وتعارض الأصول وتساقطها. انتهى.
وقد يناقش ما ذكره أخيرا من كون ارتكاب المكلف للحرام عند مصادفته له يكون مصداقا للاضطرار، وإن كان يمكن رفع الاضطرار بالطرف الآخر نظير الاتيان بأحد فردي الواجب التخييري ، فان المأتي به يكون مصداقا للواجب ، مع أنه يجوز تركه والإتيان بالفرد الآخر ، وإذا صدق الاضطرار إلى الحرام ، فالترخيص فيه يكون واقعيا.