بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الاصول الدرس ١٠٥٩
السبت ٦ جمادى الأولى ١٤٤٦
الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. نظر صاحب الكفاية والنائيني والخوئي ره.
وفي مقابله نظر صاحب الكفاية حيث قال : ( إن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين ، كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين ، ضرورة أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه ، تعيينا أو تخييرا ، وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا ، وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم أو لاحقا ، وذلك لان التكليف المعلوم بينها من أول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقة ، فلو عرض على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوما ، لاحتمال أن يكون هو المضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين ، أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين.
لا يقال : الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس إلا كفقد بعضها ، فكما لا إشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان ، كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار ، فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه.
فإنه يقال : حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده ، كان التكليف المتعلق به مطلقا ، فإذا اشتغلت الذمة به ، كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك ، وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه ، فإنه من حدود التكليف به وقيوده ، ولا يكون الاشتغال به من الأول إلا مقيدا بعدم عروضه ، فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد ، فلا يجب رعايته فيما بعده ، ولا يكون إلا من باب الاحتياط في الشبهة البدوية ، فافهم وتأمل فإنه دقيق جدا).
ومال المحقق النائيني والسيد الخوئي رحمهما الله الى ما ذهب اليه الشيخ رحمه الله وخلاصة ما جاد به نظرهما يتبين بأمور :
الأوّل : أنّ الحرام المعلوم بالاجمال لم يطرأ ما يوجب ارتفاعه ، لما عرفت من أنّ الاضطرار إنّما هو إلى الجامع لا إلى خصوص الحرام ليرتفع حكمه.
الثاني : أنّه لا يمكن الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف ، لاستلزامه الترخيص في المعصية ومخالفة التكليف الواصل.
الثالث : أنّه لا بدّ من رفع اليد عن وجوب الموافقة القطعية ، لتوقف رفع الاضطرار على ارتكاب بعض الأطراف ، فلا مناص من الترخيص في الارتكاب بمقدار يرتفع به الاضطرار .
الرابع : أنّه إن انطبق ما اختاره المكلف لرفع اضطراره على الحلال الواقعي ، فالحرمة الواقعية في الطرف الآخر باقية بحالها ، ولا وجه لرفع اليد عنها ، فانّ الحرام الواقعي لا يكون مضطراً إليه ، ولا انطبق عليه ما اختاره المكلف لرفع اضطراره ، وإن انطبق ما اختاره المكلف لرفع اضطراره على الحرام الواقعي ، فالحرمة الواقعية وإن لم ترتفع ، لأنّ اختيار المكلف له لرفع اضطراره لا يكشف عن تعلّق الاضطرار به ، فلا موجب لرفع حرمته ، إلاّ أنّ الجهل به مستلزم للترخيص الظاهري في ارتكابه المستلزم لعدم العقاب عليه .
ونتيجة ما ذكرناه من الاُمور : أنّ التكليف في المقام في مرتبة متوسطة بين الشبهة البدوية التي لم يتنجز الواقع فيها أصلاً ، وبين العلم الاجمالي الذي لم يتعلّق الاضطرار بشيء من أطرافه وكان الواقع فيه منجّزاً على كل تقدير ، فانّ التكليف في المقام منجّز على تقدير عدم مصادفة ما يختاره المكلف لرفع اضطراره مع الحرام ، وغير منجّز على تقدير مصادفة ما يختاره المكلف مع الحرام ، فانّ الجهل به يسقط تنجّزه ، فصحّ أن نقول : إنّ التكليف في المقام في رتبة التوسط من التنجّز ، كما هو الحال في دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، فانّ التكليف بالنسبة إلى الأقل منجّز للعلم بوجوبه على كل تقدير ، وبالنسبة إلى الأكثر غير منجّز للشك فيه ، فيكون مجرىً للبراءة ، فصحّ أن نقول : إنّ للتكليف - على تقدير تعلّقه بالأكثر - توسطاً في التنجز ، بمعنى أنّه لو أتى بالأقل فغير منجّز ، أي ليس على ترك الأكثر حينئذ عقاب ، لعدم العلم بوجوبه .
وعلى تقدير ترك الأقل أيضاً فهو- أي التكليف المتعلق بالأكثر - منجّز ويعاقب على تركه ، حيث لا ينفك عن ترك الأقل.
هذا ما يقتضيه النظر على مبانيهم في منشأ وجوب الموافقة القطعية بعد حرمة المخالفة القطعية والاستناد في ذلك الى حكم العقل وتعارض الأصول وتساقطها.
أما على ما اخترناه من كون أدلة الأصول العملية المؤمنة وسائر أدلة التأمين الشرعي مخصصة بما دل على لزوم الاحتياط في الشبهة المحصورة فإن إطلاق الأدلة فيه الذي يشمل ما كان فيه اضطرار الى بعض الاطراف بلا تعيين فإنه تكفي لإثبات لزوم الاحتياط في الأطراف التي لم يرفع المكلف بها اضطراره .