بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الاصول الدرس ١٠٦٣
الأربعاء ١٠ جمادى الأولى ١٤٤٦
الدورة الثانية. القسم الرابع: الاصول العملية. الباب الثالث: الدوران بين المتباينين (منجزية العلم الإجمالي) تنبيهات. التنبيه السابع: الاضطرار إلى بعض الأطراف. انحلال العلم الاجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف. المقام الثاني: الاضطرار الى بعض الأطراف بدون تعيين. المختار.
قلت : إن ما ذكر قد يكون له وجه على المبنى المشهور في حكم العلم الإجمالي ، ومع ذلك فهو خاضع للنقاش من جهة أن الاضطرار الى غير المعين لا يجعل الحل حكما لأحد الطرفين بنحو التخيير فلا يصح ما ورد من أن كلا من الطرفين كان حلالا بحد نفسه لأنه يمكن به دفع الاضطرار فإنه لم يكن حلالا بل كان صالحا لأن يحل إن دفع المكلف به اضطراره ، ولا حلية فعلية في أي من الطرفين فهو ليس كالواجب التخييري كما ورد في بعض الكلمات من حيث أن مصداقه متعلق للوجوب مباشرة أو أنه مصداق للعنوان الكلية الذي تعلق به الوجوب من قبيل عنوان عتق الرقبة.
أما في المقام فليس تحليل الشارع للمكلف أن يفعل ما يرفع به اضطراره الا جعلا للحل في حدود العنوان ( المضطر إليه ) وهذا العنوان مختص بما يدفع به الاضطرار ودفع الاضطرار تارة يكون منحصرا بفرد فيجوز هو بنفسه وتارة بعنوان فيجوز منه ما يرفع الاضطرار فحسب ولا يشمل سائر مصاديقه لأن العنوان ليس حلالا وإنما المضطر اليه هو الحلال فحسب.
ولا يخفى أن الرافع للاضطرار إن تعدد وكان أحدها محرما والآخر محللا فلا يجوز رفع الاضطرار بالمحرم فإنه ليس مضطرا اليه ويمكن تركه الى سواه ورفع الاضطرار بالآخر لأن دليل تحليل الاضطرار وإن كان شاملا للحرام الذي ليس له بدل لكنه قاصر عن شمول ما هو حرام وله بدل. فلا يصلح لإثبات الحل الشرعي الواقعي للطرف الذي يختاره المكلف.
اللهم الا أن يقال إن إطلاق دليل الاضطرار ليس منصرفا عن مجهول الحرمة عندما لا يكون له أي بدل ولا يوجد طريق لمعرفة الواقع أو الاحتياط له ، فيكون كل ما يرفع الاضطرار محللا تحليلا شرعيا ببركة دليل تحليل المضطر اليه فيجوز ارتكابه وينحل العلم الإجمالي به إن سبق على العلم بلا إشكال من هذه الجهة.
نعم إن لحق الاضطرار العلم بعد حصول التنجيز ببركة إطلاق أدلة تنجيز موارد الشبهة المحصورة فيجب الاحتياط في باقي الأطراف تمسكا بإطلاق نفس الأدلة لحالة الاضطرار وغيره كما هي شاملة لسائر الحالات.
هذا كله إن كان مفاد الاضطرار يستوجب الحل كما قد يستفاد من حاق بعض الأدلة المشهورة من قبيل مضمون ( وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه ).
أما إذا كان المستفاد من الأدلة رفع التبعات فحسب كما هو التحقيق المتقدم في مفاد حديث الرفع الذي تضمن رفع ما اضطروا اليه.
فالاضطرار إنما يستوجب التصرف في مقام الامتثال فحسب، ولا يصلح لتخصيص دليل الحرمة ، وعليه لا مناص من كون المسألة من التوسط في التنجيز حتى على مسلكنا فإن دليل التنجيز ووجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة يبقى على إطلاقه في الطرف الآخر ولا يسقط منه الا ما دفع به الاضطرار.
وعليه لا بد من تنقيح حال قاعدة الاضطرار من هذه الجهة.
وتوضيح ذلك : أن مفاد الحديث موجود في طوائف من النصوص:
الطائفة الأولى : ما تضمنه حديث الرفع الذي هو حديث مشهور تقدم الكلام في إثبات صدوره مفصلا في مباحث البراءة ، وهو مروي في الكافي وتحف العقول والنوادر وغيرها ورواه الصدوق بطرق عديدة على اختلاف بينها والمهم منا في المقام ما رواه الصدوق في التوحيد قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رفع عن أمتي تسعة : الخطأ ، و النسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما لا يعلمون ، وما اضطروا إليه ، و الحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة.
ورواه في الخصال نفسه سندا وقريبا منه متنا و قدم فيه (ما لا يعلمون) على (ما لا يطيقون). فإنه صحيح سندا واضح دلالة معتضد بالأحاديث الأخرى.
والمهم في مفاد الحديث في هذه الطائفة أنه لا يستفاد منه جعل الحل ، وإنما رفع التبعات فيكون مرتبطا بمقام الامتثال ليس صالحا لتخصيص أدلة الحرمة ، وإنما للتأمين منها في مقام العمل.