من طرائف الثورات. أن أول ثورة في التاريخ لم تحدث ضد الاستعمار. ولكنها كانت ثورة الجياع. قام بها المصريون ضد الملك بيبي الثاني بعد انتشار الفقر وتردي أحوال المعيشة. ثم توالت بعد ذلك عبر التاريخ ثورات الجياع. هذه الثورات كانت دائما مرتبطة بالشعور بالظلم وسوء التوزيع وعدم العدالة. الجوع وحده غير كاف لتفجير ثورة ما لم يقترن بهذه المشاعر السلبية الغاضبة.
ثم جاء القرآن بعد ذلك ليؤكد أن الحاجة للطعام مقدمة على الشعور بالأمن: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
والحقيقة أن الناس الذي أقابلهم وأتحدث معهم في الشارع جوعى بالمعنى الحرفي للكلمة. لا يجدون ما يأكلونه. وإن وجدوا فهو شحيح ورديء وقليل وغالي الثمن. الآباء يخجلون من عيون أبنائهم ويشعرون بالانكسار أمامهم. والبعض أصبح يهرب من خيمته لعجزه وعدم مقدرته إطعام أطفاله. الأمهات تتعذب في الحصول على الفتات. والاصطفاف أمام التكايا القليلة والمزدحمة. البعض يأكل مرة واحدة في اليوم. والبعض لا يجد ما يأكله.
أكاد أجزم أن موضوع موتهم وسحقهم من الاحتلال أصبح هو الموضوع الثاني في سلم اهتماماتهم. ولعلي لا أبالغ إذا ما قلت أن بعضهم أصبح يتمنى الموت حتى لا يستمر في هذا الهوان والذل والألم . أما موضوعهم الأول فهو الجوع والفقر والعوز والمعاناة اليومية.
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تعج بالدعوات لمقاطعة التجار والحيتان الذي يستغلون الناس. ويمتصون دماءهم رغم الحرب. وبعضها يدعو إلى الاضراب. وأي كان هدف هذه الدعوات. فإنها تؤشر إلى أن أعداء الشعب في هذا الوقت. ليسوا الاحتلال فحسب. ولكن كل من يستغل معاناة المواطنين وظروفهم ليتربح ويتكسب ويتسبب بالجوع لهم بالاشتراك مع الاحتلال.
صحيح أن الاحتلال يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية. لكن أيضا الحيتان الذين يسيطرون على خطوط إدخال السلع وبيعها. يتحملون جزءا لو رحموا الناس به. ولم يستغلونهم. لهانت الآلام. وخفت المعاناة.
الغضب قد يهدأ إذا ما امتلأت الأفواه الجائعة. ولكن إن ظل يحركه ويدفعه الجوع والعوز مع الشعور بالظلم والاستغلال فإن لا أحد يمكن أن يتوقع مدى انفجاره.
#منقول