(يا أَيُّها النَّبي إِنا أَرْسَلْناك)، أرسلناك بهذه الصفاتِ كاملاً في مقام البلاغ، [أَرْسَلْناك] قادراً عَلى أنْ تشهد، ومعصوماً مِنْ أنْ تخالفَ منهجك، وسراجاً قابلاً لأنْ تَشعَّ، وحاملاً لمادة النور الذي أودعتْ فيك، وداعياً إلى الله بتجريد القصد، كله ثناءٌ على النبي في [جميع] جوانبه ووظائفه ومواقفه صلى الله عليه وسلم.
أما بينك وبينَ الله، صل بالليل، عبادةَ إخلاص ومناجاة صدق في مقام الصفاء، ترسيخاً لمعنى الذكر في فؤادك، وهي هي سندك فيما تبدي مِنْ تخلق، فالأخلاقُ لا قيمة لها إذا لم يكنْ منشؤها إيماني، أما محض مجاملات، [فهذه] أخلاق التجار وليس أخلاق الأبرار. ولذلك، نجدُ في القرآن: (وَعِبادُ الرَّحْمن الذينَ يَمْشونَ عَلى الأَرْضِ هَوْناً) فبدأ بالثمرات تواضعاً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً، فلم يقابلوه بنفس الجهل، فللمُوافق تواضع وللمفارق المخالف سَلام.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ما مِنْ أَحَدٍ يُسَلم عَليَّ إِلا رَدَّ الله عَليَّ روحي حَتى أَرُدَّ عليه السَّلام}( )، فأنتَ حينَ تزور القبر النبوي الشَّريف على صاحبه أزكى الصَّلاة والتسليم تتعرض لفضيلتين؛ إلى تشريف وتعريف، تشريف بتسليم رسول الله عليك رداً وهو دعاءٌ منه لك: السَّلام عليكم، وعليكم السلام، أيْ؛ سلمك الله، [فأنتَ] تتعرضُ لدعاء رسول الله، وتعريفٌ لأنك تُعرَّف [مِنْ قِبل الملك لرسول الله صلى الله عليه وسلم]، وهذان لا يوجدان ولا بديل عنهما، وتُشد الرحال إليهما على كل حال لأجل هاتين الفضيلتين.
يبشر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالخير حينَ يدعو إليه ويبشر صاحبه به، ويحذر مِنَ الشر وينذر به ومِنْ عواقبه، فالنبيُّ [الكريم] لا تخرجُ شِرعته عَنْ أوامر ونواهي، ولها كلها مقاصد في الاجتناب والاكتساب؛ "اتق وانتق". وترتيبُ هذه الوعود كلها وعودٌ صادقة، والمنهجُ الناجح في الدعوة هو الذي يستعملُ في تحريك البواعث على الفعل ألواناً مِنَ البشائر، وفي تحريك الروادع وتقويتها في باب الاجتناب والنذر. ولا نعني بالنذر دائماً تلك التخويفات التي تكونُ مِنْ قبيل ما لا يصحُّ ولا يُقبل، تعالى منهج الله وآياته أنْ تكونَ [كذلك]، وإنما المراد جعله [مُسْتبشراً] لما يتعاطاه مِنَ الخير، فيقبلُ عليه، ويحذر مِنْ مخوفٍ يتحقَّـقُـه ليتجاوز ذلك الشَّر الذي يفعله. ولا يمكنُ أنْ تبشر غير المباشر للخير، ولا يمكنُ أنْ تنذر غير المباشر للشر أو المقارب له أو المشارف لفعله، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم على باب: افعلْ تجد، واتركْ تتوقى.
الحقُّ حَسَنَةٌ بينَ سيئتين؛ إفراط وتفريط، والحقُّ يكونُ وسطاً، لا جفاء ولا غُـلو، وسطيةٌ في كُل شيء، ونحنُ مِنْ نعوتنا في كتاب ربنا وهذا مِنَ المزايا: أننا أمةُ وسط، ليس الوسط الحسابي، وإنما عدول خيار، والعدلُ يتنافى مع صور الخلل ظلماً وفساداً، والخيار صورةٌ للفضل الذي يعرضُ نفسه في صورة كمال يبشر بالخير. فالأمةُ الوسط مَنْ تقدم البدائل، وتروج للخير، ولا يُخاف جانبها في الهضم والظلم، بل يُـرجى الخير منها والنوال. هي أمة الشَّهادة والوسط، وأمة العدل والفضل.
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلا رَحْـمَةً لِلْعالَمين) هنا أسلوبُ القصر الذي [يدلُّ على] الاستثناء مِنْ عموم الأحوال: ما أرسلناك لعلة، ولا في حال، ولا لِـمَقصد، إلا هذا الْمَقصد: وهو أَنْ نرحم بك العالمين، وهذا غرضُ البعثة.
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ السُّؤال هو العلم، وفي حديث جبريل لما جاءَ يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، حينَ انتهى، التفتَ النبي صلى الله عليه وسلم [إلى عمر رضي الله عنه]، وقال: {فَإِنَّهُ جِبْريل أَتاكُـمْ يُعَلّمُكُـمْ دينَكُـمْ}، مَنِ الذي كانَ يُعلم؟ كانَ جبريل يسأل، فسمى السائل مُعلماً، فلولا أسئلته ما كانَ الجواب.
ولي الله؛ القريبُ منه بالطاعة وبالمدد واللطف إزاء عبادته: الولاية منه لله والولاية لله منه. والوليُّ إما أَنْ يكونَ ولياً، بمعنى؛ فاعل للقرب، فهو لا يفتأ يتقرب، أو مفعول للقرب بأنْ يتولاه الله بسبب الولاية التي تولى أمر الله بحسبها، وقيل: "إنَّ الولي هو الذي والى بين الطاعاتِ بلا تخللِ عِصْيان"، فيكونُ الولي مِنَ الموالاة وهيَ المتابعة.
أبو الفضل؛ كُنية الإمام القاضي عياض، ولم يكنْ له ولدٌ ولا حفيدٌ يحملُ هذا الاسم، فابنه محمد صاحبُ كتاب "التعريف" هو الذي عُرفَ له، وهذه الكُنية تعودُ إلى اللقب، واللقبُ ما أشارَ بمدحٍ أو ذم، فيكونُ أبو الفضل، أيْ؛ صاحب الفضل، والمرادُ بالفضل: خدمةُ العلم الشَّريف، وقد عاشَ لذلك. وقد سَمى اللهُ عطاءه لعباده فضلاً: (وَلَقَدْ آتَيْنا داودَ مِنا فَضْلاً)، ويقول الله تعالى في نبيه واصفاً ما آتاه مِنَ العلم بالفضل، (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْـمَة، وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَـم، وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظيماً).
ننهي إلى علم الإخوة الكرام أنّ فضيلة الشيخ العلامة سيدي مصطفى البحياوي حفظه الله سيعقد مجلسه في كرسيّ الإمام ابن عطيّة يوم غد السبت بحول الله بعد صلاة العصر في مسجد لالة سكينة بالرباط.
ننهي إلى علم الإخوة المهتمين بتعذر انعقاد مجلس التفسير لشيخنا مولاي المصطفى البحياوي بمسجد لالة سكينة بعد عصر يوم السبت 23 نونبر، على أن يتم استئنافه السبت الذي يليه.
ننهي إلى علم الإخوة من طلبة العلم والمهتمين بحضور مجالس التفسير أنّ فضيلة الشيخ العلامة سيدي مصطفى البحياوي حفظه الله سيعقد مجلسه في كرسيّ الإمام ابن عطيّة يوم غد السبت بحول الله بعد صلاة العصر في مسجد لالة سكينة بالرباط.