أن تأخذ في عينيك محاريث الأرض وتفجر تحت قضيتك عناوين أخرى أن تدفع ثمن الصفوة أغنيات هائمة تحت أقاويل النبض الضائع وتعامل لعبتك القديمة كعرض آخر للسحر أن تشقى! لا ثمن تقبضه لشقائك أو ماضٍ يهتف في أذنيك لترقص بين أقاويل الحكام تأخذك علامة العسكر لتضارب شفتيك النسمات وتعانق صوتاً يهمس في صدغيك أن الحرب هنا في قلبك ! الحرب لتعلق بين القافيتين قافية الشعر الكاذب والأغنية الأخرى وحيٌ يستنزف ضوضاء العبث الروحي ! فتغادر لعبتك المصنع وتثير طريقتك المثلى في دك خطاويك العالقة بين الواقع والذكرى . وتواعد لعبتك المثلى أن تقتل نفسك لتضيف أغلفة بيضاء لآلاف الصفحات الممتدة تحت اثير الصمت ! والأسئلة تهدهد جانبك الأيسر هل يعقل أن تحيا وتحمل بين يديك كل دعاوي الموت ؟ هل يمكن أن تكتب وبين صراخك تغفو السنة العجز ؟ فتعاود لعبتك المثلى ! هل يبدو الصمت كنقاط البيع لفجرٍ سابق أو يبدو الصمت كأغنية خرساء لذئابٍ تبحث عن معنى الرغبة في الأكل ! وتفسر رغبتك الكبرى بأناشيدٍ مختلطة! وأخرى مأخوذة من عمق عبارات التاريخ المنسية وأروقة ترقص في طرب تحت الأرض ! لخيالٍ قد يصحو في يومٍ أو خرقاً آخر لنصٍ مسروق من بين أخاطيط الكتب الدينية . أن يغلبك الصمت فيتسرب معناه الأعمق ويتخلل معنى الترك على عقلٍ قد فقد المنطق ! يجلس في ركن الكون يخاطب مرآة تعكس صورة وجهاً متورم ما الحق بحقك؟ والكلمات ؟ ما المعنى والشك ؟ فيما يجدي الخلق هل تغفو الآن ؟ لتترك عقلك يعمل ويسرق من فاهك موهبة النطق ! لتسكت أنفاسك مغارات الهمس وضوضاء قد تركت مخبأها لتثبت أن الحق لا ينجو من تعريف المعنى !
المدن الخاوية عروشها قد هربت العجائز في الطرقات يحملون أرجلهم الموت غمامة تلبس العمامة ونحن أموات قد فاتنا حتفنا ..
المدن الساقطة لا تعود هكذا في الأساطير القديمة . والمدن الآمنة أسطورة لن تجنوا من الترائي! الاقدام التي هربت تؤنس أصحابها والخيالات على الجدران مزقها الرصاص المدن الضائعة محض لعبة تصيغنا الأماني لنعلن وجودنا ونلعن وجودنا ونسرق بقايا القمح من الطيور المدن الجائعة تهيم في الأرجاء البلاد الخانعة لا تتذكرنا والموتى أحياءٌ يغيبهم الحضور ! المدن الخاوية عروشها قد هربت العجائز في الطرقات يحملون أرجلهم ..
في باديء الأمر قد اخترت الفكرة والقافية والكلمات لكنني لم أجد الحس المناسب لذا توقفت في السطر الأول واعدت الكتابة حرفاً يمحو حرفاً لا منطقاً يساورني ولا شوقاً يخالط حرفي لا كلمات مناسبة لتصف بلادي إن آلهة الموت القديمة تغزل شعرها في الشوارع والله يغمض عينيه كل صباح وفي المساء نشارك جميعنا في اللعبة . يشارك بعضنا بالنسيان والبعض بالسفر والبعض بالرصاص وأصوات البنادق منا من يشارك بالموت الأفراح تنسج شراكها والأهازيج التي مزجت على خيالنا ترفض الرقص. نخطط على الأرض مساراتنا هذه ارضنا وتلك للأحياء وهذه للذين يضحكون على الجنب الأيمن للأموات وفي الوسط نضع أصحاب البنادق ثم نقتل بعضنا . وفي الصباح يغمض الله عينيه في هذا النهار قد زارنا الأنبياء "محمد" على ناقته و"إيليا" يقود عربته النارية على رؤوسنا و"موسى" يطأطأ عصاه على النيل . في هذه الأرض التي جفت يقول الجميع بصوتٍ بديع "تبدو أرضً خصبة لزراعة الجثث" ثم نصحو اليوم ! ونصحو غداً وتبدو الأرض حمراءً كما بدت دوماً الأنبياء هنا والله يغمض عينيه كل صباح !
أبحث عن هيئة تناسب ما تنتعل خواطري لا يمكنني ان اكتفي بالقوالب الجاهزة والظواهر بالغة المعنى لا الجوهر يغنيني عن التردد ولا ارتباطات التداخل تمنعني من معركة الوسم ..
او السخط الذي يمارس نشوته في حضوري الحياة الباهتة! الطرقات الفارغة! هذا التخبط! والتسامي والغلو! في القبو النائم في صدري انشودة جرف يترنح..
أن تمضي اللحظة لتصير الفكرة لأبدٍ يمارس سطوته أو تغني اللحظة افكاري . ان انتج معتقداتي لتناسب قدري المحفوظ بين أكف العنت ..
هكذا تتفانى جيناتي بين أمزجة التشتت والضياع ما بين النص المسكوب على الحرف والدائرة التي تفقد مغذى العودة. ..
إنني أوجه نقداً لاذع لكلماتي أحاول توجيه حروفي لتكوين مفردات جديدة لأخرج عن المألوف لأخاطب مدى أبعد أردت في باديء الأمر أن أكتب عن جزيئات مطاط أحبت أن ترقص على شجرة فصنع منها كرة قدم وعندما ذكرت كرة القدم شعرت بالغباء وجلست أعاتب أفكاري كم سيكون تافهاً ذلك النص الذي يدور حول العشب والقردة العليا التي تطارد بطيخة فتركت الفكرة معلقةً في الجزء الداخلي لرثاء نفسي ان تكبدت عناء الإهتمام بها في ليلةٍ ما أعجبت بظل الجبل الذي يقبع خلف قريتنا أردت أن اتغزل بصخوره وثباته أن أبدي اهتمامي برمزيته التاريخية ولكنني تذكرت في تلك الليلة تفككت صخوره جراء جريان الماء أن تهزم بواسطة الماء يالها من رمزية هشة يتغنى بها القدماء هذه الفكرة لا تصلح إلا كأنشودة صفراء لدراويش يزورون قبراً على سفح الجبل كم هم أغبياء هكذا جزمت ثم عقدت العزم على الفكرة الأخرى التي بجوارها كانت لفتاة جميلة تحب ممارسة الجنس بأعواد الثقاب وتضع على رأسها خماراً أسود لا يظهر إلا عينيها اهتزت حافلة الركاب سقط من بين قدميها سبع أعواد ثقاب لم يعد الأمر مثيراً في النهاية ستتوقف عن إدخالهم وستدخل الموقد فتركت الفكرة مرةً أخرى لأكتب عن شيءٍ أخرق حذفت مدونتي السابقة ألواني السوداء على الورقة منضدتي المهجورة وضعت المرآة أمامي اتقمصني في صورة رمالٍ أغنية أخرى تكرار الكلمات قفزت مفرداتي المعتادة -لما لا تكتب عن الله؟ لقد أكتفيت -عن الوجود والعدم؟ طويت الصفحة -عن الشيطان؟ قد كان أحمقاً -عن الموت والحياة؟ كأصوات الآذان -عن الصمت؟ ما جدواه -عن أغنيةً أخرى وموسيقى عن الضوضاء؟.
ستظل علاقتي بالفن الغنائي السوداني ليست علاقة العارف بالسلالم الموسيقية ولا العالم بمضارب أحرفها ولكنِ متذوقٌ للكلامات فقط وأحياناً يتسرب لمزاجي الغليظ الرافض بعضاً من سحر الموسيقى وألقها !
وضعتني الظروف مجبراً للاستماع لمختلف الأذواق الموسيقية، تارةً لما هو شعبي وأحياناً لموسيقى مناطقية أو بلهجاتٍ محلية غارقة في البداوة من ذوي الأرواح النقية التي تملك في مداركها أنشودات لم تغرق بعد في وثن المدينة، ولموسيقى حديثة مرتبة متناسقة مشبعةُ بالانتظام ..
عدا القليل من الكلمات التي يعربد بها محمود أو مصطفى لم تكن نفسي تسول لي الاستماع لما هو خارج هذا الحيز الضيق، فمصطفى يمثل رمزية الثورة والخلود لدي، ومحمود يمثل رمزية الخروج عن المألوف وخرق العادة، وهذا والله لكافٍ لذوقي الموسيقي، ولتتمعن أذنيّ في رمزية الحياة من جانبٍ آخر .
لطالما كانت "الربابة" عند قبائل شمال وسط السودان تنحصر في شعر التباكي، وادعاءات المحبين ترتبط بالحزن في عمقها، وتتراقص مخيلتها في لب قضايا الخسران والضياع كما يعيش أصحابها، بين أكف التوهان الثقافي وهي تمثل انعكاسات مدى مخاييل الشعوب التي تمتزج بأغنياتها الرقيقة التي تنعم برفاهية الشوق والحب والفقد.
فكان أثرها على المدينة رقيقاً يبعث على الإلفة لحياة الريف، ومستمعيها يعيشون حالة حنينٍ مضطربة بين العودة لما هو قديم وعيش واقعهم، مصابون بحساسية الريف وصلادة المدينة، وأكثرهم اضطراباً أكثرهم استماعاً لتلك الأصوات الهشة التي تقفز بين ثنايا "الشيالين" تمر حادةً كنقرات قطعةٍ معدنية على آنية زجاجية.
في الآونة الأخيرة ومع ضعف الحركة الثقافية في المدينة وهشاشة الفكر وغياب الهوية تحركت "الربابة" جنوباً، نحو العمق، ولكن هذه المرة لم تكن ترتبط بالحزن، بل كان ما يمثلها أشبه بالضوضاء أو السعادة الهستيرية التي تخرج من مجتمع يعيش انحداراً نفسياً وتجاذباً حاداً بين سطوة الريف ورقاصات المدينة .
فلذا مهما كانت الكلمات التي يتغنون بها تتقمص الحزن ستظل هشة أمام ضربهم الهستيري للأرض ورقصاتهم الهوجاء وموسيقاهم المنحدرة ..
في اليوم العالمي للصحة النفسية عندما تربي طفلاً عليك أن تعلمه أن العالم مكان سيء للحياة، وأن أسوأ الكائنات ما يسمى بالبشر .
في اليوم العالمي للصحة النفسية السبيل الوحيد للنجاة في هذا العالم هو العدمية فعليه أن تكون عدمياً أمراً لابد منه، فإن لم تكن عدمياً عليك أن تبلغ أقصى حدود اللا مبالاة .
في اليوم العالمي للصحة النفسية الموت والحياة خياران يتساوى عندهما الجميع وهما في حقيقة الأمر لا يختلفان فالحياة ليست أقل معاناةً من الموت والموت ليس خياراً سهلاً تتخذه حين استسلام ..
في اليوم العالمي للصحة النفسية الإيمان المرتكز على الخوف هو أضعف سبل النجاة فالمؤمن مأزوم يعاني من عقدة الحياة وعقدة التحضر ، يعيش في الماضي، فعليه أن تبني ثوابتك ومبادئك، فما بني على خوف تملأه التناقضات.
في اليوم العالمي للصحة النفسية الكتب المقدسة مكانها دور العبادة وليس مراكز العلاج النفسي.