«عِقدُ الجُمان»

Channel
Logo of the Telegram channel «عِقدُ الجُمان»
@safea105Promote
1.86K
subscribers
قناةٌ نودِعُ فيها مِن لآلئ العربيّةِ ما يسّرهُ الله لنا، مَعنيّة بالأدبِ شعراً ونثراً، وقد تحوي ما جال في النّفس من أفكار.
ولأبي محمّد اليزيديّ:

وآنسني حتّى أنستُ بقربه
فلمّا رأى أنسي به باعد القربا

ونوّلني نيلاً فلمّا قَبِلتُه
جفاني كأنّي نلت ما نلته غصبا

ورغّبني في فضله فالتمستُه
فصار التماسي فضله عنده ذنبا


هذا من جيّد الكلام وشريفه، وإذا نظرت إلى طابعه وسمته وجدته منقطع القرين، محميّ الحريم، لا يستأذن على القلب ولا يحتجب عنه العقل ولا يستطيل معه النّفَس، يعالق الرّوح معالقة، ويعانق السّرور معانقة.

_البصائر والذّخائر.
مِن أمثال العرب قولهم:

«أندمُ من الكُسَعيّ»

وحكاية المثل فيما روي أنّ رجلاً من بني كسع كان يرعى إبلاً له في وادٍ فيه شجر الحمض والشّوحط، فاتّخذ منه قوساً وقال وهو ينحت القوس:

يا ربّ سدّدني لنحتِ قوسي
فإنّها مِن لذّتي لنفسي
وانفع بقوسي ولدي وعِرسي
أنحتها صفرا كلون الورسِ
كبداء ليست كالقسيّ النّكسِ

حتّى إذا فرغ من نحتها، برى خمسة أسهم، ثمّ قال:

هنّ وربّي أسهمٌ حِسانُ
يلذّ للرّامي بها البنانُ
كأنّما قوّمها ميزانُ
فأبشروا بالخِصب يا صبيانُ
إن لم يعقني الشّؤم والحِرمانُ

ثمّ خرج ليلاً حتّى أتى قترة _وهي المكان الّذب يختبئ فيه الصّائد_ على موارد حمر الوحش فكمن فيها، ورمى عيراً منها فأصابها وأورى السّهم في الصّوّانة ناراً، فظنّ أنّه أخطأ، فقال:

أعوذ بالمهيمن الرّحمنِ
مِن نكدِ الجَدّ مع الحرمانِ
ما لي رأيتُ السّهم في الصّوّانِ
يوري شرار النّار كالعقيانِ
أخلفَ ظنّي ورجا الصّبيانِ

ثمّ وردت الحمر ثانية، فرمى عيراً منها فأصابه، وظنّ أنّه لم يصبه في هذه المرّة أيضاً، فقال:

أعوذ بالرّحمن من شرّ القدرْ
لا بارك الرّحمن في أمّ القُتَرْ
أأمغط السّهمَ لإرهاق الضّررْ
أم ذاك من سوء احتيالٍ ونظرْ
أم ليس يغني حذرٌ عند قدرْ

ثمّ وردت الحمر ثالثةً، فرمى عيراً منها فأصابه وهو يحسب أن لم يصبه، فقال:

إنّي لشؤمي وشقائي ونكدْ
قد شفّ منّي ما أرى حرُّ الكبدْ
أخلفَ ما أرجو لأهلٍ وولدْ

ثمّ وردت الحمر، فرمى عيراً منها وظنّ أنّه لم يصبه، فقال:

ما بال سهمي توقد الحباحبا؟
قد كنت أرجو أن يكون صائبا
إذ أمكن العيرَ وأبدى جانبا
فصار رأيي فيه رأياً كاذبا
أظلّ منه في اكتئابٍ دائبا

ثمّ وردت الحمر خامسةً فرمى عيراً منها فأصابه وهو يزعم أنّه لم يصب شيئاً، فقال:

أبعدَ خمسٍ قد حفظتُ عدّها
أحملُ قوسي وأريد ردّها
أخزى إلهي لينها وشدّها
واللهِ لا تسلم عندي بعدها
ولا أرجّي ما حييتّ رِفدها

ثمّ خرج من قترته حتّى جاء بالقوس إلى صخرةٍ فضربها بالقوس حتّى كسرها، ثمّ نام إلى جانبها حتّى أصبح، فلمّا أصبح رأى نبله مضرّجة بالدّماء، ونظر إلى الحمر خمساً مطروحة حوله، فعضّ إبهامه حتّى قطعها، ثمّ أنشأ يقول:

ندمتُ ندامةً لو أنّ نفسي
تطاوعني إذن لقطعت خمسي

تبيّن لي سفاه الرّأي منّي
لعمر اللهِ حين كسرتُ قوسي

يُضرَب هذا المثل في النّدم والأسف الشّديد على شيء ما، وقد ذكر الفرزدقُ هذا المثلَ في شعره بعد ندمه على طلاق زوجهِ نوار فقال:

ندمتُ ندامةَ الكُسعيّ لمّا
غدت منّي مطلّقة نوارُ


#أمثال_العرب
{{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}}
«مُحمّد المصطفى الهادي ومَن شهدت
بصدقِ دعواه توراةٌ وإنجيلُ

أوفى النّبيّين برهاناً ومعجزةً
وخير مَن جاءه بالوحي جبريلُ

كانت رسالته للرّسل خاتمةً
وللنّبوّات تتميم وتكميلُ

فضائلٌ لرسول اللهِ واضحة
وفي الفضائل معلوم ومجهولُ

سلّ الإله به سيفاً لملّته
وذلك السّيف حتّى الحشر مسلولُ

هل يُبتغى بالقوافي رفع رتبته
وفيهِ للهِ قرآنٌ وتنزيلُ

أم هل نروم بها تعظيمه وله
من المهيمنِ تعظيم وتبجيلُ»


اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاةً تغفر بها ذنبنا، وتفرّج بها كربنا، وتعيننا بها على الطّاعة، وترزقنا الشّفاعة. 🩵
أُثِر عن العرب قولهم:

«إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة»

قيل: إنّ أوّل مَن قال ذلك سهل بن مالك الفَزَاريّ، وذلك أنّه خرج يريد النّعمان فمرّ ببعض أحياء طيّئ، فسأل عن سيّد الحيّ، فقيل له: حارثة بن لأم.

فأمّ رحله فلم يصبه شاهداً، فقالت له أخته: انزل في الرّحب والسّعة، فنزل فأكرمته، ثمّ خرجت من خبائها فاستملحها، وكانت عقيلة قومها وسيّدة نسائها، فوقع في نفسه منها شيء، فلم يدرِ كيف يرسل إليها يسألها الزّواج، ولا ما يوافقها من ذلك، فجلس بفناء الخباء يوماً وصار ينشد:

يا أخت خير البدو والحضارةْ
كيف ترين في فتى فزارةْ

أصبح يهوى حرّة معطارةْ
إيّاكِ أعني واسمعي يا جارةْ

فأطلقوه مثلاً يُضرَب لمن يقول شيئاً ويريد غيره، ويتكلّم بكلام عامّ أمام النّاس وهو يقصد حديثاً معيّناً لإنسان واحد مقصود منهم.

ويقال: إنّ ذاك الكلام راب الفتاة، وعرفت أنّها المعنيّة، فأجابته من خبائها: ما ذا بقوْلِ ذي عقل أريب، ولا رأيٍ مصيب، ولا أنف نجيب، فأقِمْ ما أقمتَ مكرَّماً ثمّ ارتحِلْ متى شئت مسلّماً.

فبيّن لها أنّه لم يقصد السّوء، فارتحل إلى النّعمان فأكرمه، ولمّا عاد مرّ بهم فخطب الفتاة وسار بها إلى أهله.


#أمثال_العرب
تمتّع من شميمِ عرار نجدٍ
فما بعد العشيّة من عرارِ

مذ قرأت هذا البيت نزل في فؤادي منزلاً عظيماً، صرت أردّده كثيراً وأشرحه لمن حولي، وما رأيت زهرة قبل الغروب إلّا تذكّرته، وما شممت عند نسيم الصّباح رائحة الزّهر من زيزفون وياسمين وقرنفل تفوح في الدّار إلّا أنشدته، وما جلستُ جلسة رائقة أو تحدّثت حديثاً حسناً مع أناس كرام إلّا شعرتُ بشعور ذاك البيت، فصرت أتمتّع بكلّ لحظة جميلة خشية فقدها.

العرار عِندي كلّ شيء حَسَن بديع، يملأ العين، ويرضي القلب، ويلذّ في السّمع، لا آفة له إلّا الزّوال "فما بعد العشيّة من عرار"

أيّام الطّاعات الّتي عظّمها الله تعالى وأمرنا بأن نضاعف عملنا فيها، ليلة الجمعة ويومه وساعته المباركة عرار يزول أو نزول فإن لم نعمل فيه حرمناه

أحاديث أهلنا وإخواننا وأصحابنا عرار يزول إمّا بالموت أو الهجر

حتّى مواقع التّواصل وكرامها عرار قد يزول بأيّ لحظة ونزول

كيف نخاصم مَن حولنا ونؤذيهم ونحزنهم وهم أحبابنا ولا نتمتّع بقربهم، فإن ماتوا أو فارقونا كدنا نهلك أسًى عليهم؟

وأهمّ شيء عمرنا الّذي نعيشه عرار، هذه المرحلة مرحلة الشّباب عرار عظيم، فكيف نضنّ بأنفسنا عن شميم عبقه واغتنامه قبل أن تأتي ساعة نذكره فلا نجده، كيف نمضيه بالكسل والملل والجدال والألم، كيف لا نستنشقه بما فيه وهو الزّائل من غير أن نشعر...

مذ عرفت هذا البيت وأنا أحاول أن أعيش اللّحظات بصفائها وحسنها متغاضية عن كثير من الشّوائب، لأنّي على يقين إن لم أتمتّع من شميم العرار الطّيّب الآن، فسأندم بعدها أشدّ النّدم وأنا أكره هذا الشّعور جدّاً.
قالت العربُ في أمثالها:

«أمرَ مبكياتك لا أمرَ مضحكاتك»

وقصّة المثل فيما روي أنّ فتاة من بنات العرب كانت لها خالات وعمّات، فكانت إذا زارت خالاتها ألهينها وأضحكنها، وإذا زارت عمّاتها أدّبنها وأخذن عليها

فقالت لأبيها: إنّ خالاتي يلاطفنني، وإنّ عمّاتي يبكينني.

فقال لها أبوها: أمرَ مبكياتك لا أمر مضحكاتك.

أي: الزمي أمرَ مبكياتك فهو أحرى بالقبول.

ويروى برفع أمر، أي: أمرُ مبكياتك أولى بالقبول والاتّباع.

وقيل في معناه: أطع أمر من يأمرك بالصّلاح وَإن أبكاك لثقله عليك ولا تُطِع أمر من يأمرك بالفسادِ وإن أضحكك لإعجابك بِه.

يُضرَب هذا المثل في النّهي عمّا تهواه النّفس ولا فائدة ترجى منه، والأمرِ باتّباع الشّيء الحسن وأهله وإن كان يؤلمك لزومهم، وقيل إنّ هذا المثَل أنصح مثَلٍ قالته العرب.

#أمثال_العرب
وليس يصحُّ في الأفهامِ شيءٌ
إذا احتاجَ النّهارُ إلى دليلِ!

_أبو الطّيّب.
لنا في الدّهرِ آمالٌ طِوالٌ
نرجّيها وأعمارٌ قِصارُ

_البحتريّ.
جاء رجلٌ إلى مطيعِ بن إياس فقال: قد جئتك خاطباً
قال: لمن؟
قال: لمودّتك
قال: أنكحتكها، وجعلت الصّداق ألّا تقبل فِيّ مقالة قائل!

صداق عظيم عزيز!
مِن أمثال العرب قولهم:

«إذا عزّ أخوكَ فهن»

قيل: إنّ هذا المثل لهذيل بن هبيرة التّغلبيّ، وكان قد أغار على بني ضبّة فغنم فأقبل بالغنائم تاركاً خلفه بني ضبّة، فلمّا ابتعد عنهم قليلاً،
قال له أصحابه: اقسمها بيننا.

فقال: إنّي أخاف إن تشاغلتم بالاقتسام أن يدرككم الطّلب فتهلكوا.

فأبوا إلّا القسمة، فقال: إذا عزّ أخوك فهن!

ثمّ قسم بينهم الغنائم.

وقد اختلف أهل اللّغة في ضبط هن ومعناها، فذهب بعضهم إلى أنّ الكلمة مأخوذة من الهوان، وقد عدّوا عزّ من العزّ.

ومنهم من قال بأنّها من الهون الّذي هو الرّفق والسّكون، ومعنى عزّ هنا يكون اشتدّ.

وكلاهما حسن في مقام الأخوّة والصّحبة.

يضرب هذا المثل في خفض الجناح للأخ لمَن عاسره أصدقاؤه وإخوانه، فياسرهم ولان لهم.


#أمثال_العرب
Audio
يا بيت عاتِكة!

قصيدة حسنة الوقع في القلب، لا يُملّ سماعها.

_هزج
خيرُ ما نبدأ به سلسلة الأمثال، قول خير الورى قاطبة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الّذي غدا مثلاً يُضرَب لحسن البيان، ولم يأتِ قبله ولا بعده من كلام البشر مثله:

«إنّ من البيان لسحراً»


قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين وفد عليه عمرو بن الأهتم والزّبرقان بن بدر وقيس بن عاصم، فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن الأهتم عن الزّبرقان

فقال عمرو: إنّه مطاع في أدنيه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره.

فقال الزّبرقان: يا رسول الله، إنّه ليعلم منّي أكثر من ذلك، ولكنّه حسدني.

فقال عمرو: والله يا رسول الله إنّه لزمر المروءة، ضيّق العطن، حديث الغنى، أحمق الوالد، لئيم الخال، وما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى، ولكنّي رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت، وسخطت فقلت أقبح ما وجدت.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّ من البيان لسحراً»

فشبّهه _عليه الصّلاة والسّلام_ بالسّحر لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له، ولأنّ البليغ يبلغ ببيانه ما يبلغ السّاحر بلطافة حيلته في سحره.


ويستعمَل هذا القول الشّريف عندما يريد الشّخص أن يعبّر عن استحسانه للمنطق وإيراد الحجّة البالغة في أمرٍ ما عن طريق البيان.

#أمثال_العرب
كنّا نتحدّث مرّة فقلت: يجدر بالإنسان ألّا يعرض حزنه للمارّة وأن يضنّ به عن كلّ غريب أو قريب، فإنّ النّاس لا تعدو اثنين: محبّ مشفق، أو مبغض شامت، فليصمت ويخبّئ في صدره كلّ حاجة ولا يريها غيره، فإنّه أكرم من أن يحزن محبّه، وأذكى من أن يسعد عدوّه، ثمّ إنّه يترفّع عن نظرات النّاسِ له بالرّحمة والإشفاق، وإنّ النّاس تعرفك من مظهرك وقلّة مَن يعرفون مخبرك، وقد خبرت من يبسم حتّى يظنّ النّاس أنّه أسعدُ خلق الله جميعاً، وما علم أحد ما في قلبه، وكان ينشر السّرور في النّاسِ وهو أقلّهم نصيباً منه، فخُيّل إلى مَن حوله أنّه لا يألم ولا يتأثّر، ثمّ صارت الأيّام تنازعه ثوب الجلد هذا، ولا تحبّ أن يظهر للنّاسِ سليماً من لدغاتها المتتالية، فتغالبه على نفسه لينفث نفثات سريعة ثمّ يجبر النّاس على غضّ طرفهم عنها إذ يتبعها بالحذف السّريع، ويستبدل بالنّفثة فائدة أو طرفة، ولا يعلمُ من البشرِ حالَه إلّا ذكيّ حاذق،
فلمّا قضى قال النّاس: مضى سعيداً
أذلك خير أمّن مات فقال النّاس: قتله همّه!
وإن كان كلاهما قتله الهمّ...

_إذن تفنّدين رأي مَن قال: ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة؟

_يتابعه العقل عليه، ويأباه القلب الأبيّ!
دخلَ أبو الغَمرِ الطّمريّ على الحسن بن زيد في جماعةٍ مِن الشّعراء، فأنشأ يقول:

اللهُ فردٌ، وابن زيدٍ فردُ

فنزلَ ابنُ زيد عن سريره، وخرَّ على التّراب ساجداً ما شاء الله، ثُمّ رفعَ رأسَه وقال:
فضَّ اللهُ فاكَ، وأبعدَ مثواك، ألا قلتَ:

اللهُ فردٌ وابنُ زيدٍ عبدُ

واللهِ لو علمتُ أنّك قلتَه على غيرِ مذهب الشّعراء في بُعدِ الإِغيَاءِ، والتّناهي في الإطراء؛ لأحرقتُك واكتحلتُ بسحيقِ عِظامك، واللهِ لا سمعتُك تنشدُني أبداً.

ثُمَّ أخرجَهُ وحرمَهُ وحرمَ الشّعراءَ معَه.
إذا تعقّبتَ الأمورَ كلّها فسدت عليك، وانتهيتَ في آخر فِكرتك باضمحلال جميع أحوال الدّنيا إلى أنّ الحقيقة إنّما هي العمل للآخرة فقط؛ لأنّ كلّ أملٍ ظفرت به فعقباه حزن، إمّا بذهابه عنك وإمّا بذهابك عنه، ولا بدّ من أحد هذين السّبيلين، إلّا العمل لله عزّ وجلّ فعقباه على كلّ حال سرور في عاجل وآجل.
أمّا في عاجلٍ: فقلّة الهمّ بما يهتمّ به النّاس، وأنّك به معظّم من العدوّ والصّديق،
وأمّا في الآجل: فالجنّة.

_ابن حزم.
رويَ عن مُعاويةَ بنِ عمرٍو الأزديِّ قال:

حدَّثني بعضُ آل بني طالب قالَ:

حبَسني الرّشيدُ، فأُدخلتُ إلى موضِعٍ ضيّقٍ فيه ستّة رجال محبوسون، وكان ذلك في اللّيل.

فرقدتُ ورأسي على ركبتيَّ، فرأيتُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد حرَّكني بيده، وقالَ لي: يا فُلان، ما لك مغمومٌ؟

قلتُ: يا رسولَ الله
إنّا في الحبس، وفي موضعٍ ضيِّقٍ، ولا أدري ما يُراد بي.

فقالَ لي: أفلا أعلّمُكَ دعاءَ الفرَج؟

قلتُ: بلى يا رسولَ الله.

قالَ: قُل: يا سامعَ كلِّ صوتٍ، ويا سابقَ كلِّ فوتٍ، ويا مُحيي العظام وهي رميمٌ بعدَ الموتِ، صلِّ علىٰ محمّد وآل محمّد، وأغِثْني وفرِّجْ عنّي ما أنا فيه، بلا إله إلّا أنتَ، عليكَ توكّلتُ وأنتَ أرحمُ الرّاحمين.

قال: فاستيقظتُ ودعوتُ بها؛ فلمْ ألبث أن فُتحَت الأبوابُ، وجاءني رسولُ الرّشيد، فمضى بي إليه، ودخلتُ عليه وهو في فراشه، بين يديهِ شمعةٌ صُبحِيَّةٌ.

فقالَ لي: ويحَك، ما لي ولك؟
النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم منذُ اللّيلة يأمرُني بتخليتك، امضِ لسبيلك.

فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين إنَّ لي في الحبس ثياباً أفأرجعُ وآخذُها؟

قال: نعم.

قال: فسرتُ إلى الحبس، وعلَّمْتُ السّتّةَ الرّجال الّذين كانوا معي الدّعاءَ وخرجتُ.

فلا والله ما صلَّيْتُ الجُمُعة إلّا وهم معي في المسجد الجامع.
«فثِقْ بربِّك واصبِرْ للأُمور، فقد
تجري الرّياحُ علىٰ ما تشتهي السُّفُنُ»
نقول في العامّيّة: (على قد لحيفك مدّ اجريك)

التّرجمة: على قدر طول لحافك مدّ رجليك،

وتقال للإنسان عندما يتطلّب أشياء كثيرة، وهو مقلّ، وفيها مدعاة للقناعة وللصّبر على الفقر وضيق اليد، وألّا ينظر الإنسان إلى مَن يملك أكثر منه فيقلّده متناسياً ما عنده هو وما عند غيره...

ومنذ قليل وجدت لهذا المثل شبيهاً في الشّعر الفصيح، وهو قول منصور الفقيه:

إذا ما كُنتَ مُلْتَحِفاً كِساءً
ولم يكُنِ الكساءُ يعُمُّ كُلَّكْ

فلا تتجمَّدَنْ فيه ولكنْ
على قَدرِ الكساءِ فمُدَّ رِجلَكْ

#الفصيح_والعاميّ
«فهذي سيوفٌ يا عديّ بنَ مالكِ
حدادٌ، ولكن أين بالسّيفِ ضارب؟»
Telegram Center
Telegram Center
Channel