سبحان من آتى بعضَ النّاس حكمةً وقرنها لهم بالبيان، فترى جوهر الحكمة مكسوّاً بكساء البيان الفاخر الّذي يزيدها حُسناً في العين، وقبولاً في النّفس، تشعر أنّ أصحاب هذا الرّزق من أهل النّفوس الزّكيّة الطّيّبة إذ آتاهم الله الحكمة {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، وزيّنهم بالبيان العظيم، تقرأ لهم النّصّ على طوله فلا تسأم ولا تملّ، ثمّ تكرّره ثانية وثالثة، مرّة لتأخذ من حكمته، وتارة لتتعجّب من بيانه، والأخرى لتتأمّله بكليّته فتحفظ بعض ما فيه، وترى نفسك في كلّ مرّة مندهشاً ببديع حرفهم وكأنّك تقول:
يزيدك (حرفهم) حسناً إذا ما زدته نظرا
تراهم يتكلّمون بالحكمة والحقّ والنّصح فتأخذ عنهم بلا تردّد وتعجب بقولهم مرّة لأنّه حقّ وأخرى لأنّه صدق وثالثة لأنّه حكيم بيّن، يُجلّون في حرفهم عن طيب أنفسهم، وحسن خلقهم، فكأنّ حروفهم انعكاس لأرواحهم.
تراهم وتقارن بينهم وبين من يستكره نفسه على الألفاظ والتّشبيهات، فيكتب بعض الأسطر الّتي لا تستسيغها أبداً ولا تصبر على إتمام بعضها، فتعجب من رزق الله!