🎧 كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية 26 جمادى الأولى 1446هـ 28 نوفمبر 2024م
🎥 كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية 26 جمادى الأولى 1446هـ 28 نوفمبر 2024م
أنظر إلى القرآن الكريم أنه من الله، وتعرف على الله سترى كلمات هذا القرآن مهمة وتراها كاملة، وترى فيها البيان، وترى فيها التوضيح الذي يوصل إلى درجـة اليقيـن فـي كل شيء، ولكن لا أتعامل معه على أنه خطاب من الله هذا ما يحصل لدى الكثير منا. تأتي ورقة خطاب من الرئيس أمراً إلى أهل منطقة فيتعاملون مع تلك الورقة بكل جد واهتمام ويجتمعون ويتشاورون كيف يعملون من أجل تنفيذها، أو من أجـل درء الخطـر والتهديـد الذي فيها عن أنفسهم، أليس هذا هو ما يحصل؟ لكنا هنا بالنسبة للقرآن الكريم لا يحرك فينا شعرة ولا نتجمع لنعرف كيف ننفذ ما فيه حتى ندرأ عن أنفسنا الخطورة التي تحدث عنها وهو يختلف عن أوامر الآخرين. قد يأتيك أمر من الرئيس فيه تهديد مبهم وأنت الذي ستفكر وتبحث عن كيف تدفع عن نفسك ذلك الخطر، أما القرآن فقد تولى هو لأنه من الله الرحمن الرحيم، الحديث عن الخطر ثم إرشادك إلى كيف تقي نفسـك منه، ثم يعطيـك جائـزة عظيمـة وأنت تتحرك في درء ذلك الخطر عن نفسك في الدنيا هنا وفي الآخرة. أليس هذا هو أكمل من أي بيانات أخرى أو من أي أوامر أخرى تأتينا من عند الآخرين؟ تلك البيانات وتلك الأوامر التي تهز مشاعرنا وتجعلنا نجتمع ونتشاور كيف نصنع وكيف نعمل في تنفيذها، أو في درء خطورتها والتهديد الذي فيها عن أنفسنا، لو يقول لك شخص: [اترك هذه الورقة. ستقول هذا أمر من الرئيس وليس كلاماً فاضياً]. أليس أي شخص سيقول هكذا؟ هل نحن نقول هذه العبـارة مـع القـرآن الكريـم هـذا {تَنْزِيـلٌ مِـنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الواقعة:80) هل نحن نقول هذه؟ بل ندرسه دَرْوَسَه، لا نستشعر من أين نزل ولا ماذا يريد. تلاوة لا تقدم ولا تؤخر.
أو لـم يكـن المجرمـون هـم ممن ينفقون كثيراً؟ كانوا ينفقـون كثيراً، رأوا أن إنفاقهم ذلـك كلـه لـم يكـن عملاً صالحاً أبداً، هم من كانوا يتعبون كثيراً من أجل الوصول إلى أهـداف معينـة، من أجـل تحقيـق أشيـاء معينة لديهم اكتشفوها أنها لم تكن أعمالاً صالحة. أليـس هـذا هـو مـا سيحصـل؟ أي أنهم لم يكونوا في الدنيا ليس لديهم أي عمل، كان هناك أعمال. أوليست الدنيـا كلهـا مليئـة بالبشـر العامليـن؟ كلهم عاملون كلهم يتحركون. أليس كذلك؟ الناس كلهم يتحركون وكلهم يعملون. من هو الذي هو راقد في هذه الدنيا؟ كل الناس شغالون فيها. لكن هناك أعمال صالحة هي ضائعة، هي. هي التي سنكتشف أنها كانت هي المهمة في الدنيا، وأنها هي التي كانت نجاتنا متوقفة عليها، هذا ما سيكتشفه الناس. فلماذا لا نعمل على اكتشاف الأعمال الصالحة الآن في الدنيا، كل خطاب القرآن هو ليوحي لنا إذاً هنا في الدنيا فاعملوا كذا، إذاً هنا في الدنيا أبصروا واسمعوا، إذاً هنا في الدنيا اكتشفوا الأعمال الصالحة لتنطلقوا في أدائها، ليس مجرد إخبار عما سيحصل من أولئك لمجرد قصة، إنه يقول لنا: أبصروا واسمعوا وابحثوا عن الأعمال الصالحة وأنتم هنـا فـي الدنيـا حتى لا تكونوا ممن يقول هذا القول في اليوم الآخر {إِنَّا مُوقِنُونَ} يقين مثل الشمس. القرآن يصنع اليقين، أحـداث الحيـاة والنظرة إليها من خلال القرآن تصنع اليقين. اليقين. الإمـام علـي (عليه السلام) الذي حصل على اليقين من خلال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن خلال القـرآن الكريم، كـان يقـول: ((والله لـو كشـف لـي الغطاء ما ازددت يقينا)). وعندمـا يقـول أعمـالاً صالحة وعندما يقولون: {إِنَّا مُوقِنُونَ} هـل يعنـي ذلك أن الله قصر هنا في الدنيا فلم يبين الأعمال الصالحة ما هي؟ أو قصر في هدايته للناس هنا في الدنيا فلم يكن بين أيديهم ما يوصلهم إلى درجة اليقين؟ وإنما في القيامة هناك أبان لهم الأعمال الصالحة، وهناك أوصلهم إلى درجة اليقين. لا. لو كان الأمر هكذا لما جاز على الله سبحانه وتعالى أن يقصر هنا في الدنيا في هديه للناس، وفي تبيين طرق الأعمال الصالحة تقصيراً لا يمكن أن يفهموه، ثم يأتي يوم القيامـة فيقـولون: (كان باقي وباقي، ونحن لم نعلم بها، ولم يكـن فـي هديـك مـا يرشدنا إليها). أليست هذه حجة للناس على الله؟ سنقول بالتأكيد لكن نحن لم نرشد إليها، ونحن لم نعلمها في الدنيا إطلاقاً. لماذا تأتي هنـا فـي يـوم القيامـة وتوضح لنا الأشياء بشكل واضح وجلي جداً؟ وفي الدنيا كان هناك تقصير مـن جانبـك في كتبك ومن جانب رسلك. لا يجوز على الله سبحانه وتعالى. الله هنـا فـي الدنيـا بين، وكلمنا في القرآن الكريم عدة مرات أنه بيان. كتاب مبين. مبين. ألسنا نسمع هذه الفقرة تتكرر كثيراً في القرآن الكريم؟ ومن أين تحصل على درجة اليقين في الأشياء؟ أليس من التبيين، لكن أنت الذي علمت نفسك ألا توقن إلا عندما تضرب في رأسك عندما تحس بالضربة توقن. وهكذا نحن في الدنيا وهؤلاء أسلافنا كعرب الذين حكى الله عنهم أنهم قد يقولون هكذا. هم من لم يوقنوا ولم يسمحوا لأنفسهم أن يتغلغل إلى أعماقها اليقين من خلال التبيين الواضح، لم يوقنوا إلا عندما ضربوا في رؤوسهم، فأصبحت رؤوسهم منكسة {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا}. اليقين هنا متوفر في الدنيا في أعلى درجاته. والإمـام علـي هـو الشاهـد فـي كـل شيء لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وللقرآن ((والله لو كشف لي الغطاء - أي القيامة ورأيت جنة ونار ورأيت كـل شيء - ما ازددت يقينـاً)). اليقيـن توفر لدي من خلال القرآن الكريم والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله). هو الشاهد لرسول الله {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (هود: 17) الرسول هو كان علـى بينـة من ربـه وهـو يتحـرك، ويبلّـغ، ويربـي ويعلم، ويتلوه ويتبعه شاهد منه. الإمام علي هو كان الشاهد الوحيد، الشاهد الكامل في كل مناحي التبليغ للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه لم يحصل من جانبه تقصير، والرسول كان يتحرك بحركة القرآن. والقرآن متوفر بين أيدينا. لكنا نحن من لا نسمح لأنفسنا أن توقن، وهكذا نحن في الدنيا، وسيكون من هذه نفسيته في الدنيا سيكون هكذا في الآخرة. {إِنَّا مُوقِنُونَ} في الآخرة تجلى كل شيء. لكنه هنا في الدنيا تجلى كل شيء: الحديث عن الجنة والنار بالشكل التفصيلي، الحديث عن النار، عن عذابها وشدته، عن طعامها، عن شرابها، عن لباس أهلها، عن صراخهم فيها، ألم يتحدث عنه القرآن في أجلى صوره؟ وبطريقة فنية عجيبة تكاد أن ترى ذلـك المشهـد مـن خـلال حديثه عنه، فتوقن، الجنة كذلك، أهوال القيامة، أهوال ذلك اليوم كذلك جاءت بالتفصيل داخل هذا القرآن. لكن أنت من لا تصغي لهذا القرآن ابتداءً من أن تفهم أنه من عند الله، ولهذا تكرر كثيراً في القرآن {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة: 2)، من الله، ألم يتكرر هكذا في أكثر السور؟
دروس من هدي القرآن الكريم 🔹معرفة الله - وعده ووعيده - الدرس الثاني عشر🔹 ملزمة الأسبوع | اليوم الخامس ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي بتاريخ 4/2/2002م | اليمن - صعدة 〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️ يجب أن نبصر ونسمع في الدنيا أمام الأخطار المحدقة بنا وبديننا في الدنيا. إذا ربينا أنفسنا على هذا الشعور المهم والجيد والبناء فسنقدم على الله ونحن مبصرون، سامعون في الدنيا، وسنبصر ونسمع هنا في الدنيا، ما هو نعيم، ما هو أمن، ما هو شرف لنا، ما هو نعيم دائم في الآخرة الجنة ورضوان الله سبحانه وتعالى. أما الذي لا يبصر ولا يسمع في الدنيا فهو كما قال الله عنه: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} كنت بصير بشؤوني الخاصة. {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} كنت تتعامى عنها لا تبصر ولا تسمع. أليس كذلك؟ {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طـه:125-126) وكذلك يقول في آية أخرى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (الإسراء:72) لاحظوا كيف يأتي القرآن الكريم يربط بين الشقاء في الدنيا والشقاء في الآخرة، بين العمى في الدنيا والعمى في الآخرة. لنفهم أنه إذا لم نبصر ونحن في الدنيا لن نبصر في الآخرة، إلا وجهنم أمام أعيننا ونقول هذا القول ونعوذ بالله من أن نكون ممن يقول هذا القول: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}. أليست هذه العبارة خطيرة جداً؟ كل واحد منا يتمنى ألا يقولها، ويطلب من الله ألا يكون ممن يقولها؟ شيء خطير جداً. يربط بين العمى في الدنيا وبين العمى في الآخرة بين الشقاء في الدنيا وبين الشقاء في الآخرة. الشيء الـذي يغيـب عـن أذهاننـا كثيراً ونحن نرشد الناس، ونحن نعلم الناس ونحن نحمل اسم عالم، أو نحمل اسم عابد أو نحن نقرأ القرآن على الآخرين، أو نعلم القرآن للآخرين، لا نفهم هذا الربط المهم، الآن نحن نحاول كمسلمين أن نبصر ونسمع. أليس كذلك؟ لنرى واقعنا نرى مـا نحن عليه، نرى ما يجب أن نعمله، نرى ما ينبغي أن ننطلق فيه. هكذا نشعر بالندم هنا في الدنيا. أليس هؤلاء ندموا عندما قالوا: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحا} على ماذا ندموا؟ عرفوا أن الأعمال الصالحة هي التي ضاعت فضيعوا أنفسهم بضياعها، عرفوا أن تلك الأعمال الكثيرة التي كانوا يجهدون أنفسهم فيها وهي أعمال باطلة لم يعد لها قيمة. هي سبب الندامة. أليسوا هنا تمنوا أعمالا صالحة؟ الأعمال الصالحة هي نجاتك في الدنيا، هي نجاتك في الآخرة، عملت صالحاً لأنه يصلح حياتي ويصلح آخرتي. وسميت أعمـالاً صالحة، صالحة في مـاذا؟ صالحة في الحيـاة: مصلحة في الحيـاة الدنيا لنا، ومصلحـة في الآخرة لنا {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (الشعراء: 227) وما أكثر كلمة: صالحات صالحات. قد يكون إنفاقك مائة ريال يسمى عمل صالح. أليس كذلك؟ وإنفاق خمسة آلاف في مجال آخر يسمى عمل باطل. مـا الفـارق؟ هل مجرد العطاء هو الذي يسمى: صالحاً؟ إذاً فلتكن الخمسة الآلاف هي الصالحة والمائة الريال هي العمل الباطل. المجالات التي تتجه في أعمالك نحوها، مجالات أعمالك وإلا فكل الناس يعملون. أليس أهل الباطل يتحركون ويسهرون ويتعبون؟ أليس أهل الباطل ينفقون الأموال الكثيرة أكثر مما ينفق أهل الحق؟ هناك إنفاق هناك ألم {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} (النساء: 104) إن تكونوا تنفقون فهم ينفقون كما تنفقون، إن تكونوا تتعبون فهم يتعبون كما تتعبون. وهكذا. الأعمال شكليتها واحـدة لكـن هنـاك أعمـال صالحـة غاياتها، منطلقاتها هي التي تجعلها صالحـة فيمـا إذا كانت تسير على هدي الله. {لَـنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (الحج: 37) أليس يتحدث عن الهدي في الحج، عمل صالح، لأنـه فـي مصلحتـك أنـت، وكل ما تبذله من أجل نصر دينك والدفاع عن دينك إنه في مصلحتك أنت في مصلحة البشرية كلها، لأن صلاح البشرية صلاح الأمة كله مرتبط بالدين واستقامته، وأن تطبق أحكامه، وأن يسود هديه في هذه الدنيا. هذه هي الأعمال الصالحة، وهي ما يكتشفها المجرمون فيما بعد، وهي ما سيكتشفها كل من أضاعها في هذه الدنيا، سيرى أن تلك الأعمال الصالحة هي نوعية معينة من الأعمال.
{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً} الدنيا أصبحت مطلوبة للعمل الصالح، ألم تكرر مثل هذه في القرآن أكثر من مرة أنهم يطالبون الله ويتمنون أن يرجعوا إلى الدنيا هذه الدنيا التي عاشوا فيها سنيناً طويلة. كما قال لهم في آية أخرى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (فاطر: 37) أنت الآن في الدنيا أنتم الآن جميعاً في الدنيا يا بني آدم فأبصروا واسمعوا واعملوا صالحاً هنا، تطالب أن ترجع إلى الدنيا لتعمل صالحاً كما تقول. ها أنت الآن في الدنيا فاعمل صالحاً ومـاذا يمكـن أن يقـدم لـك فيمـا لو عدت إلى الدنيا. هل هناك مـا يمكـن أن يقـدم لـك غير هذا. غير ما قدمه لك الآن من الهداية؟ هل سيقدم للإنسان شيء آخر فيما لو عاد إلى الدنيا؟ لا. أم أنه اكتشف في الآخرة شيئـاً آخـر مـن وسائـل الهدايـة بواسطتها أيقن وأبصر وسمع؟ لا. إنما عندما رأى، رأى العذاب، رأى [الصميل] وهكذا نحن العرب. وهذا خطاب للعرب هذا خطاب لنا نحن العرب. لا نبصر ولا نسمع إلا عندما نكون في مواجهة الخطر، وقد أحدق بنا الخطر. حينما يكون إبصارنا وسمعنا لا قيمة له ولا أثر له. هؤلاء هم كفار عرب ونحن لا نـزال عربـاً أيضاً، هي النفسية القائمة لدينا الآن في الدنيا أمام الأخطار الشديدة علينا كأمة، والخطورة العظيمة على ديننا كديـن نؤمـن بـه ونعتـز بـه. أليـس هنـاك خطـورة محدقة؟ أليس هناك تهديدات صريحة؟ لكن هؤلاء كانوا أسلافنا على هذا النحو لا يبصرون ولا يسمعون إلا يوم القيامة، نحن هكـذا. وإذا كنا هكذا في الدنيا فسنكون هكذا في الآخرة. فيجـب أن نفهـم إذا كنـا في الدنيا هي طبيعة تترسخ لدينا إنها النفسية التي تقدم بها على الله، النفسية التي روضتها هنا في الدنيا ألا تؤمن بخطورة شيء إلا إذا أحست بالضربة القاضية حينئذٍ سيصرخ، إنها النفسية التي تقدم بها على الله، إنها النسيان ستأتي الآية: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} (السجدة: 14) ناسين، لا نلتفت، لا نبصر ولا نسمع، نحـن نعاني من هذه الحـالة في الدنيا هنا. لاحظـوا كيف أنها حالة خطيرة. ألا يبصر الإنسان ولا يسمع إلا متى ما أحدق به الخطر. هذه حالة خطيرة. أوليست هي النفسية، وهي الحالة السائدة في أوساط هذه الأمة، وعلى العرب بالذات؟ على العرب بالذات. يتهددنا اليهود ويتهددنا النصارى ونرى ضرباتهم، ونرى عجزنا أمام ضرباتهم ونرى واقعنا أمام واقعهم، ثم أيضاً على الرغم من هذا كله لا نبصر، ولا نسمع، ماذا سنقول بعد؟ نرجع إلى أين؟ {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} سيكون رجوعنا عندمـا نضـرب كمـا يرجـع عرفـات كمـا يرجـع الفلسطينيون. أليسوا يرجعون إلى أمريكا، يريدون السلام منها ويستجدون السلام منها، بل كل زعماء العرب هكذا. يرجعون إلى أمريكا، ويسمونها راعية السلام، وهي الشيطان الأكبر، وهي المثيرة للحروب في العالم. يجب أن نبصر ونسمع في الدنيا أمام الأخطار المحدقة بنا وبديننا في الدنيا. إذا ربينا أنفسنا على هذا الشعور المهم والجيد والبناء فسنقدم على الله ونحن مبصرون، سامعون في الدنيا، وسنبصر ونسمع هنا في الدنيا، ما هو نعيم، ما هو أمن، ما هو شرف لنا، ما هو نعيم دائم في الآخرة الجنة ورضوان الله سبحانه وتعالى. أما الذي لا يبصر ولا يسمع في الدنيا فهو كما قال الله عنه: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} (طـه:125) كنت بصير بشؤوني الخاصة. {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} كنت تتعامى عنها لا تبصر ولا تسمع. أليس كذلك؟ {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طـه:125-126) وكذلك يقول في آية أخرى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (الإسراء:72) لاحظوا كيف يأتي القرآن الكريم يربط بين الشقاء في الدنيا والشقاء في الآخرة، بين العمى في الدنيا والعمى في الآخرة. لنفهم أنه إذا لم نبصر ونحن في الدنيا لن نبصر في الآخرة، إلا وجهنم أمام أعيننا ونقول هذا القول ونعوذ بالله من أن نكون ممن يقول هذا القول: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}. أليست هذه العبارة خطيرة جداً؟ كل واحد منا يتمنى ألا يقولها، ويطلب من الله ألا يكون ممن يقولها؟ شيء خطير جداً. يربط بين العمى في الدنيا وبين العمى في الآخرة بين الشقاء في الدنيا وبين الشقاء في الآخرة.
إنما يجب أن نخافه هو هذا {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}(السجدة: 11) {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (السجدة: 12) {وَلَوْ تَرَى} ذلك الهول الشديد {إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} خاشعون، أذلاء، يقولون لله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} الآن اتضح لدينا كل شيء وأصبحنا موقنين {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} (السجدة: 12) أولئـك المجرمـون الذين كانوا يستبعدون البعث، أولئك النـاس الذيـن كانـوا يرفضون أن يتولى الله هو هداية عباده، وأن يكون التقدير له في شأن عباده فيرفضون دينه، ويقولون لا علاقة له بالحياة. هم مجرمون سينكسون رؤوسهم بين يدي الله سبحانه وتعالى يـوم القيامـة فيقولـون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} ماذا يعني أبصرنا وسمعنا؟ ألم يبصروا في الدنيا ويسمعوا؟ بلى. أليسوا هم من كانوا في الدنيا يرون أنفسهم أكثر إبصاراً من الدين نفسه؟ فيتجهون لصياغة القوانين والدساتير لأنفسهم. لأننا نحن أعرف. أليسوا يقولون هكذا؟ نحن أعرف بمتطلبات العصر وبشؤون الحياة، ونحن نريد أن نلحق بركاب الآخرين. الديـن لا يعرف هذا. ألم يدّعوا لأنفسهم بأنهم أكثر بصراً وبصيرةً من الدين؟ لكنهم سيرون أنهم كانوا عمياً في هذه الدنيا، وسيحشرون عمياً بين يدي الله فيقولون: ربنا أما الآن أبصرنا فعلاً. عرفنا بأن هناك يوم آخر. عرفنا أن هناك قيامة. عرفنا أن هناك جزاء علـى الأعمـال. أيقنا بهذه. وكيف لا يوقنون وهم يعايشونها، وها هم ناكسوا رؤوسهم، منكسون لرؤوسهم أمام الله بخشوع وتذلل وتلطف وترحم {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً} عندمـا يرجـع هـؤلاء ليعملـوا صالحاً - كما يقولون - ألم يدعـوا بأنهـم فـي الدنيا قد عملوا صالحاً بل أن الصلاح هو ما عملوه، ألم يكونوا يدعون في الدنيا؟ {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (الكهف: 103-104) ألم يكونوا يدعون هكذا؟ {أُولَئِـكَ الَّذِيـنَ كَفَـرُوا بِآيـاتِ رَبِّهِـمْ} (الكهـف: 105). والآخرون (وهم: المقننون، الحكومـات، المجالس التشريعية، مجالس النواب) ألم يدعوا لأنفسهم بأنهم هم الذين يحسنون الأعمال وأنهم أحسن عملاً وهم يشرعون وهم يضعون الدساتير ويصيغون القوانين. ما هو هذا العمل الذي قلتم بأنكم إذا رجعتم إلى الدنيا ستعملونه؟ {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً} قد عملتم في الدنيا دساتير وقوانين، وكنتم تقولون: بأنها هي العمل الصالح، وتلزمون الآخرين بها، ولا تتحدثون عن شرع الله ولا دينه ولا كتابه. ألم تدعوا لأنفسكم بأنكم كنتـم وحدكـم الذين تعملون أصلـح الأعمـال، سيتجلـى هنـاك يـوم القيامة، كما تجلى في الدنيا أيضاً أن العمل الصالح هو السير على هدي الله، في كل مناحي الحياة، في كل شؤون الحياة، في جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفي كل المجالات التي أصبحت الآن عبارات معروفة تردد، ألم نسمع عبارة [في كل المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؟] أليست هذه العبارة تتكرر، يقولون: شؤون الحياة كلها وشؤون الإنسان كله، قد وضعنا التشريعات التي تكفل له إذا ما سار عليها أن تكون كل هذه المجالات صحيحة ومستقيمة. اكتشفوا أنفسهم بأن كل ما كانوا يعملونه في الدنيا خطأً، وكان ضلالاً. أليست هذه هي الخسارة؟ هي الخسارة العظيمة. في الدنيا قدم هدي الله لعباده بالشكل الكافي وزيادة على الكفاية. ليس فقط بالشكل الكافي بل زيادة على الكفاية مرات، ومرات، ومرات. ألسنا كلنا نسمع الآن بأن لدى الدولة الفلانية ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية عدة مرات، فإن دين الله قدم للناس وهدي الله قدم للناس بما فيه كفاية وزيادة على الكفاية عدة مرات لسكان هذا العالم كله. {ربنا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} (السجدة: 12) أليست هذه العبارة عبارة الخاضع؟ عبارة الخاشع؟ عبارة المتأدب؟ عبارة من عرف أن الله ربه؟ هو الذي قال لـه هنا: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة:2) أنت لا تريد أن تعترف به أنه رب العالمين إلا عندمـا تقـف بين يديه ذلك الموقف الذي لا ينفعك إطلاقاً {ربنـا}. عندمـا يقولـون: {ربنـا} هـي تخـرج مـن أعماق أعماق أنفسهم. قل هنا في الدنيا. آمن هنا في الدنيا برب العالمين على هذا النحو، وأبصر واسمع فقد نزل في كتابه، وقد هداك بما يمكن أن تبصر وتسمع على أفضل شيء في كل مجالات الحياة.
دروس من هدي القرآن الكريم 🔹معرفة الله - وعده ووعيده - الدرس الثاني عشر🔹 ملزمة الأسبوع | اليوم الرابع ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي بتاريخ 4/2/2002م | اليمن - صعدة 〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️ ارجع إلى القرآن الكريم، أنت تبحث عن الخشية من الله؟ ها هي في القرآن الكريم على أعلى درجاتها {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (الحشر: 21) أنت تريد الخوف من الله؟ وتريد تخاف من أعمالك، تخاف من عقوبة أعمالك ارجع إلى القرآن الكريم سترى عقوبات الأعمـال ماثلـة أمامـك في الدنيا وفي الآخرة فتخاف. أما أن تخوف نفسك لتبتعد عن معاصي معينة سترى نفسك بعيداً عن أن تقوم بأعمال مهمة تركها هي المعصية الكبيرة، تركها هو الذي يجعل تلك الطاعات لا قيمة لها. أليس هذا هو من الخطأ في التربية، ومن الخطأ في المنهجية مع أنفسنا أو مع الآخرين {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْت الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} وبسرعة ينتقل إلى اليوم الآخر {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} ويتحدث عن تفاصيل اليوم الآخر، وعما سيلاقي أولئك الناس المستبعدون، وعما يلاقي المجرمون، الذين كانوا ناسين لهذا اليوم، عما يلاقونه في ذلك اليوم، هل تحدث عن الموت بكلمة أخرى [ثـم علـى النعـش تحملـون. ثـم منكـر ونكير بمطارقهم تضربون. ثم في اللحود تلزون. ثم. ثم. هل هناك شيء؟) هل هناك كلمة واحدة في القرآن؟ لا. لأنه ليس طبيعياً أن يريد منك أن تضحي بنفسك وهو يخوفك من الموت. أليس هناك أحاديث بل قبل الأحاديث أليس هناك آيات الشهادة هي بالشكل الذي يجعلك تستهين بالموت؟ {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} ألغى قائمة المـوت تمامـاً لا تسموهـم أمواتاً ليس هناك موت. ألم يكن إلغاء الموت بالنسبة لهم من أجل مـاذا؟ مـن أجل أن يندفعوا إلى الشهادة، أن يستبسلوا في سبيل الله. {بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} (البقرة: 154) كذلـك: {وَلا تَحْسَبَـنَّ الَّذِيـنَ قُتِلُـوا فِـي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: 169). لماذا حياة؟ لماذا يقول لا تسموه ميتاً؟ لماذا يقول لا تظن أنه حتى ميت؟ ألغي الموت بكله من قائمة المجاهدين. بكله لماذا؟ لأنه حتى أن يبقى شبح الموت أو اسم الموت ماثلاً أمامهم قد يكون أسلوباً غير منطقي بل سيلغى الموت بكله أمام المجاهدين، فلا هو من يموت، ولا هـو مـن يصـح أن يقـول لـه الآخـرون ميت. أليس كذلك؟ لا تحسبهم أمواتاً ولا تسميهم أمواتاً. هم أحياء وقولوا أحياء. هذا هو الأسلوب الصحيح. هل يمكن أن يأتي من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كلام آخر يخوف الناس بالموت الذي ألغي داخل قائمة المجاهدين؟ المجاهد لن يموت كما يموت الآخرون، بل تنتقل روحه من بدلة لتعود إلى جسم آخر، فيكون جسمك هذا إنما هو شبيه بالبدلة التي أنت تحملها، (الكوت والجنبية والثوب) ألست تخلعها أحيانـاً وتعلقهـا وأنت تراها هناك ترى نفسك قبل ساعة، (ثوبك وكوتك والجنبية والعصبة) تطرحها وتلبس ثوباً آخر أشبه بهذه. فالإنسان لا يموت كما يموت الآخرون هذا إذا قتل في سبيل الله، وكان شهيداً في سبيل الله لماذا؟ لأن هذا هو الذي سيدفع بالإنسان إلى التضحية، أما أن أخوفه من الموت وأنا أريد أن يكون مجاهداً أن يخوف هذه الأمة العربية من الموت وهم من كانوا يستبسلون في ميادين القتال مع بعضهم بعض، فجاء الإسلام فحولهم جبناء! أليسوا الآن جبناء؟ من أين جبنوا؟ من أين جبنوا وقد كانوا - سابقاً - تحركهم قصيدة من الشعر، كان بيت من أبيات شاعرهم يحركهم للاستبسال فيقاتلون على عقال بعير، أو على فرس، أو على ناقة؟ هل الإسلام هو الذي جبنهم؟ أم الواعظون والمرشدون؟ أم المحرفون للدين؟ أم المقدمون للدين بصورة مغلوطة؟ ألسنا الآن كعرب أجبن من أولئك البدو قبل الإسلام! هل أن الإسلام هو الذي جنى علينا فأصبحنا جبناء أذلاء أم من قدموا الإسلام بشكل آخر لنا؟ إنه فعلاً عندما جئنا نتلقى الإسلام من آخرين قدموه بشكل مغلوط هو الذي ترك فينا هذا الأثر السيئ في كل المجالات. لو أخذنا الدين من القرآن الكريم ومن أهل بيت رسول الله لما عشنا أذلاء أبداً، ولا شعباً واحداً. ولو لم يكن العرب بكلهم إلا كشعب واحد من الشعوب الموجودة لكانوا هم من يقهرون العالم، ولكانوا هم من يوصلون هذا الدين إلى الأمة كلها، ومن كانوا يؤمنون بهذه الفكرة. الإمام الهادي نفسه كان يقول: ((لو أن معي خمسمائة شخص مخلصين لدوخت بهم الأرض)). خمسمائة شخص كان يقول. يفهمون الإسلام بشكل جيد يقدم لهم الإسلام بشكله الصحيح، يفهمون القرآن ومناهجه التربوية وخطابه للنفـس، خطابـه للوجدان، خطابه للمشاعر، يثقون بالله الذي نزل القرآن لكانوا نوعية أخرى تدوخ العالم بكله ولكانوا كتلاً من الحديد، كتلاً من الصلب.
أنت قد تقول لأولادك إذا ما كنت في خصومة مع آخريـن تنطلـق لتشجعهـم علـى التضحيـة. أليـس كذلك؟ هل ستنطلق وأنت تتحدث عن خصومة حادة مع طرف آخر قد تصل إلى درجـة المواجهـة ثم تجمع أولادك في غرفة في بيتك وتحدثهم عن القبر وعن منكر ونكير، وعن النعش وعن كذا؟ هل يمكن هذا؟ لا يمكن. [أنتم رجال وليست إلا موتة]. أليس يقولون هكذا ؟ يشجعهم على الاستبسال وعلى التضحية. من هو ذلـك الأحمق الذي يمكن أن يعمل هذا مرة في حياته فيجمع أولاده ومعه خصم آخر ثم يحدثهم عن منكر ونكير، والقبر وضغطاته وأشياء كثيرة طويلة عريضة. هل سيواجهون؟ أم سيأتي الصباح وكل واحد يبحث له عن مهرب ويقول: [يا أخـي الله غنـي، اتركوها، سيعوضنـا عـن هذه، لا داعي أن يضحي واحد بنفسه من أجل هذه، موت طويل عريض. ومقابر كذا ونعش كذا. وشدائد.. إلى آخره - لا أريدها فليأخذوها]. هل يمكن أن يحصل هكذا منا نحن الناس؟ فكيف يمكن أن يحصل ممن نزل القرآن الكريم؟ وهو الذي يعلم بخصائص النفس البشرية، وهو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، هل يمكن أن يصدر من رسول الله؟ الله اصطفاه، الله أكمله، هو نفسه يتبع ما يوحى إليه، وهو يعرف هذا القرآن بأبعاده، بعمقه، بغاياته البعيدة. فهو لا يمكن أن يصدر منه كلمة واحدة، أو موقف واحد، لأنه معلم للأمة ومرب الأمة. أليس كذلك؟ هو هادٍ للأمة لا يمكن أن يحصل مـن جانبـه شيء يتعارض مع منهجية القرآن ولو على بعد ألف كيلو، ولو على بعد هناك. نحن في هذا الزمن بالذات مرشدون، معلمون، متى ما أحب إنسان أن يقال: [خطبة جميلة، أما هذه الناس بكوا منها]. يبحث للأحاديـث مـن داخل كتب الترغيب والترهيب، فيقدم الحديث الطويل العريض عن الموت والقبر. القبر حفرة ترقد فيها، ويهال عليك التراب فيها. لا تشعر بشيء، لا تشعر بشيء. وبعض العلماء استنكر فعلاً واستعبد وأنكر قضية [منكر ونكير]، أنه حتى ليس في أسماء الملائكة هذه الأسماء المزعجة الغير طبيعية [منكر ونكير] من أسماء الملائكة؟ لا. اسم الـمَلك خازن جهنم. أليست جهنم أشد؟ اسمه مقبول [مالـك] أي واحـد منـا قـد يسمـي ابنـه بهذا الاسم الطبيعـي (مالـك) {وَنَـادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (الزخرف: 77) لمـاذا القبـر يضـع لـه ملكين واحد [منكر] وواحد [نكير] هذا مما استبعده علماء - وهو فعلاً مستبعد جداً - ومطرقة لا تستطيع أن تحملها [ربيعة ولا مضر]. وأشياء من هذه. فتش عن الميت بعد أيام ستراه لا يزال جسمه على ما هو عليه وإن كان كافراً، هم يموتون في المستشفيات ويتركون في الثلاجات فلا تسمع شيئاً. يقـال للكفـار. أليـس الكافـر هـو الجدير بأن يعذب في القبر؟ {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (المؤمنون: 112-113) والله مـا نـدري مـن يـوم ما قبض ملك الموت روحه إلى أن بعث بعد آلاف السنين، مرت كلا شيء {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} أليسوا يقولون هكذا يـوم القيامـة {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}؟ لـو كـان القبـر مزعجـاً لفرحـوا أن يبعثـوا. ليتخلصوا من الإزعاج داخله، سموه [مرقداً] وهم كافرون، {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} فيقال لهم: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} (يـس: 52) أخرجوا الآن هذا هو اليوم الشديد، هناك سيقول الكافرون: {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} (القمر: 8) ألم يقولوا للقبر مرقد، وقالوا ليوم القيامة: {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} يوم شديد يوم شديد الأهوال؟ ونحن بالعكس نتحدث عن القبر، وعن منكر ونكير، وعن الموت بتفاصيل كثيرة نجعله هو اليوم العسر، سيتشبث أحدنا بالحياة لا يريد أن يموت في سبيل الله، ولو كان في موته إعلاء كلمة الله في الدنيا كلها. يقال: بأنه كان هناك أحد العباد كان إذا ذكر الموت عنده تنجس لكثرة ما تكرر على مسامعه، وقد يغلط الإنسان نفسه مع نفسه. يريد أن يعظ نفسه، يبحث لتلك الكتب التي فيها الأخبار من هذا النوع.
التربية القرآنية هي التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: ((والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)) لكنـه كـان وهـو يتذكر اليوم الآخر، كان يتخشب جسمه خوفاً من الله، وخوفاً من اليوم الآخر، وهكذا حكى عنهم في قضية إنفاقهم وإطعامهم اليتيم والمسكين والأسير. {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (الإنسان: 10) ما قال موت ولا ما موت، الموت لا وجـود لـه في القرآن الكريم إلا كحديـث عـن قضية هي أول خطوة إلى العالم الآخر، والقبر إنما هو غرفة كأي غرفة في بيتك. يقال: جنة ونار وباب إلى الجنة ونافذة إلى النار. الجنة والنار لم تخلق بعد، الجنة والنار لم تخلق بعد كما قال الإمام الهادي نفسه (إن الجنة لم تخلق بعد)، منهجية مغلوطة تتحدث بها مع أمة وكمنهج. قد يكون هذا أسلوباً فيما إذا استحسنه شخص معين أمام شخص معين أو مجموعة معينة وبشكل استثنائي مؤقت لا يصلح أن يكون منهجاً، لا يصح أبداً أن يكون منهجاً، مع أن الكثير من التفاصيل التي يقولونها حول الموت، وحول النعش، وحول القبر. غير صحيحة. غير صحيحة من أساسها. عندما آتي أنا وكمرشد وبنظريتي القاصرة، ونظرتي القاصرة أريد أن أنتج أناساً أراهم يبكون وأراهم خائفين ويتجهون إلى الطاعات (نوع معين من الطاعات)، ويبتعدون عن المعاصي فأقول هؤلاء أولياء الله. تستطيع أن تنتج أناساً من هذه النوعية لكنك لو تدري كم جنيت عليهم، قد تراهم [أطياب] وتراهم فعلاً يبتعدون عن المعاصي وترى مظهرهم مظهر أولياء الله لكنهم من النوعية التي لا تقدم ولا تؤخر. ذلك الرجل الذي كان ينطلق في الميدان ميدان الجهاد بكل قوة وبكل هدوء. ولا خوف ولا ذرة من الخوف في نفسه، هو من كان يقول: ((والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ)) لا أبالي ((لأنا آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)). إذا كنت تريد أن تصنع خوفاً في نفوس الناس، وخشية من الله، خوفاً وخشية إيجابية لا سلبية معها إطلاقاً. فركز على ما ركز عليه القرآن الكريم على اليـوم الآخـر علـى الحديـث عـن اليـوم الآخـر عن تفاصيله، عن أهواله، عن شدائده، عن النار، عن الجنة. وهذا هو مـا ظهـر جلياً في القرآن الكريم أنه من أهم الوسائل لإيصال الخوف من الله والخشية من الله في قلوب الناس. حينها سترى أن تلك الأهوال الشديدة تلك النار الشديدة تهون عليك نفسك أن تبذلها ولو عدة مرات في الحياة وتسلم تلك الأهوال، تأمن أثناء تلك الأهوال، وتأمن من تلك النار الشديدة، وأن ذلك النعيم العظيم وذلك المقام الرفيع يجدر بك أن تستهين بنفسك فتبذلها عدة مرات في الحياة من أجل أن تصل إليه. أوليس الناس هنا في الدنيا يستهينون بأنفسهم على [مشرب] على قطعة أرض قطعة أرض مزروعة [بن أو قات] أو [عرصة] منزل. مستعد أن يقاتل فيقتل، ويتهدد (بأنك لا يمكن أن تدخل لها من طرف - كما يقول البعض -: [إلا على رقبتي هذه]) أليس هذا استبسالاً؟ استبسال لأنه يرى هذه القطعة جديرة بأن يبذل من أجلها نفسه. انظر إلى الجنة ستراها جديـرة بـأن تبـذل من أجلها نفسك عدة مرات فتحيا من جديد ثم تقتل من جديد ولو في كل معركة. هنا فـي الدنيا أليس الناس يخافون؟ وقد يكون بعض المواقف تخيف الإنسان فيواجهها ولو بأن يبذل نفسه من أجل أن يأمن ذلك الجانب. ستجد جهنم بالشكل الذي ترى أنه يجب عليك أن تبذل نفسك ولو عدة مرات من أجل أن تنجو من جهنم. هذا هو أسلوب القـرآن الحكيـم، لأنـه مـن الناحيـة التربويـة مـن الناحية المنهجية تربوياً غير صحيح أن يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة: 111) ثم ينطلق رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليخوف الناس من الموت وهو أعظم مجاهد، وأعظم محرض على الجهاد بأسلوبه القوي بعباراته الجزلة بمعانيه الصحيحة، بتربيته المستقيمة. الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان رجلاً قرآنياً يعرف منهجية القرآن لا يخالفه، لا يتعداه ولا خطوة واحدة، ثم يأتي ليخوف الناس من القبر ومن الموت ومن. ومن؟ حتى يجعلهم ينكمشون ويخافون، هل هذا منسجم مع التوجيهات للتضحية في القرآن؟ لا. إذا كنت تريد أن تعرف المسألة جلياً فانظر إلى القادة العسكريين وهم يعملون على رفع معنويات الجيش أثناء المواجهة. اسمع البيانات العسكرية لتعرف كيف أننا نحن ونحن بشر أن هذه قضية مسلمة لدينا.
لكن انظر مـاذا قالوا في مقابل تلك الأدلة الدامغة لما كان واقعهم أنهم كافرون من الأساس. أي رافضون لا يريدون أن يؤمنوا بها { أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هكذا يقول الإنسان الكافر في نفسه، الرافض في نفسه أمام أي قضية من القضايا مهما كانت جلية، مهمـا كانـت واضحة. هكذا يقول لكن هذا القول لا ينفعه، انظر مـاذا قال بعد؟ مما يؤكد لنا ما قلناه: إنهم عندما قالوا: {أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} إنهم يستبعدون ذلك لكن ليس استبعاد من لا يعرف الأدلة أو استبعاد قضية باعتبار أنه لا أدلة عليها، إنما استبعاد من هو جاحد ورافض في نفسه -{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ} قل لهؤلاء: هناك بعث لا بد منه، وبعـث هـذه تفاصيلـه أمامكـم وهـذه بدايته، أنتم حتى هذا الموت الذي ترونه يومياً لبعضكم بعض ليس شيئاً تلقائياً أو شأناً يأتي مصادفة من شؤون الحياة، إنه هو قضية موكلة إلى طرف آخر من عبادنا {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} (السجدة: 11) لتعرفوا أنكم ستبعثون رغماً عنكم، أن بداية الرجوع إلى الله ستكون من متى؟ من الموت، الموت هو بداية الرجوع إلى الله، فقل لهم: إنهم سيساقون إلى الله رغماً عنهم، وأنه من أول حادثـة ومـن أول خطوة يساقون بها إلى الله هي خطوة نحن نتبناها، ملك موكل من عندنا يتوفاكم، لتعرفوا بأن جحودكم هذا لا يمكن أن يغني عنكم شيئاً. وهكذا الحـق الذي تحاول أن تتهرب منه تهربك منه لا يعفيك عن المسؤولية أمامه، تهربك منه لا يعفيك عن آثاره، لا يعفيك عن آثار تهربك منه كعاصٍ ترتكب جريمة في تهربك منـه. عندمـا أرفـض هـل أرى نفسي بأنني أبعدت هذه القضية وكل آثارها عنّي؟ لا. إن البعث حق، ولا بد منه وإذا كنتم هكذا تقولون بسخرية واستبعاد، وإذا كنتم في الواقع إنما تنطلقون من واقع الكفر في أنفسكم فإنها قضية لا بد أن تقع، لا بد أن تحدث عليكم أنتم شخصياً، وهكذا هي مقدماتها من الموت {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَـوْتِ الَّـذِي وُكِّـلَ بِكُـمْ ثُـمَّ إِلَـى رَبِّكُـمْ تُرْجَعُـونَ} (السجدة: 11) الموت هو الخطوة الأولى في الرجوع إلى الله في العالم الآخر. والموت نحن نجده هنا في القرآن الكريم وبمناسبة ذكره هنا ليس من الوسائـل التـي يأتي التخويف بها للناس، ليس من وسائل التخويف إطلاقاً داخل القرآن الكريم، ولهذا لا تجد الحديث عن المـوت إلا خاطفـاً وبسرعة ينتقل إلى اليوم الآخر، لأنه اليوم الشديد الأهوال، هو مـا يجـب أن تخافه، هو ما يكون الحديث عنه هو الذي يصنع الخوف في النفوس، هو الذي يملأ القلوب خوفاً ورعباً، أما الموت نفسه إنما هو الخطوة الأولى، وهو قضية طبيعية، قضية طبيعية، هو بداية الرجوع إلى الله. ليس هو في حد ذاته ما يجب أن يخيف باعتباره حدثاً، ليكن خوفك هو من الرجوع إلى الله إلى اليوم الآخر، في اليوم الآخر يوم القيامة. ألم يأت الكلام عن اليوم الآخر في القرآن مكرراً جداً؟ بعض السور تكون من أولها إلى آخرها عن التخويف باليوم الآخر، هل ورد تخويف بالموت داخل آيات القرآن الكريم؟ لم يرد. ليعرف أولئك الذين يتحدثون مع الناس ويرشدون الناس أنهم كم يغلطون، كم يرتكبون من خطأ جسيم عندما يتحدثون مع الناس عن تخويفهم بالموت نفسه، ثم يذكرون لهم أهوال القبر وعذاب القبر وكلامـاً فـي النعـش وكلاماً طويلاً، طويلاً عريضاً كله يحول الموت إلى شبح مخيف. أن هذا أسلوب يترك أثراً سيئاً جداً جداً يتخالف مع منهجية القرآن، ويخالف ما يريد القرآن منا. إنه الذي يربي هذه الأمة تربية جهادية، الذي يربيك لتكون مجاهداً، هل ينطلق ليخوفك من الموت نفسه، وهو يريد منك أن تستبسل وأن تبذل نفسك في سبيل الله! لا يمكن هذا حتى ولا لقائد عسكري أن يعمله. القائد العسكري وهو يعمل على رفع معنويات الجنود في ميدان المواجهة هل يأتي ليتحدث معهم عن القبر والنعش والأهوال، وهذه الأشياء الكثيرة؟ أم أنه يحدثهـم حديثـاً يجعلهـم يستهينـون بقضية الموت، يجعلهـم يتقافـزون، وتستخـدم حتـى الحركـات، وتستخدم حتى نغمات موسيقية معينة، وتستخدم حتى صرخات معينة، وأناشيد لها ألفاظها المعينة كلها تدفع بالإنسان إلى الاستبسال. لكن تعال جمع كتيبة تريد أن يجاهدوا ثم اقرأ عليهم من كتاب [تصفية القلوب] أو من أي كتاب آخر مـن كتـب الترغيـب والترهيـب عـن النعـش والمـوت وسكرات الموت والقبر ثـم انظـر هـل سيتحـرك أحـد منهم؟ ستبرد أعصابهم ستجَمِّد نفوسهم. الإنسان إذا تربى على الخوف من الموت وقيل له: إن الموت كذا وكذا، وعلى النعش كذا وكذا، والقبر مليء كذا وكذا إلى آخره يخاف مهما كان متركعاً مهما كان متعبداً ينشد إلى الحياة ويخاف أن يواجه، أن يدخل في مواجهة لا يريد أن يموت، لأنه أصبـح خائفـاً مـن شبح الموت.
دروس من هدي القرآن الكريم 🔹معرفة الله - وعده ووعيده - الدرس الثاني عشر🔹 ملزمة الأسبوع | اليوم الثالث ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي بتاريخ 4/2/2002م | اليمن - صعدة 〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️ هكذا يتنكر الإنسان لله الذي أحسن كل شيء خلقه والذي بدأ خلق الإنسان من طين، والذي خلقه ونقله في أطوار خلقه من حالة إلى حالة، ثم يتنكر لله ويكفر بكل تشريعاته، ويبعد نفسه عن كل هدايته. والذي خلق الإنسان في هذه الدنيا، وخلق هذه الدنيا، وخلق هذا العالم بكلـه لـه غاية، وله نهاية، وللناس جميعاً يوم يرجعون فيه إلى الله. لكن هذا الإنسان الجاهل الذي لم يعلم هذا التدبير الواسع من قبل الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، وتدبير شؤونهما الواسعة التي تدل على قدرته العظيمة، حكمته العظيمة، علمه الواسع. الله الذي بدأ خلق الإنسان من طين يقول هو فيما بعـد: {أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} (السجدة: 10) إذا متنا وأصبحنا تراباً وضعنا في الأرض وتلاشينا {أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}؟ بعيد أن نبعث من جديد. كيف يمكن؟ ألـم يقـل لك: ألم تعلم أنت أن الله بـدأ خلقـك مـن طيـن وأنـه خلقـك وخلـق أولادك. أليس الإنسان يعلم أن أولاده مخلوقون من ماء مهين؟ هو يعلم. {وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَـلْ هُـمْ بِلِقَـاءِ رَبِّهِـمْ كَافِـرُونَ} (السجدة:10). المسألة ليست غامضة، أو أن الأدلة عليها ليست كافية، فيكون هذا التساؤل وجيهاً نوعاً ما، إنه جحود إنه كفر إنه كلام الذي لا يريد أن يصدق بالقضية، لا يريد أن يؤمن بها، هو رافض لها، لا يريد أن يقبل الإيمان بها، وإلا فهي واضحة جداً، أدلتها فوق الكفاية، أدلتهـا تدمـغ، تدمـغ كـل مـدارك الإنسـان ومشاعره ووجدانه. الذي {بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} ألا يستطيع أن يعيد خلقـه مـن جديـد؟ بلى. يستطيع أن يعيده من جديد. {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أليس قولهم: { أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أليـس كفراً؟ لأنه استبعاد هنا، ليس استفهاماً، ليس سؤالاً. هل نحن سنبعث من جديد؟ هذا سؤال يمكن أن يجيب عليه، يجيب عليه القرآن يجيب عليه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ممكن أن يجيب عليه، لكنهم تلفظوا به بشكل استغراب واستنكار واستبعاد. {أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }. بعيد لا يمكن. أي: أنهم لا يريدون أن يؤمنوا، لا أن القضية هذه لا براهين عليها كافية، لا أدلة عليها دامغـة، هـذه حالـة تحصل عند الناس في ذلك الزمان بما يتعلق بالبعث، وتحصل عند كثير منا نحن المسلمون في قضايا متعددة. مثلاً. [كيف يأمرنا الله باتباعهم وهم أناس مثلنـا، مـا هو الفرق بيننا وبينهم؟] أليس هكذا يقال؟ استفهام على هذا النحو؟ بل أنت في واقعك لا تريد أن تؤمن بالقضية لا أن الأدلة عليها ليست كافية. بل أنت لا تريد أن تؤمن بهذه القضية، أنت رافض لها {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أنت لا تريد أن تقبل بالإيمان بهذه القضية، لا تريد أن يتسرب إلى أعماق نفسك، وهذه هي من الحالات الخطيرة عند الإنسان، الحالات الخطيرة أن يحدد موقفاً مسبقاً لديه، يجعله معانداً متمرداً، يدفع كل شيء مهما كانت أدلته واضحة وقوية وجلية. هذه توجهنا نحن إلى أن يكون الإنسان في واقعه منفتحاً على هداية الله، ومسلماً نفسه لله أن يتقبل منه، وسترى كل شيء أمامك، سترى أدلته كافية وفوق الكافية، في كل شأن من شؤون الدين، في كل شأن من شؤون الدين. متى ما آمنت بهذه. لكن إذا اتخذت هذا الموقف المسبق كما اتخذه هؤلاء {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} فهم يصرحون برفضهم لكن بأسلوب آخر، بأسلوب الاستبعاد وكأن القضية لا دليل عليها، هو نفس الأسلوب الذي يقوله شخص. [كيف يأمرنا الله باتباع أشخاص مثلنا، نراهم مثلنا، لا فرق بيننا وبينهم؟!] أليست عبارة (كيف) تحصل هكذا؟ الاستفهام نفسه. أنا رافض لا أريد أن أؤمن بهذه القضية ولا أرغب أن أتقبلها، فأقدم رفضي لها بصيغة (استبعاد) بالشكل الذي يوحي بأنه لا دليل عليها. أدلـة البعـث أليسـت كثيرة جداً؟ كثيرة جداً جداً في القـرآن الكريـم منهـا هـذه: {الَّـذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: 7- 9) أليست هذه أدلة على أن من خلق هذه قادر على بعث عباده يوم القيامة؟ إنها لكافية.