أو لـم يكـن المجرمـون هـم ممن ينفقون كثيراً؟ كانوا ينفقـون كثيراً، رأوا أن إنفاقهم ذلـك كلـه لـم يكـن عملاً صالحاً أبداً، هم من كانوا يتعبون كثيراً من أجل الوصول إلى أهـداف معينـة، من أجـل تحقيـق أشيـاء معينة لديهم اكتشفوها أنها لم تكن أعمالاً صالحة. أليـس هـذا هـو مـا سيحصـل؟ أي أنهم لم يكونوا في الدنيا ليس لديهم أي عمل، كان هناك أعمال. أوليست الدنيـا كلهـا مليئـة بالبشـر العامليـن؟ كلهم عاملون كلهم يتحركون. أليس كذلك؟ الناس كلهم يتحركون وكلهم يعملون. من هو الذي هو راقد في هذه الدنيا؟ كل الناس شغالون فيها. لكن هناك أعمال صالحة هي ضائعة، هي. هي التي سنكتشف أنها كانت هي المهمة في الدنيا، وأنها هي التي كانت نجاتنا متوقفة عليها، هذا ما سيكتشفه الناس.
فلماذا لا نعمل على اكتشاف الأعمال الصالحة الآن في الدنيا، كل خطاب القرآن هو ليوحي لنا إذاً هنا في الدنيا فاعملوا كذا، إذاً هنا في الدنيا أبصروا واسمعوا، إذاً هنا في الدنيا اكتشفوا الأعمال الصالحة لتنطلقوا في أدائها، ليس مجرد إخبار عما سيحصل من أولئك لمجرد قصة، إنه يقول لنا: أبصروا واسمعوا وابحثوا عن الأعمال الصالحة وأنتم هنـا فـي الدنيـا حتى لا تكونوا ممن يقول هذا القول في اليوم الآخر {إِنَّا مُوقِنُونَ} يقين مثل الشمس.
القرآن يصنع اليقين، أحـداث الحيـاة والنظرة إليها من خلال القرآن تصنع اليقين. اليقين. الإمـام علـي (عليه السلام) الذي حصل على اليقين من خلال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن خلال القـرآن الكريم، كـان يقـول: ((والله لـو كشـف لـي الغطاء ما ازددت يقينا)).
وعندمـا يقـول أعمـالاً صالحة وعندما يقولون: {إِنَّا مُوقِنُونَ} هـل يعنـي ذلك أن الله قصر هنا في الدنيا فلم يبين الأعمال الصالحة ما هي؟ أو قصر في هدايته للناس هنا في الدنيا فلم يكن بين أيديهم ما يوصلهم إلى درجة اليقين؟ وإنما في القيامة هناك أبان لهم الأعمال الصالحة، وهناك أوصلهم إلى درجة اليقين. لا. لو كان الأمر هكذا لما جاز على الله سبحانه وتعالى أن يقصر هنا في الدنيا في هديه للناس، وفي تبيين طرق الأعمال الصالحة تقصيراً لا يمكن أن يفهموه، ثم يأتي يوم القيامـة فيقـولون: (كان باقي وباقي، ونحن لم نعلم بها، ولم يكـن فـي هديـك مـا يرشدنا إليها). أليست هذه حجة للناس على الله؟ سنقول بالتأكيد لكن نحن لم نرشد إليها، ونحن لم نعلمها في الدنيا إطلاقاً.
لماذا تأتي هنـا فـي يـوم القيامـة وتوضح لنا الأشياء بشكل واضح وجلي جداً؟ وفي الدنيا كان هناك تقصير مـن جانبـك في كتبك ومن جانب رسلك. لا يجوز على الله سبحانه وتعالى.
الله هنـا فـي الدنيـا بين، وكلمنا في القرآن الكريم عدة مرات أنه بيان. كتاب مبين. مبين. ألسنا نسمع هذه الفقرة تتكرر كثيراً في القرآن الكريم؟ ومن أين تحصل على درجة اليقين في الأشياء؟ أليس من التبيين، لكن أنت الذي علمت نفسك ألا توقن إلا عندما تضرب في رأسك عندما تحس بالضربة توقن. وهكذا نحن في الدنيا وهؤلاء أسلافنا كعرب الذين حكى الله عنهم أنهم قد يقولون هكذا. هم من لم يوقنوا ولم يسمحوا لأنفسهم أن يتغلغل إلى أعماقها اليقين من خلال التبيين الواضح، لم يوقنوا إلا عندما ضربوا في رؤوسهم، فأصبحت رؤوسهم منكسة {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا}. اليقين هنا متوفر في الدنيا في أعلى درجاته.
والإمـام علـي هـو الشاهـد فـي كـل شيء لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وللقرآن ((والله لو كشف لي الغطاء - أي القيامة ورأيت جنة ونار ورأيت كـل شيء - ما ازددت يقينـاً)). اليقيـن توفر لدي من خلال القرآن الكريم والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).
هو الشاهد لرسول الله {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (هود: 17) الرسول هو كان علـى بينـة من ربـه وهـو يتحـرك، ويبلّـغ، ويربـي ويعلم، ويتلوه ويتبعه شاهد منه. الإمام علي هو كان الشاهد الوحيد، الشاهد الكامل في كل مناحي التبليغ للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه لم يحصل من جانبه تقصير، والرسول كان يتحرك بحركة القرآن. والقرآن متوفر بين أيدينا. لكنا نحن من لا نسمح لأنفسنا أن توقن، وهكذا نحن في الدنيا، وسيكون من هذه نفسيته في الدنيا سيكون هكذا في الآخرة. {إِنَّا مُوقِنُونَ} في الآخرة تجلى كل شيء. لكنه هنا في الدنيا تجلى كل شيء: الحديث عن الجنة والنار بالشكل التفصيلي، الحديث عن النار، عن عذابها وشدته، عن طعامها، عن شرابها، عن لباس أهلها، عن صراخهم فيها، ألم يتحدث عنه القرآن في أجلى صوره؟ وبطريقة فنية عجيبة تكاد أن ترى ذلـك المشهـد مـن خـلال حديثه عنه، فتوقن، الجنة كذلك، أهوال القيامة، أهوال ذلك اليوم كذلك جاءت بالتفصيل داخل هذا القرآن. لكن أنت من لا تصغي لهذا القرآن ابتداءً من أن تفهم أنه من عند الله، ولهذا تكرر كثيراً في القرآن {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة: 2)، من الله، ألم يتكرر هكذا في أكثر السور؟