أنت قد تقول لأولادك إذا ما كنت في خصومة مع آخريـن تنطلـق لتشجعهـم علـى التضحيـة. أليـس كذلك؟ هل ستنطلق وأنت تتحدث عن خصومة حادة مع طرف آخر قد تصل إلى درجـة المواجهـة ثم تجمع أولادك في غرفة في بيتك وتحدثهم عن القبر وعن منكر ونكير، وعن النعش وعن كذا؟ هل يمكن هذا؟ لا يمكن. [أنتم رجال وليست إلا موتة]. أليس يقولون هكذا ؟ يشجعهم على الاستبسال وعلى التضحية. من هو ذلـك الأحمق الذي يمكن أن يعمل هذا مرة في حياته فيجمع أولاده ومعه خصم آخر ثم يحدثهم عن منكر ونكير، والقبر وضغطاته وأشياء كثيرة طويلة عريضة.
هل سيواجهون؟ أم سيأتي الصباح وكل واحد يبحث له عن مهرب ويقول: [يا أخـي الله غنـي، اتركوها، سيعوضنـا عـن هذه، لا داعي أن يضحي واحد بنفسه من أجل هذه، موت طويل عريض. ومقابر كذا ونعش كذا. وشدائد.. إلى آخره - لا أريدها فليأخذوها].
هل يمكن أن يحصل هكذا منا نحن الناس؟ فكيف يمكن أن يحصل ممن نزل القرآن الكريم؟ وهو الذي يعلم بخصائص النفس البشرية، وهو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، هل يمكن أن يصدر من رسول الله؟ الله اصطفاه، الله أكمله، هو نفسه يتبع ما يوحى إليه، وهو يعرف هذا القرآن بأبعاده، بعمقه، بغاياته البعيدة. فهو لا يمكن أن يصدر منه كلمة واحدة، أو موقف واحد، لأنه معلم للأمة ومرب الأمة. أليس كذلك؟ هو هادٍ للأمة لا يمكن أن يحصل مـن جانبـه شيء يتعارض مع منهجية القرآن ولو على بعد ألف كيلو، ولو على بعد هناك.
نحن في هذا الزمن بالذات مرشدون، معلمون، متى ما أحب إنسان أن يقال: [خطبة جميلة، أما هذه الناس بكوا منها]. يبحث للأحاديـث مـن داخل كتب الترغيب والترهيب، فيقدم الحديث الطويل العريض عن الموت والقبر.
القبر حفرة ترقد فيها، ويهال عليك التراب فيها. لا تشعر بشيء، لا تشعر بشيء. وبعض العلماء استنكر فعلاً واستعبد وأنكر قضية [منكر ونكير]، أنه حتى ليس في أسماء الملائكة هذه الأسماء المزعجة الغير طبيعية [منكر ونكير] من أسماء الملائكة؟ لا. اسم الـمَلك خازن جهنم. أليست جهنم أشد؟ اسمه مقبول [مالـك] أي واحـد منـا قـد يسمـي ابنـه بهذا الاسم الطبيعـي (مالـك) {وَنَـادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (الزخرف: 77) لمـاذا القبـر يضـع لـه ملكين واحد [منكر] وواحد [نكير] هذا مما استبعده علماء - وهو فعلاً مستبعد جداً - ومطرقة لا تستطيع أن تحملها [ربيعة ولا مضر]. وأشياء من هذه. فتش عن الميت بعد أيام ستراه لا يزال جسمه على ما هو عليه وإن كان كافراً، هم يموتون في المستشفيات ويتركون في الثلاجات فلا تسمع شيئاً.
يقـال للكفـار. أليـس الكافـر هـو الجدير بأن يعذب في القبر؟ {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (المؤمنون: 112-113) والله مـا نـدري مـن يـوم ما قبض ملك الموت روحه إلى أن بعث بعد آلاف السنين، مرت كلا شيء {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} أليسوا يقولون هكذا يـوم القيامـة {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}؟ لـو كـان القبـر مزعجـاً لفرحـوا أن يبعثـوا. ليتخلصوا من الإزعاج داخله، سموه [مرقداً] وهم كافرون، {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} فيقال لهم: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} (يـس: 52) أخرجوا الآن هذا هو اليوم الشديد، هناك سيقول الكافرون: {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} (القمر: 8) ألم يقولوا للقبر مرقد، وقالوا ليوم القيامة: {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} يوم شديد يوم شديد الأهوال؟
ونحن بالعكس نتحدث عن القبر، وعن منكر ونكير، وعن الموت بتفاصيل كثيرة نجعله هو اليوم العسر، سيتشبث أحدنا بالحياة لا يريد أن يموت في سبيل الله، ولو كان في موته إعلاء كلمة الله في الدنيا كلها.
يقال: بأنه كان هناك أحد العباد كان إذا ذكر الموت عنده تنجس لكثرة ما تكرر على مسامعه، وقد يغلط الإنسان نفسه مع نفسه. يريد أن يعظ نفسه، يبحث لتلك الكتب التي فيها الأخبار من هذا النوع.