دروس من هدي القرآن الكريم
🔹معرفة الله - وعده ووعيده - الدرس الثاني عشر🔹
ملزمة الأسبوع | اليوم الثالث
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 4/2/2002م | اليمن - صعدة
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
هكذا يتنكر الإنسان لله الذي أحسن كل شيء خلقه والذي بدأ خلق الإنسان من طين، والذي خلقه ونقله في أطوار خلقه من حالة إلى حالة، ثم يتنكر لله ويكفر بكل تشريعاته، ويبعد نفسه عن كل هدايته.
والذي خلق الإنسان في هذه الدنيا، وخلق هذه الدنيا، وخلق هذا العالم بكلـه لـه غاية، وله نهاية، وللناس جميعاً يوم يرجعون فيه إلى الله.
لكن هذا الإنسان الجاهل الذي لم يعلم هذا التدبير الواسع من قبل الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، وتدبير شؤونهما الواسعة التي تدل على قدرته العظيمة، حكمته العظيمة، علمه الواسع.
الله الذي بدأ خلق الإنسان من طين يقول هو فيما بعـد: {أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} (السجدة: 10) إذا متنا وأصبحنا تراباً وضعنا في الأرض وتلاشينا {أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}؟ بعيد أن نبعث من جديد. كيف يمكن؟ ألـم يقـل لك: ألم تعلم أنت أن الله بـدأ خلقـك مـن طيـن وأنـه خلقـك وخلـق أولادك. أليس الإنسان يعلم أن أولاده مخلوقون من ماء مهين؟ هو يعلم. {وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَـلْ هُـمْ بِلِقَـاءِ رَبِّهِـمْ كَافِـرُونَ} (السجدة:10).
المسألة ليست غامضة، أو أن الأدلة عليها ليست كافية، فيكون هذا التساؤل وجيهاً نوعاً ما، إنه جحود إنه كفر إنه كلام الذي لا يريد أن يصدق بالقضية، لا يريد أن يؤمن بها، هو رافض لها، لا يريد أن يقبل الإيمان بها، وإلا فهي واضحة جداً، أدلتها فوق الكفاية، أدلتهـا تدمـغ، تدمـغ كـل مـدارك الإنسـان ومشاعره ووجدانه.
الذي {بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} ألا يستطيع أن يعيد خلقـه مـن جديـد؟ بلى. يستطيع أن يعيده من جديد. {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أليس قولهم: { أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أليـس كفراً؟ لأنه استبعاد هنا، ليس استفهاماً، ليس سؤالاً. هل نحن سنبعث من جديد؟ هذا سؤال يمكن أن يجيب عليه، يجيب عليه القرآن يجيب عليه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ممكن أن يجيب عليه، لكنهم تلفظوا به بشكل استغراب واستنكار واستبعاد. {أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }. بعيد لا يمكن.
أي: أنهم لا يريدون أن يؤمنوا، لا أن القضية هذه لا براهين عليها كافية، لا أدلة عليها دامغـة، هـذه حالـة تحصل عند الناس في ذلك الزمان بما يتعلق بالبعث، وتحصل عند كثير منا نحن المسلمون في قضايا متعددة.
مثلاً. [كيف يأمرنا الله باتباعهم وهم أناس مثلنـا، مـا هو الفرق بيننا وبينهم؟] أليس هكذا يقال؟ استفهام على هذا النحو؟ بل أنت في واقعك لا تريد أن تؤمن بالقضية لا أن الأدلة عليها ليست كافية. بل أنت لا تريد أن تؤمن بهذه القضية، أنت رافض لها {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أنت لا تريد أن تقبل بالإيمان بهذه القضية، لا تريد أن يتسرب إلى أعماق نفسك، وهذه هي من الحالات الخطيرة عند الإنسان، الحالات الخطيرة أن يحدد موقفاً مسبقاً لديه، يجعله معانداً متمرداً، يدفع كل شيء مهما كانت أدلته واضحة وقوية وجلية.
هذه توجهنا نحن إلى أن يكون الإنسان في واقعه منفتحاً على هداية الله، ومسلماً نفسه لله أن يتقبل منه، وسترى كل شيء أمامك، سترى أدلته كافية وفوق الكافية، في كل شأن من شؤون الدين، في كل شأن من شؤون الدين. متى ما آمنت بهذه. لكن إذا اتخذت هذا الموقف المسبق كما اتخذه هؤلاء {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} فهم يصرحون برفضهم لكن بأسلوب آخر، بأسلوب الاستبعاد وكأن القضية لا دليل عليها، هو نفس الأسلوب الذي يقوله شخص. [كيف يأمرنا الله باتباع أشخاص مثلنا، نراهم مثلنا، لا فرق بيننا وبينهم؟!] أليست عبارة (كيف) تحصل هكذا؟ الاستفهام نفسه. أنا رافض لا أريد أن أؤمن بهذه القضية ولا أرغب أن أتقبلها، فأقدم رفضي لها بصيغة (استبعاد) بالشكل الذي يوحي بأنه لا دليل عليها.
أدلـة البعـث أليسـت كثيرة جداً؟ كثيرة جداً جداً في القـرآن الكريـم منهـا هـذه: {الَّـذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: 7- 9) أليست هذه أدلة على أن من خلق هذه قادر على بعث عباده يوم القيامة؟ إنها لكافية.