🔹إشكال قُرآني يُثيره
الإمام الكاظم في هذه الآية:
{يا أيُّها الذين آمنوا اتّقوا اللٰه حقَّ تُقاتهِ و لا تموتُنَّ إلّا و أنتم مُسلمون}
يُحدّثنا الحسين بن خالد، يقول: أنّ
#الإمام_الكاظم "صلواتُ الله عليه" سألهُ:
كيف تُقـرأ هذهِ الآية - و أشارَ لهُ إلى آيةٍ مكتوبة و هي قولهِ تعالى -:
{يا أيُّها الذين آمنوا اتّقوا اللٰه حقَّ تُقاتهِ و لا تموتُنَّ إلّا و أنتم مُسلمون}؟
قال الحُسين بن خالد للإمام: مُسْلِمُون.
فقال
الإمام "عليه السلام":
سُبحانَ الله..! يُوقِع عليهم الإيمان فيُسمّيهم مُؤمنين، ثمَّ يسألهم الإسلام..
و الإيمان فوق الإسلام..؟!
قال بن خالد: هكذا تُقْرأ في قراءةِ زيد؟
قال
الإمام "عليه السلام": إنّما هي في قِراءةُ عليّ "صلواتُ الله عليه"، و هي التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمّد "صلّى اللهُ عليه و آله": {إلّا و أنْتُم مُسَلِّمون} لِـرسول الله ثمَّ للإمام مِن بعده)
[تفسير العيّاشي: ج1]
❖ توضيح:
لاحظوا الآية االكريمة ماذا تقــول:
{يا أيُّها الذين آمنوا اتّقوا اللٰهَ حَقَّ تُقاتهِ و لا تَموتُنَّ إلّا و أنتم مُسلمون}
لاحظوا أنّ الله تعالى خَاطبهم و وصفهم بهذا الوصف (الذين آمنوا) يعني هُـم مُؤمنين..
و قَطْعاً إذا كانوا مُؤمنين فهُم مُسْلِمين أيضاً؛ لأنّ الإيمانَ أعلى رُتبةً مِن الإسلام..
كما يقول الكتاب الكريم: {قالتْ الأعرابُ آمنَّا قُـلْ لم تُؤمنوا و لكن قُولوا أسْلمنا و لَمَّا يدخل الإيمانُ في قلوبكم..}
أي لم يدخل الإيمان في قُلوبكم.
فالذي يُوصَف بوصف (المُؤمن) لا بُدّ أن يكون مُسْلِم قطعاً، لأنّ الإسلام يكون قبل الإيمان.. الإيمان درجة أعلى و أرقى.
ثُمّ إنّ الله تعالى بعد أن وصفهم بالمُؤمنين، قال لهم: {اتّقوا الله حقّ تُقاتهِ} يعني بعد الإيمان أَمَرَهم بالتقوى..
فكيف تأتي الآية بعْد كُلّ ذلك و تُطالبهم في نهايتها بالإسلام الذي هو دُون الإيمان في المَرتبة..؟!
هنا إشكال قُراني واضح..
إذا فهمنا الآية وفقاً للقراءة الشائعة الموجودة في المُصحف.. فما هـو الحلّ لهذا الإشكال..؟!
✦
الإمام الكاظم "صلواتُ الله عليه" يُثير هذا التساؤل في أذهاننا حتّى نتفكّر و نَتدبّر..
فالإمام يستنكر هذهِ القراءة التي قرأ بها الحُسين بن خالد الآية (و هي قراءةُ المُصْحَف المَعروفة و الشائعة و التي يقرأ بها المُخالفون لأهل البيت) فالإمام استنكرَ هذهِ القراءة لأنّه يُريد الإشارة إلى المعنى الدقيق في الآية.
لأنه حينما نقـرأ الآية هكذا كما في المُصحَف {و لا تمـوتُنَّ إلّا و أنتم مُسْلِمُون} فإنْ لَفظة (مُسْلِمون) تُشير إلى الإسلام..
فكيف يُطالبهم اللهُ بالإسلام وهُـم قد تجاوزوا الإسلام والإيمان إلى مرحلة أعلى و هي التقوى؟!
لأنّه حِين قالتْ الآية: {يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا} يعني هم أسْلَموا قطعاً و آمنوا، و الآية تقول لهم: {اتّقُوا اللّهَ حقَّ تُقاتِهِ} و تعبير "حقّ تُقاتهِ" هذا التعبير هو أعلى مَراتب التقوى..
فكيف تطلب الآية منهم بعد ذلك أن يُسلموا..؟!
✦ الحُسين بن خالد تحيّر و قال للإمام "عليه السلام": هكذا تُقْرأ في قراءةِ زيد - أي في رواية زيد لهذه الآية -
قالَ له
الإمام: إنّما هي - أي القِراءة الصحيحة - في قِراءةُ عليّ "صلواتُ الله عليه"، و هي التنزيل الذي نزل به جبرئيل على مُحَمَّد - هكذا - {إلّا و أنتم مُسَلِّمون} بفتح السِين و بتشديد الّلام و كسرها.. مِن التسليم
هذهِ هي القراءة الصَحيحة للآية، لأنّ التسليم هو أعلى درجات الإيمان..
فالتسليـم يأتي بعد الإسلام، و بَعْد الإيمان، و بعْد التقوى أيضاً..
ففي هذهِ القِـراءة - أي قراءة أهل البيت "صلواتُ الله عليهم" - تنسجم المعاني.
❖ مُلاحظة:
صحيح أنّه في قِراءة
#أهل_البيت "صلواتُ الله عليهم" للآية تنسجم المَعاني و تُفْهَم..
و لكن نَحْنُ مَأمورون مِن قِبَل الأئمة "عليهم السلام" في زمان الغَيبة أن نقرأ القرآن كما يَقرؤُهُ الناس..
أي بالقِراءة الشائعة المعروفة في المُصْحف..
فنحنُ نمتثل أمْرَ الأئمة و نقرأ القُرآن في زمان الغَيبة بالقِراءة الشائعة المَعروفة المَوجودة في المُصحف الآن.
و لكن - على مُستوى الفَهْم لمعاني الآيات - أي إذا أردنا أن نَفهم مَعاني الآيات بالشكل الصحيح..
فهُنا لابُدّ لنا أن نَرجع إلى قِراءة أهل البيت "عليهم السلام" للآيات - و الموجودة في أحاديث العترة الطاهرة في تفسيرهم للقرآن.
فنحنُ في - مقام القراءة - نقـرأ الآية {مُسْلِمُون} بسكون السين و كسر الّلام..
و لكنّ - في مقام الفَهْم للآية - نفهم معنى (مُسْلِمين) أي: مُسَلِّمين.. لأنَّ الإسلام في أُفـقٍ مِن معانيه هو: التسليم - كما مرّ -
فالآية حِين تقول: {لا تَموتُنَّ إلّا و أنتم مُسْلِمون} أي لا تَموتُنَّ إلّا وأنتم مُسلّمونَ لِمحمّدٍ وآل محمّد..
و بعبارةٍ أدق: لا تموتُنّ إلّا و أنتم مُسَلِّمون لإمام زمانكم..
و تلك هي التقوى الحقيقيّة و هي أعلى مراتب التقوى..
حينما نُسلّم لِمحمّدٍ وآل محمّد "صلواتُ الله وسل