قضاء الإمام (عجّل الله تعالى فرجه)مسألة أخرى ما فتئت تطرح للمناقشة، ألا وهي طبيعة قضاء الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه، فثمة من يرى أنّه سيقضي بين الناس دونما حاجة إلى شهود وبيّنات، بل سيكون دليله ما ألهمه الله من علم الغيب، مستندين في استنتاجهم هذا إلى بعض الشواهد والأدلّة؛ من جملتها الأحاديث التي تفيد بأنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه سيحكم بين الناس ويبتّ في دعاواهم بعلمه وعلى طريقة حكم النبي داود عليه السلام.
وفي ما يلي وقفة عند إحدى تلك الروايات:
عن عبد الله بن عجلان عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال:
«إذا قام قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله) حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بيّنة، يلهمه الله فيحكم بعلمه»
ويناقش ذلك بما يلي:
أولاً: إن حكم داود بدون أيمان وبيّنة كان مرّة واحدة في قصّة مفصّلة نقلها صاحب (دعائم الإسلام) مرسلاً، وفيها شواهد عديدة على أنها إمّا موضوعة كلاً، أو بعضاً، ولا يمكن لمثل ذلك أن يكون مستنداً لحكم شرعي واحد، فكيف بجريان سيرة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، عليها.
وبعد تلك القصة كان حكم داود عليه السلام طول حياته على الأيمان والبيّنات، كما هو صريح أوّل تلك القصة المرسلة وآخرها، ففي أولها:
«فأوصى الله عزّ وجل إليه: يا داود! اقضِ بينهم بالأيمان والبيّنات».
وفي آخرها:
«يا داود!... فلا تسألني تعجيل ما أخّرت، واحكم بين خلقي بما أمرت»
ثانياً: يتباين هذا النهج في الواقع مع قضاء رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث كان يردّد دائماً:
«إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»
وأنه إذا حكم صلى الله عليه وآله في قضية ما مثلاً لصالح شخص بقطعة أرض ولكنّها في الواقع لم تكن له، فليس له حقّ التصرّف بها حتى قال صلى الله عليه وآله
في الحديث الصحيح:
«إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان وبعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار»
من هنا، لا يعقل بالنسبة للإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه - الذي هو أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله، وتقوم فلسفة ظهوره على مبدأ العدل وإقامة شريعة جدّه وإحياء سنّته - أن يحيد عن نهج الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله، و يقضي بين الناس بغير طريقته صلّى الله عليه وآله.
وإذا جاء في الروايات المعتبرة والمستفيضة أنه عجّل الله تعالى فرجه: «يحكم بحكم داود بالبيّنة واليمين»، فإن النبي داود عليه السلام قد تلقّى الأمر من ربه سبحانه وتعالى بأن يحكم بالحق، وقد قال القرآن الكريم في ذلك: ((يا داود إنّا جعلناكَ خليفةً في الأرضِ فاحكملْ بين الناسِ بالحقِّ))
ثم أوحى الله تعالى إليه أن:
«احكمْ بينهمْ بالبيناتِ وأضِفْهم إلى اسمي يحلفون به»
أي: لمن لم تقم لهم بيّنة.
وهكذا نرى أن النبي داود (سلام الله عليه) كان ملزماً بالقضاء بناءً على الظاهوطبعاً فإن من ادعى باطلاً، وحُكم له به في الدنيا فإن الله سيحاسبه ويعاقبه على ما أخذه يوم القيامة.
ونقل الشيخ المفيد رحمه الله رواية تشير إلى أن الإمام الحجة المنتظر عجّل الله ظهوره سيقضي بين الناس على سنّة النبي داود (سلام الله عليه) والرسول المصطفى (صلوات الله عليه وآله) وحسب ما تبيّن، فإن نبينا الكريم كان يقضي بين الناس بالبيّنة واليمين فقط، مما يدلّل - من خلال اقتران وصف النبيين الكريمين - على أن قضاء النبي داود كان كقضاء رسول الله.
تقول الرواية:
«إذا قام القائم، حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها و... وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد صلى الله عليه وآله»
تجدر الإشارة إلى أن المعصومين سلام الله عليهم قد عملوا طبقاً للواقع والحقيقة، ولكن عملهم هذا لم يكن ليعكس صورة سيرتهم العامة وتعاملهم مع الآخرين.
من كتاب
#عبير_الرحمة_ص٥٧_٦٠#المرجع_الشيرازي#مكتب_المرجعية_في_بيروت #للاشتراك_في_القناة_على_التلغرام https://t.center/alshirazzilib