"ماشكر الفؤاد يومًا نعمة ، الا تضاعفت وازدادت وجلبت اشباهها من النعم ، فلك الحمد والشكر يا الله على كل نعمة نسينا شكرها اعتيادًا او غفلة ، على كل عطاء لم نستشعره ولم نقدره حق قدره ، وعلى كل عناية ولطف ظاهر او خفي منك ، وعلى كل ما فات وكل ماهو آت".
﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ كُلَّما كان الامتنان وشكر الله والرضا طريقك، كُلَّما عظمت في عينك النعم وارتوت روحك بحمد الله، وزادك الله من فضله، تعلَّم الرضا ليسهل عليك العيش، وكن معترفًا بفضل الله غير ساخط ولا ناقم، فما وجدت الحمد إلَّا ووجدت معه السِّعة والزيادة...
أن يحرمڪ الله ويُزيل عنڪ أزڪى النِّعم وتظنّ أنّڪ قد عُوفِيت .. فيحرمڪ تلڪ الدّمعة في جوف الليل وأنت لا تبالي، وتحرم التيسير لتلڪ الطّاعة وأنت مُنْڪبٌّ على المعاصي،
ثم تُتبتَلى بقسوة القلب؛ فلا موعظةٌ تُحرِّڪه، ولا رادعٌ له عن محارم الله يَرْدَعه!
والبعض يظنّ أنَّ السّلامة بسلام أمور دُنياه، وما يعلم المسڪين أنَّ الله قد يبتلي أقوامًا بسلامة الدّنيا؛
ليزدادوا في غيّهم، ويعاقبوا بأشدِّ العذاب عند لقاء ربِّهمﷻ .
باللّٰهِ عليك قُل لي، أيُّ حمدٍ تتكلّم عليه وأنتَ عندما تحمد اللّٰه فقط تعمل رياضةً لـ لِسانك؟
يحمد الواحد منّا ربّه وهوَ غافلٌ لاهٍ، أتُرى دخلنا في نعيمِ الحمد وفضله المرام؟
أين استشعار نِعمِ اللّٰه علينا وإستحضارها بين عينينا في كل مرة تلهج فيها السنتنا بـ "الحمد لله"؟
أين خشوع القلب وانكساره بين يدي خالقه وهوَ يحمده على ما منّ بهِ عليه من نعمٍ وفضلٍ لا يُحصى ولا يُحصر؟
ما منظرنا أمام ربّنا باللهِ عليكم ونحن نُحرّك اللسان وعلى أساس أننا نحمده والقلب غافلٌ لاهٍ يُفكّر في معشوقاته الدنيوية الدنيئة وما زُيّن له منها؟ أتحسبون أنّنا بهذا نحمد اللّٰه؟ لا بل نعبثُ يا كِرام نعبث... ومازال الكريم يُمهِلنا ويتقبّل منّا ويأجرنا رُغم اتياننا له بالغفلة والإعراض!
ربّنا رحيمٌ لطيف نعم الرّب هوَ، فلنكُن باللهِ عليكم أو على الأقل فلنحاول أن نكون له نِعم العِباد...
تقلّب الإنسان وانقلابه على نفسه في ثوانٍ مُخيف، فينتقل من سعادة جمّة إلى حُزن يُخيّم على قلبه وجميع جوارحه ويظهر يستنجد على تقاسيمِ وجهه..أو ربما عكسُ هذا فينقلب الحزن فرحةً هكذا بلمحِ البصر...
كُلّه أظنّه من حكمة اللّٰه، لكي لا يستأنِس أحدٌ بفرحٍ يطول ولا ييأسَ من حُزنٍ مُقيم، ليدرك أنً الانس كله كله في قربِ جنابِ ربّه ليس فيما سوى هذا، والحزن كل الحزن فيما عكس هذا..والباقي إنما فتافيت ولا تبقى على حالٍ فيها أبدًا فيعلمك ان لا تركن إليها أصلًا ؛ ولتدرك كذلك أنّ لله الأمر من قبل ومن بعد!
بشِّر الصابرين، الذين خسف كلّ شيء جميل في حياتهم، لكنّهم يبصرُون بقلوبهم حياة ربيعيّة محمّلة بالظّنون الحسنة بربّهم العظيم، يفقدون ما يحبّون لكنهم في مقابل هذا يحملون الإيمان بأنّ ماعند الله لهم أقرّ لعيونهم..
بشِّر الذين يتعبون بأنَّ لهم غدًا موعدٌ مع الراحة، خالدين فيها، بشّر الصّابرين الذين لفظتهم القلوبُ، و نفض الأحباب عهودهم معهم، فأبصروا في حُبّهم لربهم الغنى عن كلّ أحد..
بشِّر المحرومين الذين [ لولا اليقين بخلف ربّهم ] ماهدأت خواطرهم، ولا سكنت نفوسهم، الذين يعطون وهم بالعطيّة أحقّ، الذين يجودون حينما يشحّ غيرهم، الذين يهدون البسمة وهم لم يأنسوا بها، الذين يمنحون العافية وقد ملأ العيّ ضلوعهم، بشِّر المحرومين أن الخَلف لهم من العظيم عظيمًا!
تزهق أمامه أيام إنتظارهم، بشّرهم بأنّ ماعند الله أكبر، و أهنأ لهم..
بشِّر الكادحين الذين تفيض كفُوفهم وخطواتهم معروفًا وإحسانًا، وقلوبهم تذوب بالأسى، فاتتهم مباهجُ دنياهم فلم يفتهُم أن يعمروا بالفرح والنّور آخرتهم، تكسّرت أشرعتهم فآثروا الإبحار في لجّ الحياة، متوكّلين، لم يهتزّ يقينهم، ولم يتبدل رجائهم، فقدوا محابّهم، فنشروا الحُبّ لمن حولهم، فقدوا آمالهم فكانوا الأمل، تخبوا أمانيهم فيشعلون الضوء في الأرواح..
بشِّر الذين يستجيبون لربّهم بعد مرارة القرح، وسعة الجرح، تثخن فيهم الحياة فيفيضُون صبرًا، تكسد أحلامهم ولا تكسد قلوبهم، تتعثّر خطواتهم ولا يمسّ العثار أرواحهم، تتأخر دعواتهم فلا يتأخرون عن محابّ ربّهم، ومواطن رضاه، يحزنون فتتلقاهم ﴿ ولا تحزنوا ﴾ فتأتي على مواطن الحزن فتمحوها..
بشِّر المرضى الذين نهش الألم أجسادهم، واستعمر بوجعه زواياهم، الذين وصلت قلوبهم حين قعدت بهم أركانهم،
الذين اصطفت دعواتهم حين عجزت عن هذا مفاصلهم، الذين يبست تقاسيمهم ومافتئت ألسنتهم رطبة بذكر مولاهم..
بشِّر المرضى الذين انقطعت عن الخلق صِلاتهم ولم تنقطع أرواحهم عن خالقهم، رضًا وحمدًا وثناءً، الذين يغادرهم أحبابهم كلّ مساء فيأنسون بربّهم، الذين تزعجهم تقديرات الأطباء فيطمأنون لرحمة ربهم..
بشِّر المرضى الذين لا يسمع آهاتهم سوى ربهم، ولا يعلم سعة آلامهم إلا هو، لم تعجّ غرفهم بالورود ولم يحظوا بالمواساة من أحد، ولم يحضنهم في ازدحام أوجاعهم أحد، لكنهم يلقون في اللجاءة لخالقهم كفايتهم و غناهم و طبّهم..
ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب واشتغال القلب ببعض المكدرات؛ الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه،وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم،ففرحت نفسه،وازداد نشاطه...