بشِّر الصابرين، الذين خسف كلّ شيء جميل في حياتهم، لكنّهم يبصرُون بقلوبهم حياة ربيعيّة محمّلة بالظّنون الحسنة بربّهم العظيم، يفقدون ما يحبّون لكنهم في مقابل هذا يحملون الإيمان بأنّ ماعند الله لهم أقرّ لعيونهم..
بشِّر الذين يتعبون بأنَّ لهم غدًا موعدٌ مع الراحة، خالدين فيها، بشّر الصّابرين الذين لفظتهم القلوبُ، و نفض الأحباب عهودهم معهم، فأبصروا في حُبّهم لربهم الغنى عن كلّ أحد..
بشِّر الصابرين بحُبِّ ربّهم الكبير، وبمعيّته
بشّرهم بالجنة والحرير، والنّضرة والسّرور..
بشِّر المحرومين الذين [ لولا اليقين بخلف ربّهم ] ماهدأت خواطرهم، ولا سكنت نفوسهم، الذين يعطون وهم بالعطيّة أحقّ، الذين يجودون حينما يشحّ غيرهم، الذين يهدون البسمة وهم لم يأنسوا بها، الذين يمنحون العافية وقد ملأ العيّ ضلوعهم، بشِّر المحرومين أن الخَلف لهم من العظيم عظيمًا!
تزهق أمامه أيام إنتظارهم،
بشّرهم بأنّ ماعند الله أكبر، و أهنأ لهم..
بشِّر الكادحين الذين تفيض كفُوفهم وخطواتهم معروفًا وإحسانًا، وقلوبهم تذوب بالأسى، فاتتهم مباهجُ دنياهم فلم يفتهُم أن يعمروا بالفرح والنّور آخرتهم، تكسّرت أشرعتهم فآثروا الإبحار في لجّ الحياة، متوكّلين، لم يهتزّ يقينهم، ولم يتبدل رجائهم، فقدوا محابّهم، فنشروا الحُبّ لمن حولهم، فقدوا آمالهم فكانوا الأمل، تخبوا أمانيهم فيشعلون الضوء في الأرواح..
بشِّر الذين يستجيبون لربّهم بعد مرارة القرح، وسعة الجرح، تثخن فيهم الحياة فيفيضُون صبرًا، تكسد أحلامهم ولا تكسد قلوبهم، تتعثّر خطواتهم ولا يمسّ العثار أرواحهم، تتأخر دعواتهم فلا يتأخرون عن محابّ ربّهم، ومواطن رضاه، يحزنون فتتلقاهم ﴿ ولا تحزنوا ﴾ فتأتي على مواطن الحزن فتمحوها..
بشِّر المرضى الذين نهش الألم أجسادهم، واستعمر بوجعه زواياهم، الذين وصلت قلوبهم حين قعدت بهم أركانهم،
الذين اصطفت دعواتهم حين عجزت عن هذا مفاصلهم، الذين يبست تقاسيمهم ومافتئت ألسنتهم رطبة بذكر مولاهم..
بشِّر المرضى الذين انقطعت عن الخلق صِلاتهم ولم تنقطع أرواحهم عن خالقهم، رضًا وحمدًا وثناءً، الذين يغادرهم أحبابهم كلّ مساء فيأنسون بربّهم، الذين تزعجهم تقديرات الأطباء فيطمأنون لرحمة ربهم..
بشِّر المرضى الذين لا يسمع آهاتهم سوى ربهم، ولا يعلم سعة آلامهم إلا هو، لم تعجّ غرفهم بالورود ولم يحظوا بالمواساة من أحد، ولم يحضنهم في ازدحام أوجاعهم أحد، لكنهم يلقون في اللجاءة لخالقهم كفايتهم و غناهم و طبّهم..
بشِّر المرضى بقُربٍ لا يعدله في هذا العالم شيء ..