مشاهد قرآنية:*=========================*
يتحدث القرآن عن حوادث كونية عجيبة، حدثت في أزمنة تاريخية متعددة، كانت في خفاء عن البشر، تجري وفق وضع إلهي عظيم، وتعرف المؤمن قيمة هذه الحوادث لفرادتها وجريان المعنى العظيم فيها، فهي لا تتحدث عنها لصخب أصوات كثيرة فيها، ولا لتجمع حشود بشرية، ولا لحضور كنوز عظيمة يتنازعها الناس، لكنها عظيمة لمعنى سرى فيها يحبه الله ويرضى عنه، وبها يعلم اللهُ الخلقَ من هو، وما هي صفاته، ويلفت أنظارهم إلى هذا الخفاء الذي تزدريه عيون الجاهلين لأنه ليس من نوع شغلهم واهتماماتهم، فلا يغرنك الصخب، ولا الصراخ، ولا الكثرة، بل انظر لمراد الله في هذا الوجود، لتعلم قيمة الحوادث التي تستحق النظر والبحث والاعتناء.
مشهد أهل الكهف:فتية آمنوا بربهم، قرروا هجر أقوامهم وما هم فيه من الباطل، ومشى زمان البشر غير ملتفت لغيابهم ولا لحضورهم، ربما فقدهم بعض أهلهم، ثم غارت أخبارهم، ولم يصنعوا في وجود المال والقوة كبير فرق، لا بوجودهم ولا غيبتهم، لكنهم عظماء.
عظماء لأنهم محط نظر الله، وعظماء لعظمة قضيتهم، وعظماء لاختيارهم منفذ النجاة: الهجرة في سبيل الله.
سرت فيهم أسرار عظيمة، فلم يموتوا، لكن
{فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}، وكانت قدرة الله تدير جنوبهم
{وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}.
كل ذلك
{وَهُمْ رُقُودٌ}.حفظ الله لهم هذا، وجعلهم آية على أعظم قضية وجودية وإيمانية وهي البعث بعد الموت، ليتحقق في الوجود معنى الإيمان بالله تعالى
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
عناية ربانية وهم رقود قد امتدت
{ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}.
ومقصد ذلك أن تسمع وترى لتعلم معنى ولاية الله لعبده
{أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ}.كل قريتهم لم تقدم لهم ولاية كلمة نافعة أو دافعة عنهم شراً، ولم يكن لهم إلا ولاية الله.
خط الولاية الربانية في التاريخ حيث يصنع في خفاء عن الخلق.
مشهد مريم الصدِّيقة عليها السلام:في محرابها متبتلة، بعيداً عن كل الأضواء والنظرات، فقط عناية زكريا عليه السلام، فتسبق عناية الله فيها عنايته
{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا}.
تمشى في خفر وخفاء وحيدة جهة الشرق من بلدتها، وهناك ينزل أعظم مخلوق من الملائكة، وهو أفضلهم وأمين وحي الله تعالى إلى البشر؛ جبريل عليه السلام.
مشهد مهيب عظيم، لكنه يقع في خفاء، ليتحقق المقصد الرباني
{إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}.
وتجري محاورة هذه الصديقة بضعفها البشري، وخصوصية حالها أنها أنثى، ولكن قضي الأمر
{إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}.
ومقصد ذلك
{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ}.
ويقع القدر الإلهي بعد هذا المشهد العظيم، ويتحقق وعد الله تعالى.
المشاهد القرآنية تعلمنا أن قيمتها عندما تكون قضية الإيمان هي محورها، ولولا أن ذا القرنين كان داعياً لما احتفل به القرآن هذا الاحتفال، إذ لم يحدثنا عن أسباب ما أعطى إلا بحسوات سريعة، وتأتي التفاصيل شارحة لقضية الإيمان، وكيف تصنع المواقف حسبه ووفقه.
ولهذا فاحرص أن لا يكون على بصرك غشاوة تمنعك من رؤية عالم الخفاء هذا، وتكون حبيس الصخب والصراخ.
ذكرى الدار الآخرة في قلبك توجب حضور ذكرى الذاكرين لها.
_الشيخ أبو قتادة الفلسطيني_
#إعادة_نشر