إنّ مشكلة بعض الأفراد والجماعات هي أنّهم ليسوا بلا إيمان، وبلا شوق ومحبّة، لكنّهم ليسوا من أهل معرفة الزمان. ينبغي معرفة اللحظة، ينبغي معرفة الحاجة.
لنفرض أنّ أشخاصاً في الكوفة كانت قلوبهم تفيض بالإيمان بالإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، قلوبهم عامرة بالمحبّة، إلّا أنّهم وردوا الميدان متأخّرين بضعة أشهر وقد استُشهدوا جميعاً، وعند الله أجرهم، إلّا أنّ العمل الذي كان عليهم أداؤه لم يكن ذلك العمل الذي قاموا به، لم يعرفوا اللحظة، لم يعرفوا عاشوراء، لم يؤدّوا العمل في الزمان (المطلوب). فلو أنّ التوّابين قاموا بما قاموا به - أي نهضتهم بعد عاشوراء بمدّة - عند مجيء #مسلم_بن_عقيل إلى الكوفة لكانت الأوضاع قد تغيّرت، وكان ممكناً أن يتغيّر مجرى الأحداث بشكل آخر.
إنّ معرفة الوقت وتشخيص اللحظة والقيام بالعمل في وقت الحاجة لَهي أُمورٌ في غاية الأهمّيّة.
#ج19. تابع الركب الحسيني المسير حتى وصل إلى زُبالة، وهناك وصل إياس بن العثل الطائي، مبعوث محمد بن الأشعث، ليخبر الإمام باستشهاد #مسلم وخذلان أهل الكوفة، وكان #مسلم_بن_عقيل قد أوصى عمر بن سعد قبل أن يُقتل بوصاياه، والتي كانت الأخيرة منها:
"وأبعث إلى #الحسين عليه السلام من يرده، فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلاً". فقال عمر بن سعد لابن زياد في نفس اللحظة بما أوصاه مسلم رضي الله عنه، فقال ابن زياد له: "إنه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن".
فلما استيقن الإمام عليه السلام من خبر مقتل مسلم، جمع أصحابه وقرأ عليهم كتابه وهو:
"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإنه قد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر. وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام"
فتفرق الناس عنه تفرقاً، حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة المنورة ومكة. وإنما كان الذين التحقوا به في الطريق من الأعراب لأنهم ظنوا أنه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، وتؤكد المتون التاريخية على أن أهل الأطماع والارتياب تفرقوا عن الإمام في زُبالة.
لقد أراد الإمام عليه السلام من كلامه السابق أن ينتقي الخُلص الذين سيقومون معه بأداء واجبهم الشرعي، وتلك هي سُنة القادة الربانيين في قيامهم، وهي أنهم يريدون الناصر الرباني ولا يهتمون بكثرة العدد والعدة، وقد واصل الإمام عليه السلام اختبار وامتحان تصميم الباقين معه على الشهادة حتى آخر لحظة.
كان الركب في الثَّعلبية وهي ثلثا الطريق، إذ عدل رجل من أهل #الكوفة عن الطريق لما رأى الإمام الحسين عليه السلام، فقصده الإمام عليه السلام كأنه يريده، ثم تركه ومضى. فاقترب من الرجل رجلان أسديان وسلَّما عليه، وكان بكير بن المثعبة، فسألاه: أخبرنا عن الناس وراءك؟ قال: لم أخرج من الكوفة حتى قتل #مسلم_بن_عقيل و #هاني_بن_عروة، فرأيتهما يجران بأرجلهما في السوق.
فنظر إليهما الإمام الحسين عليه السلام وقال: "لا خير في العيش بعد هؤلاء.. ونظر إلى بني عقيل فقال لهم: ما ترون، فقد قتل مسلم؟"
فبادر بنو عقيل وقالوا: "والله لا نرجع، أيقتل صاحبنا وننصرف!؟ لا والله، لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق صاحبنا".
فلما كانت الظهيرة، وضع الإمام الحسين عليه السلام رأسه فرقد، ثم استيقظ فقال: "رأيت هاتفاً يقول، أنتم_تسيرون_والمنايا_تسرع_بكم_نحو_الجنة"