أجواء رائعة تتخللها هطول الأمطار مع الثلوج ناصعة البياض ، احتفالًا بقدوم السنة الجديدة.. سنة الخير، التفاؤل ، الحب . والتنبؤات التي ستبشرنا بالأخبار المشوقة ، وربما بالجنة أيضًا ..
على الكوكب الآخر من الفضاء الشاسع ، دق ناقوس الخطر ، منهم من هرب حفاظًا على حياته ، ومنهم من ظل صامدًا غير آبه بالمخاطر التي ستحدث.. الشرارة تشتعل في كل مكان ، خوف وهلع تمتمات متوترة ، تَشَاهُدْ في اللحظات الأخيرة التي تكون أشبه بسكرات الموت.. بدأت السماء تُمطر ... الفسفور المحرّم.. ترى أجسامًا تنصهر ، نجدات في كل مكان .. كان المأوى الوحيد هو المشفى ، لكنه أُحرق بمن فيه! هانت.. بقي القليل من "الأرقام" الذين ينتظرون حتفهم .
عصفورةٌ وقعت من أُمها حين كانت تتعلم الطيران ، هممت ألتقطها فرأيتُها تبكي .. سألتُها ما اسمُكِ؟ كفكفت دموعها واستنشقت الصعداء، وقالت : - أنا القوة التي من عِزها تُشَدُّ لها الرِحال.
- أنا التي نُلتُ زُبدةَ التفكير وصفوة المحبين الذين هاموا بي وَجدًا .
- أنا التي ضُمِّخَ فؤادي بالدماء الزكية وفُدِيْتُ بالأرواح الطاهرة .
- أنا التي ظنّ العابرين أنهم حازوا قصب السبق في ساحتي وما علموا أنهم واهمون ولو شقوا المرائر .
- أنا زيتونةٌ حانية أفيض بالعطاء والنور. - أنا التي لا يتسلل الخور والهوان إلى عزائمي .
- أنا السور العنيد الذي تتكسر سهام الغُزاة تحت أقدامي .
- أنا التي سأبقى عصية على المعتدين مهما علِق بي من رذالة الطغيان .
- أنا التي أركبُ الهَولَ رغم الجُرحِ لا أشكو وأرفعُ رأسي لا أحبو على الرُكبِ..
على تلك الصخرة البائسة تدور حياة تزينها الأعشاب تجلس عليها وتنتظر ماضيك بأن يأتي ، ومستقبلك ميت - تنظر للمارة ذهابًا وإيابًا .. تسترجع طفولتك ، تتمنى أن تعيش فيها لحظةً واحدة ، يخونك القدر فتعود من أحلام اليقظة لواقعك المفروض ، لم يعد في النفس للأحلام متسعٍ ، تغض النظر عن أمانيك لأنها شبه مستحيلة ، ترضخ للحياة غصبًا ، ليس من العدل ذلك! ، لكنها الأقدار من تتحكم .. فقط يجب أن تحاول مرارًا ، حتى لو لم ترضى ، الله لن يخذلك .
ذكرياتٌ كل ما هاجت .. أيقظت فيك الحنين. ذكرياتٌ كل ما عادت .. تؤنسُ القلب الحزين. يا طيور الشوق طيري ، أبلغي عوض السلام ذاك من أرضَ الإله ، والشهادة مسكُ الخِتام.
هائمة في طريق مجهول ، أدور في حلقة لا تنتهي ، أين أنا ؟! أين حتفي ؟! أين نهايتي ؟! ألم تحين بعد !! رقد جهاز المشاعر في سبات عميق ، أصبحت لا أرى أمامي أي أحد.. أواصل الدوران ، هناك من يناديني ، لكني أنفر منه هاربة ، أو ربما خائفة ، أو ربما لا أدري.. هل وصلت ؟؟ لا ليس بعد .. بقي القليل ..
وجوه شاحبة.. نظرات شاخصة.. أجساد هزيلة.. يمشون مترنحين كأنهم سُكارى ، لا يبالون بالأصوات التي تحدث ، يمشون للموت بأنفسهم ، متهالكين نفسيًا . سير..فقط سير .. يسيرون لرؤية ضوء الشمس ، يشمون هواءً نقيًا ، لكنه "فقط" مختلط ببعض النيران والبارود ، لا بأس ، ما يهمنا أنهم لن يسلبوه منا.. حديثًا يجمِّد الدم في العروق ، أطفالاً تبحث عن عائلاتها التي من المفترض أنهم متحللون.. لكن شيئًا يُلهمهم أنهم متواجدين حولهم.....(في السماء). تدوس على عظام متطايرة ، ترى أغطية ملفوفةً في كلِ مكان . تأتيك لحظات استيعاب ؛ لِمَ أنا حي؟! نحن أولئك الفضائيون الذين تخلت عن احتوائهم جميع الكواكب.. نجلس على القمر وننتظر ذاك النيزك الذي سيُقِلُنا لعالمٍ آخر...
- من هي فِلسطين ؟؟ - أحقًا لا تعرف ! ، وهل لديك روحٌ قوية لِتعرف؟ - أنا أُصغي ..
- فلسطين هي أمٌ أُخذ منها أطفالها قسرًا ، أتعرف ما هو شعور الأم حين تفقد فلذة كبدها !! فلسطين بذلت ومازالت تبذل جهودًا لتسترجعهم شبانًا ونساءً ، تنهار كل يوم وهي ترى أبناءها يتألمون ، يتمنون الموت ، ولكن ما الجدوى لا تقدر على شيء سوى الدعاء والصبر..
- ف في غزة جرحٌ قديم غائر مازال ينزف بغزارة ، تسللت عليه الطفيليات ، تصرخ ، تستنجد ، تهُّم تحاول النهوض ، تقع مرارًا، لكنها لم تيأس ، إنها متيقنة على أنها قادرة على الحياة والعيش و...إيجاد أمها ..
- ضرب ، تشويه ، حرق .. القُدس المضطهدة ، مسكينة ، تُغتصب كل يوم !، ومازالت صامدة بقلب كُسِر كثيرًا من أقربائها ، آلام قلبها لا تغتفر ، حزينة عيناها ، لم تجد من يحِنُ عليها ، لا تُريد شيء من هذا العالم غير أن تعود لها روحها فلسطين
- عروس فلسطين ، جميلة ك جمال الغيوم في السماء ، نقاوة قلبها تقنعك بأنها طفلة ، نعم إنها يافا ، قبل أن تختلط بالقاذورات الدنيئة والفطريات التي تنهش جسدها ، همشوا ذكرياتها الجميلة ، غيروا اسمها الصافِ وأصبحت لا تُعرف إلا ب تل أبيب..
- قتلوا قلبها ، نبشوا أرضها ، حفروا في أعماقها الحزن واليأس.. وهي التي كانت معروفة في حلوياتها اللذيذة ونفسها الشهية في إعداد ما لذ وطاب ، لكنها الآن نابلُس المكسورة تتمنى أن تعود لأمها لتجلس في حجرها وتحكي لها ما في قلبها..
- في جِنين تجد المقاوم الشجاع ذاك الذي حُرِم من أمه منذ أن خرج إلى الدنيا لم تسنح له الفرصة بأن يراها حتى!، لكن الله ألهمه الهمة وخلق له قلبًا عنيدًا يأبى ويكره الظلم ، أنبت في قلبه العدل والجهاد في سبيل الله
أتساءل.. أتساءل في نفسي أحيانًا كثيرة ، هل من الطبيعي أن يزداد تَشَبُثي في بلدي بعد كل الآهات التي عشتها فيها ؟! لا أفهم ما الذي يحدث لي ، كنت أتمنى أن أخرج منها بأقرب فرصة ولا أعود بتاتًا ، لكن ما هذا الذي يحصل ؟؟ هل نضج تفكيري ؟ أم أصبحت أرى نهجًا آخر مختلف لحياتي التي لا أعلم إن كان سيَحّل عليها مستقبلًا مشرقًا كما كنتُ أقول .. أخاف أن أخرج من بيتي ولا أعود مرة أخرى و أتحسس معالمه البسيطة، أخاف أن يصبح اسمي "لاجئة" ، أنا؟!! أنا لاجئة !! لا أستطيع أن أتخيل أن أصبح في المنفى ، في وطن ليس وطني.. بين أُناس لا أعرفهم.. في منزلٍ قاسٍ لا يحمل ذرة حنان.. في شوراع كئيبة تطاردني فيها نظرات نافرة ، كل من يراني ينفر مني كأنني صبارة شائكة .. أنا صبارة دون الشوك صدقوني ، أنتم من وضع هذا الشوك .. صحيح أنني في مكان أشبه بالسجن الكبير ، لكنه مأواي .. رعاني في صغري إلى الآن .. أحببته .. أظهر لي عطفه علي .. ومن غيره وهو من أحاطني بين يديه.. يزداد تعلُّقي فيه يومًا بعد يوم.. لا يهمني أيُّ شيء.. أريدُ أن أُدفن في قبرٍ مُريح .. لا أُريد أن أبقى بين الرُكام.. منسية.. لا تتروكوني في ذاك المكان .. ف هو لا يليق بي .