"سقط القناع.. عن القناع.. عن القناع.. سقط القناع .. لا إخوة لك يا أخي، لاأصدقاء ! يا صديقي، لا قلاع ! لا الماء عندك، لا الدواء، لا السماء، ولا الدماء .. ولا الشراع ولا الأمام ولا الوراء.. حاصر حصارك .. .لا مفرُّ ! سقطت ذراعك فالتقطها ! واضرِبْ عدوك..لا مفر .. وسَقَطْتُ قربك،فالتقطني ! واضرب عدوك بي،فأنت الآن : حرٌّ حرٌّ وحرُّ قتلاك .. أو جرحاك فيك ذخيرة ! فاضرب بها ! إضرب عدوك..لا مفرُّ ! أشلاؤنا أسماؤنا..أسماؤنا أشلاؤنا حاصر حصارك بالجنون ! وبالجنون ! وبالجنون ! ذهب الذين تحبهم،ذهبوا.. فإما أن تكون أو لا تكون سقط القناع عن القناع سقط القناع،ولا أحد إلّاك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيان ! فاجعل كل متراس بلد ! لا..لا أحد سقط القناع .. عَرَبٌ أطاعوا رومَهم .. عرب وباعوا روحهم .. عرب..وضاعوا سقط القناع عن القناع سقط القناع ...."
من هو محمود درويش : هو الفتى الذي ولد في قرية البروة قبل احتلال فلسطين ونكبة الأمة نكبة ١٩٤٨ بسبع سنوات أي عام ١٩٤١ وعندما حدثت النكبة هُجِر إلى لبنان هو وعائلته . هو الذي عانى معاناة لا يمكن أن يعانيها اليوم الرجال ولكن هذه كانت أول المحاور التي كان لها أعمق الأثر فيه وظل يتحدث عنها حتى قبل موته سواء في أشعاره ـ ديوان لم تركت الحصان وحيدا ـ أو في كتبه ثم عاد بعد سنة من قضائه الغربة في لبنان عاد وقد دمروا قريته وغيروا حتى اسمها وهذا المنعطف الثاني في حياته . ثم كتب وكتب وانتقد الأنظمة والدول والحكومات والعرب وقصيدته مديح الظل العالي الخالدة حتى اليوم وما قال فيها . يا ترى ماذا سيقول إذا عاصر اليوم وكل هذه الحرب وكل هذا الدمار والتشريد .
كتبتُ وصيَّتي بدمي: "ثِقُوا بالماء يا سُكّان أُغنيتي!" ونِمْتُ مُضرّجاً ومتوَّجاً بغدي... حلِمْتُ بأنّ قلب الأرض أكبرُ من خريطتها، وأوضحُ من مراياها ومِشْنَقتي. وهِمْتُ بغيمةٍ بيضاء تأخذني الى أعلى كأنني هُدْهُدٌ، والريحُ أجنحتي. وعند الفجر، أَيقظني نداءُ الحارس الليليِّ من حُلْمي ومن لغتي: ستحيا ميتةً أخرى، فعدِّلْ في وصيّتك الأخيرة...
دائماً نسمعُ في الليل خطى مقتربة ويفرُّ البابُ من غرفتنا دائماً, كالسُحُب المغتربة ظلُّكِ الأزرقُ من يسحبُهُ من سريري كُلَّ ليلهْ الخطى تأتي , وعيناك بلاد وذراعاك حصارٌ حول جسمي والخطى تأتي لماذا يهرب الظل الذي يرسمني يا شهرزاد والخطى تأتي ولا تدخلُ كوني شجرا لأرى ظلَّك كوني قمرا لأرى ظلك كوني خنجرا لأرى ظلك في ظلّيَ ورداً في رماد !...
بذكرى رحيله في مثل هذا اليوم 9 أغسطس 2008 الشاعر محمود درويش في بريد السماء الافتراضي
س/هل ترى الشعر منجزاً أو مُحققاً للرغبات وحدها؟
ج/الشاعر جامع مهووس للشهوات، ومستهلك سريع لها. فكثيراً ما نأخذ نحن دور هواة جمع الطوابع فيما يخص كل رغبة تتعلق بوفرة الجمال. فالشعر كما أرى لا يشبه إلا الطاحون في أعماله، قلقهُ يلتقط ويفتتُ حتى حدود الطحن والذرى. هذه الفلسفة الشعرية، قد تبدو غامضة في بعض الأحايين. ولكنها جزء فني لا يمكن للشاعر التخلي عنه. لأن الشاعر مستهلك أول للرغبات كونياً. وكأن أصل الرغبة شعر بالأساس.
س/ألا ترى بأن الشاعر يفعل كل ذلك لأجل التخلص من التراكم الشعري؟
ج/ الشاعر كما أعتقد، هو خلاصة شعراء وفنانين وفلاسفة وعشاق مروا على الأرض أو اخترقوا الذاكرة. إنه بالضبط، تلك التربة صاحبة الجيولوجيات المتعددة التي وإن تحمل فلزات مختلفة، لكنها تعد جوهر النار. لذلك فلا أضمن بأن كل شاعر يستطيع التخلص من التراكم الشعري للأسلاف. ثمة شعراء يعاصرونك بالقوة السلفية دون تدخل هام للحداثة في ما يكتبون. وهناك أيضاً، شعراء رؤيويون قطعوا كل مشاركة مع الماضي، منتقلين إلى المستقبل، ومغامرين بالكتابات التي لا متن لها ولا سند ماضوي.
س/الشاعر شيطاناً. . هل يوصف بمثل ذلك العنوان الأرضي في الآخرة؟
ج/ليس أشدّ كثافة من وجود الشعراء في الفراديس. لأنه كائن تنبأ. ولأنه صاحب سلسلة من التجليات والتأويلات الخارقة التي كسرت التابو الديني، وأدخلته بسباق مع رجال اللاهوت وكتّاب المذاهب، وذلك عندما تناول موضوعات ما في الجنة والنار، بما سمح للظلاميين النيل منه، باعتباره خارق لتلك الأسرار التي تعد من الخطوط الحمراء.
س/ تعني أنه من الفائزين بأكبر كتل الذنوب التي عادة ما ينالها مالكو الجرأة الزائدة؟
ج/الذنوب التي يتحدث عنها أهل الأرض هي غير المُصرح عنها هنا. ويبدو أن اللعنة قد انتزعت عن الشاعر الشيطان تماماً.
س/تعني إنك مُفرّغ من ذنوبك الآن؟ ج/هذا إذا كنت مذنباً.
س/هل تتم للشعراء عمليات تنقيح من الذنوب هنا مثلاً؟
ج/ربما. ففي هذا العالم الآخر، ثمة قوة لمنع تمدد العقل السلفي للسيطرة على طقوس الجنة، أو استعباد البشر بظلاميات التفكير التدميري في مختلف الفراديس الأخرى. القوة تلك، تعمل ضمن مبدأ (من خرّب الأرض بسوء التأويل والتحليل الضالّ. . لا يمنح سلطة لتخريب السماء حتى لو كان وزن عمامته طناً ).
س/هذا يبعث الطمأنينة في قلوب الشعراء. ويُحسن موقفه من كل ما قيل ضدهم بواسطة النقد الديني. هل تعتقد بذلك؟
ج/ الشعر بظني محركٌ للجوهر الإنساني ورافعٌ لقيمة المخيلة في تشكيل الوجود وصناعة أدواته. وهو إن بقي حيّاً وناشطاً في مهماته المشار إليها، سيقوم ببناء عالم موازٍ لعالم الخارج في داخل الإنسان ذاته. س/ولكنك غير ممعن بالخيالي في شعرك. فهل ذلك يعني أن قيمة الشعري اللاخيالي ستنضب سريعاً، لتتحول فيما بعد إلى تراث كتب فقط؟
ج/ثمة من يراهنون على أن شعري في غالبه العام، ليس غير بناء سياسي مغلف بالفن، وإن جمالياته سرعان ما تزول بزوال الأحداث. ربما سيحصل ذلك في بعض مفاصل شعري، ولكنه لا يُعمم على كامل تجربتي الشعرية، ذلك لأنني حاولت أن أكون حارساً للصورة وللجماليات التي يتضمنها المجاز والبلاغة والروح الفلسفية التي تقدر على أن تُبقي النار في القصيدة ملتهبةً بشكل مقنع، بحيث لا تضطرني لغتي تلك إلى الخوف على جسد الشعر من البرد. س/وجسدك الآن؟
ج/ما زلت مريضاً. ولم يشف قلبي مما كان فيه من علل.
س/ألمْ تجد راحةً في الموت ولا في ما بعده؟! ألا يبدو الأمر عجيباً؟؟
ج/الموت ختمٌ، ما أن تُمهر به ورقتك عند نهاية الخط الفاصل في ذلك البرزخ، حتى تطير ضاحكاً، وأنت تتعقب روحك بين أكوام الغيوم.
س/هل يحدث ذلك ضمن فوضى عظيمة لمختلف الأرواح مثلاً؟
ج/لا. لا. فأرواح الشعراء، لهم خط خاص، يبدأ من برزخ اللغة وحتى محطة التيه الخاصة بقراصنة الصور وبالنبوئيين وأصحاب المخيلات المخلوعة الأبواب والنوافذ.
س/لقد اختفيت عن الأرض دون أن تكتب قصيدة النثر. هل ستراجع قرارك وتكتبها هنا؟
ج/ ربما. ولكن ليس قبل تحويل أوراقي إلى مفتي الجحيم. (( يتبع))
المُقْبِلَهْ؟ ماذا تريدُ؟ سيادةً فوق الرَمَادِ؟ وأنت سَيَّدُ رُوحِنَا يا سَيِّد الكينونّةٍ المتحوِّلّهْ فاذهب.... فليسَ لك المكانُ ولا العروش / المزبَلَهْ حُرّيَّةُ التكوين أنتَ وخالقُ الطرقات أنتَ وأنت عكسُ المرحلَهْ واذهبْ فقيراً كالصلاةِ وحافياً كالنهر في درب الحصى ومُؤَجَّلاً كقرنفُلَهْ لا’ لست آدم كي أقول خرجتَ من بيروت أو عَمَّانَ أو يافا, وأنت المسألَهْ فاذهب إليكَ ’ فأنَتَ أوسعُ من بلاد الناسِ ’ أوسعُ من فضاء المقصلَهْ مستسلماً لصواب قلبكَ تخلع المدنَ الكبيرةَ والسماءَ المُسْدَلَهْ وتمدُّ أرضاً تحت راحتك الصغيرة , خيمةً أو فكرةً أو سنبلَهْ كَمْ من نبيٍّ فيك جَرَّبَ كَمْ تعذَّب كي يُرَتَّبَ هيكَلَهْ عبثاً تحاول يا أبي مُلْكَاً ومَمْلَكَةً فَسِرْ للجُلْجُلَهْ واصْعَدْ معي لِنُعيْدَ للروح المُشَرَّد أوَّلَهْ ماذا تُريد , وأنت سَيِّدُ روحنا يا سَيِّدَ الكينونة المتحوِّلَهْ؟ يا سَيِّدَ الجمرهْ يا سَيِّدَ الشُّعْلَهْ ما أوسع الثورة ما أضيقَ الرحلة ما أكبَرَ الفكرة ما أصغَر الدولة!.....
وصورتانِ لخطوةٍ قد حاولتْ قد حاولتْ قد حاولتْ أنْ تَهَديَ الشرقَ المَشَاعا يا أهْلَ لبنانَ... الوداعا إسمان للتوحيد نحن : على مشيئتنا أردنا أن نكونَ ولا يكونَ الناسُ في الدنيل متاعا يا أهْلَ لبنانَ... الوداعا والآن ’ أكملنا رسالتنا إذْ اُتَّحدَ الشقيقُ مع العدوِّ ولم نجد أرضاً نُصَوِّب فوقها دَمَنا ونرفعه قلاعا ي أهْلَ لبنانَ ... الوداعا اليوم إنجيلُ السوادْ ’ اليومَتابَتْ مريمٌ عن توبةِ التوباتِ وارتفع الحدادْ إلى جبين الله واُختفتِ الملائكةُ الصغيرةُ في أكاليلِ الرمادْ... والبحرُ أبيضُ هذه سُفني الأخيرهْ ترسو دمع المدينة , وهي ترفع رايتي, لا رايةٌ بيضاء في بيروت شكراً للذي يحمي المدينة من رحيلي للَّتي مَدَّتْ ضفيرتها لتحملني إلى سفني الأخيرهْ أين تذهبُ ؟ ليس لي بابٌ لأفتحَهُ لفارسيَ الأخيرْ والسبتُ أسودٌ , ليس لي قلبٌ لأخلعَهُ على قدميكَ يا ولدي الصغيرْ أنا لا أودَّع ’ بل أُوزِّع هذه الدنيا على الزِّبد الأخيرْ وأين تذهبُ ؟ أينما حَطَّتْ طيورٌ البحرِ الكبيرْ البحرُ دهشتنا , هشاشتُنا وغربتُنا ولعبتُنا والبحرُ صُورَتُنَا ومَنْ لا بَرَّ لَهْ ولا بَحْرَ لَهْ... ..... بَحْرٌ أمامكَ’ فيكَ ’ بحر من ورائكَ. فوق هذا البحر بَحْرٌ ’ تحتهُ بَحْرٌ وأنتَ نشيدُ هذا البحرِ... كَمْ كنا نحبُ الأزرقَ الكحليَّ لولا ظلنا المكسور فوق البحرِ, كَمْ كن نُعِدُّ لشهرِ أيلولَ الولائمَ عَمَّ تبحث يا فتيَّ في زورق الأوديةِ المكسورِ ؟ عن جيشٍ يحاربني ويهزمني فانطق بالحقيقةِ ثم أسأل : هل أكونُ مدينةَ الشعراء يوماً؟ عَمَّ تبحث يا فتىً في زورق الأوديسةِ المكسورِ؟ عن جيش أُحاربهُ وأهزمهُ, وعن جُزُرٍ تُسمِّيها فتوحاتي , وأسأل : هل تكون مدينةُ الشعراء وَهْمَا؟ عَمَّ تبحث يا فتىِّ في زورق الأوديسةِ المكسور عَمَّ؟ عن موجةٍ ضيعتها في البحرِ عن خاتَمْ لأُسيِّجَ العالمْ بحجود أُغنيتي وهل يجدُ المهاجر موجةً ؟ يجد المهاجر موجةً غرقتْ ويُرجعها مَعَهْ بحر لتسكن ’ أم تضيعْ بحلا لأيلولَ الجديدِ أم الرجوع إلى الفصول الأربعَهْ بحر أمامك, فيك بحرٌ من ورائكَ تفتح الموجَ القديمَ : وُلدتُ قرب البحر من أمٍّ فلسطينينةٍ وأبٍ أراميٍّ . ومن أمٍّ فلسطينيةٍ وأبٍ عروبيٍّ . ومن أمٍّ ويُحررون جمالهم مني... أنا الحجر الذي شدَّ البحار إلى قُرون اليابسهْ وأنا نبيُّ الأنبياءِ وشاعرُ الشعراءِ منذ رسائل المصريِّ في الوادي إلى أشلاء طفل في شاتيلا أنا أوَّلُ القتلى وآخر مَنْ يموتْ إنجيلُ أعدائي وتوراةُ الوصايا اليائسهْ كُتَبتْ على جسدي أنا ألفٌ ’ وباءٌ في كتاب الرسم ’ يشبهني ويقتلني سوايْ كُلُّ الشعوب تعوَّدَتْ أن تدفن الموتى بأضلاعي وتبني معبداً فيها وترحلُ عن ثرايْ وأنا أضيقُ أمام مملكتي وَتَتَّسِعُ الممالك فيَّ, يسكنني ويقتلني تزوَّجت أمي, وأمي لم تكن إلاّ لأمي خصرها بحرٌ ذراعاها سحابٌ يابسٌ ونُعَاسُها مطرٌ ونايْ وأنا أفيض أمام أغنيتي وتحبسني خناجرها يؤاخيني ويقتلني سوايْ ....وأنا نشيدُ البحرِ. لا أرضى بما يرضي دَمَ الإغريقَ من ريحٍ تهبُّ لتنتهي المأساةُ بالمأساة قد ذبحوك كي يجدوك كرسياً فلا تجلسْ لأنَّ جميع آلهتي كلابُ البحرِ فاحذرها ولا تذهب إلى القُربانِ.... إن الريح واقفةٌ فلا تلمسْ يدَ القرصانِ، لا تصعد إلى تلك المعابدِ لا تصدِّقْ لا تصدِّقْ فهي مذبحةٌ ولا تخمدْ هجيرك عندما يتقمَّص السجَّان شكل الكاهنِ الرسميِّ, إنَّ جميع هآلهتي كلابُ البحرِ فاحذرْها ودَعْ...دَعْ كلَّ شيء واقفاً دَعْ كُل ما ينهارُ منهاراً ’ ولا تقرأ عليهم أيَّ سيءٍ من كتابكْ ! والبحرُ أبيضُ والسماءُ قصيدتي بيضاءُ والتمساحُ أبيضُ والهواءُ وفكرتي بيضاءُ كلبُ البحر أبيضُ كل شيء أبيضٌ: بيضاءُ ليلتُنا وخطوتنا وهذا الكونُ أبيضُ أصدقائي واللائكةُ الصغارُ وصورة الأعداءِ أبيضُ, كل شيء صورةٌ بيضاءُ هذا البحرُ ’ مِلء البحرِ’ أبيضُ لستَ آدمَ كي أقول خرجتَ من بيروت منتصراً على الدنيا ومنهزماً أمام الله الأرضُ إعلانٌ على جدران هذا الكون, حَبَّةُ سُمْسُمٍ ’ قتلاكَ والبلقي سدى فاعطِ المدى إسم العيونِ المهملَهْ لك أن تكون ولا تكونْ لك أنْ تُكوَووَّنْ أوْلا تُكَوِّنْ كل أسئلة الوجودِ وراء ظِلِّك مهزلَهْ والكونُ دفترك الصغيرُ, وأنت خالقُهُ فدوِّن فيه فردوس البداية, يا أبي... أو لا تُدَوِّنْ أنت... أنتَ المسألَهْ ماذا تريدُ؟ وأنت من أُسطورةٍ تمشي إلى أُسطورةٍ عَلَمَاً؟ وماذا تنفع الأعلامُ ... هل حَمَتِ المدينَةَ من شظايا قنبُلَهْ؟ ماذا تريدُ ؟ جريدةً؟ أتفقِّسُ الأوراقُ دُوريّاً وتغزلُ سنبُلَهْ؟ ماذا تريدُ؟ أشْرِطَةً؟ هل يعرف البوليسُ أين ستحبل الأرضُ الصغيرةُ بالرياح
لمَ ترحلونَ وتتركون نساءَكم في بطنِ ليلٍ من حديدِ ؟ لمَ ترحلونْ وتعلِّقون مَسَاءَكُمْ فوق المخَّيم والنشيدِ ؟ صبرا تُغَطِّي صدرها العاري بأُُغنية الوداعْ وتَعُدُّ كفَّيها وتخطيءُ حين لا تجد الذراعْ: كَمْ مرةً ستسافرونْ ولأيِّ حُلمْ؟ وإذا رجعتم ذات يومْ فلأيِّ منفى ترجعونَ’ لأيِّ منفى ترجعونْ؟ صبرا – تُمَزِّق صدرها المكشوفَ : كم مَرَّهْ تتفتَّحُ الزهرهْ كم مرَّةً ستُسافر الثورهْ؟ صبرا تخافُ الليل . تسندهُ لرُكْبتها تغطيهِ بكحلِ عيونها . تبكي لتُلْهيهِ: رحلوا وما قالوا شيئاً عن العودهْ ذَبلوا وما مالوا عن جمرةِ الوردهْ! عادوا وما عادوا لبداية الرحلهْ والعمرُ أَولادُ هربوا من القُبْلَهْ. لا ’ ليس لي منفى لأقول : لي وطنُ الله ’ يا زَمَنُ....! صبرا تنامُ . وخنجرُ الفاشيِّ يصحو صبرا تنادي ... مَنْ تنادي كُلُّ هذا الليلِ لي ’ والليلُ ملحُ يقطع الفاشيُّ ثدييها – يقلُّ الليلُ يرقص حول خنجرهِ ويلْعَقُهُ . يغني لانتصار الأرْزِ موالاً, ويمحو في هدوءٍ... في هدوءٍ لحمَها عن عَظْمِها ويمدِّدُ الأعضاءَ فوق الطاولَهْ ويواصل الفاشيُّ رقصَتَهُ ويضحك للعيون المائلَهْ ويُجَنُّ من فرحٍ وصبرا لم تعد جسداً: يُرَكِّبها كما شاءتْ غرائزهُ ’ وتصنعها مشيئتهُ ويسرق خاتماً من لحمها ’ ويعودُ من دمها إلى مرآتِهِ ويكونبحرُ ويكون – برُّ ويكون – غيمُ ويكون دَمْ ويكون – ليلُ ويكون – قتلُ ويكون – سبتُ وتكون – صبرا صبرا – تقاطُعُ شارعيْنِ على جَسَدْ صبرا – نزولُ الروحِ في حَجَرٍ وصبرا – لا أحدْ صبرا هوية عصرنا حتى الأبدْ... بيروت / أمسِ / الآنَ/ بعدَ غدٍ: نشيدٌ للخريفِ صُوَرٌ لما بعد النهارْ وظلالُ إمرأةٍ غريبهْ وطني حقيبهْ وحقيبتي وطني ولكن ... لا رصيفَ, ولا جدارْ لا أرضَ تحتي كي أموتَ كما أشاءُ’ ولا سماءْ حولي لأثقبَها وأدخلَ في خيام الأنبياءْ ظهري إلى الحائطْ الحائطِ / الساقطْ ! وطني حقيبهْ وحقيبتي وَطَنُ الغَجَرْ شعبٌ يُخَيِّمُ في الأغاني والدخانْ شعبٌ يُفَتِّشُ عن مكانْ بين الشظايت والمطْر وجهي على الزهرهْ الزهرة / الجمرهْ وطني حقيبهْ في الليل أفرشها سريرا وأنامُ فبها , أخدعُ الفتياتِ فيها أدفن الأحباب فيها أرتضيها لي مصيرا وأموتُ فيها كَفِّي على النجمهْ النجمةِ / الخيمهْ وطني حقيبهْ من جلدِ أحبابي وأندلسَ القريبهْ وطني على كتفي بقايا الأرضِ في جسدِ العروبَهْ قلبي على الصخرهْ الصخرةِ / الحرَّهْ يا أهلَ لبنانَ... الوداعا شكراً لكُلِّ شجيرةٍ حَمَلَتْ دمي لتضيءَ عيدَ الخبزِ ’ أو لتضيءَ للمحتلِّ وجهي كي يرى وجهي ويرتديَ الخداعا شكراً لكُلِّ سحابةٍ غَطِّتْ يديَّ وَبَلَّلَتْ شفتيَّ ’ حتى أعطت الأعداء باباً ... أو قناعا شكراً لكُلِّ مُسَدَّسٍ غطِّى رحيلي بالأرُزِّ وبالزهور, وكان يبكي أو يزغرد ما استطاعا يا دمعةً هي ما تبقّى من بلادٍ أُسندُ الذكرى عليها... والشُّعاعا يا أهل لبنانَ الوداعا ! اليوم أكملتُ الرسالةَ فانشروني , إن أردتم ’ في القبائلِ توبةً أو ذكرياتٍ أو شراعا. اليوم أكملتُ الرسالةَ فيكُمُ فلتصفئوا لهبي , إذا شئتم ’ عن الدنيا’ وإنْ شئتمْ فزيدوهُ اندلاعا أنا لي , كما شاءتْ خطايَ حملتُ روحي فوق أيديكم فراشاتٍ, وجسمي نرجساً فيكمْ, وموتايَ اندفاعا يا أَهْلَ لبنانَ... الوداعا هذا دمي ’ ياأهْلَ لبنان ’ ارسموهْ قمراً على ليلِ العَرَبْ. هذا دمي – دمُكم خذوه ووزّعوهْ شجراً رحيلي عن نوافذكم وعن قلبي انحتوهْ حجراً على قبرِ العربْ هذا بكاء رصاصنا , هذا يتيم زواجنا ’ فلترفعوهْ سهراً على عُرس العربْ هذا نشيجي مزِّقُوه وبعثروهْ مطراً على أرضِ العربْ هذا خروج أصابعي من كفِّكمْ هذا فطام قصيدتي ’ فَلْتكتبوهْ وتراً على طَرَب العربْ هذا غبار طريقتنا , فلترفعوهْ لهمو حصوناً ’ أو قلاعاً يا أهْلَ لبنانَ الوداعا سيجيئكم مَطَرٌ ويغسلُ ما تركتُ على شوارعكم من الكلماتِ , يطردُ ما تركتُ على نوافذكم من الشهواتِ يمحو ما لَمَسْتُ من الصَّنوبرِ في جبالِكُمُ وينسيكمْ فتىِّ كسرَ الهواءَ على موائدكم قليلاً أو أضاع يديهِ في أيديكم سَنَةً ’ وضاعا يا أهْلَ لبنانَ... الوداعا حدِّقتُ في كَفِّي لأُبصرَ ما وراء البحرِ تلك وسيلتي لتَبَصُّرِ الأشياءِ بحرٌ , ثم بحرٌ ’ ثم بحرٌ مَنْ رآني عَدَّ أكفاني وغطى جرحكم كي يشتري جبلاً ويبتاعَ الصراعا يا أهْلَ لبنانَ.... الوداعا لا جوعَ في روحي , أكلتُ من الرغيف الفذِّ ما يكفي المسيرَ إلى نهايات الجهات. عشاؤكم ليس الأخير وليس فينا من تراجَعَ ’ أو تداعى يا أهْلَ لبنان ... الوداعا جَسَدانِ في تابوتِ هذا الشرق نحنُ يزوِّودان المزوَدَ المنيَّ بالصرخاتِ’ نحن بشارة الميلادِ نحنُ
يُحَيِّرُنا... سَرَقْتَ دموعنا يا ذئب تقتلني وتدخل جُثَّتي وتبيعها ! أُخرجْ قليلاً من دمي حتى يراك الليلُ أَكثر حُلْكَةً ! واخرجْ لكي نمشي لمائدة التفاوض , واضحينْ’ كما الحقيقةُ : قاتلاً يُدلي بسكَّينٍ. وقتلى يدلون بالأسماء: صبرا, كفر قاسم ’ دير ياسين , شاتيلا ! بيروت / ليلا : لا تنامي كُلَّ هذا الليلِ لا تتحدِّثي عما يدور وراء هذا البابِ لا ترمي ثيابك لا تُعَرِّيني تماماً لا تقولي الحبَّ لا تعطي سوى فخديكِ لا تتأوهي فالحرب تسمع زهرة الجسديْنِ إني ارتديك على الشظية قربَ باب البيت, نبقى واقفين , وواقفين إلى النهايةِ واصلي سرقات هذا الشهْد, زُجِّيني بشهوتك السريعة قبلما يأتي إلينا موتنُا الخلفيُّ’ إني أُوثُر الموتَ الذي يأتي إلى كتفيَّ..نحلا ! بيروت / ليلا : مثل باذنجانةٍ... قمرٌ غبيٌّ مَرَّ فوق الحربِ لم يركبْ له الأطفالُ خيلا بيروت / ليلا: أُمْسِك الآنَ الهواء الأسودَ الصخريَّ, أكسره بأسناني ، أَعضُ عليهِ .أُدميهِ . وأَركلُهُ أَكاد أُجَنُّ مما يجعلُ الساعات...رملا بيروت / ليلا : قالت امرأةٌ لجنديٍّ قبيحِ الوجهِ : خذني للرُّكامِ وفُضَّني لأصير.. أَحلى بيروت / ليلا: لم أَجد فيك الخليَّةَ والجزيرةَ أين ماتَ الشعر ! أين استسلمت للزوجِ ليلى ؟ بيروت / ليلا: يقصفون مقابر الشهداء , يدثَّرون بالفولاذ ’ يضطجعون مَعْ فيتاتهم , يتزوجون ’ يطلِّقون , يسافرون, ويولدون ’ ويعملون ويقطعون العمر في دبَّابةٍ... أهلاً وسهلا ! بيروت / ليلا: يخرج الشهداء من أشجارهم ’ يتفقَّدون صغارهم’ يتجولون على السواحل, يرصدون الحلم والرؤيا ’ يُغطُّون السماء بفائض الألوان’ يفترشون موقعهم ’ يُسَمُّون الجزيرة ’ يغسلون الماء ’ ثم يطِّرزون حصارنا قططاً .. ونخلا. بيروت / ليلا: وحدنا ’ والله فينا وحدنا الله فينا قد تجلِّى ! بيروت / ليلا : يمدح الشعراء قَتْلي في مجالسهم’ ويرتعدون مني حين أطلع بينهم صوتاً وظلِاَّ بيروت / ليلا: آهِ ’ يا أفقاً تبدَّى من حذاءِ مقاتلٍ لا تنغلقْ لا تنغَلِقْ أَبداً لئلاّ... بيروت / ظهراً : اليوم يَنْشَقُّ الحصانْ. اليوم ينشقُّ الحصانُ إلى نهاريْنِ, المدينةُ والقصيدةُ تخرجان من خصر أَجملنا , سميرْ درويشْ ’ ليحتفل المكانْ بنا .. وينسبنا إلى أَحَدٍ ليعطي العائِلَهْ شجراً وأَسماءً أَتعرفُ مَنْ أَنا حتى تموت نيابةً عنِّي ؟ ستمضي القافِلَهْ جازاكَ ربُّكَ... سوف تمضي القافِلَهْ لا ’ ليس شعراً أن ترى قمراً ينَقِّطُ خارطهْ لا , ليس شعراً ان ترتِّب ذكرياتي الساقطَهْ فانهض على فَرَسِ الدُخانْ وارحلْ معي ’ من أَجل ِ أُمِّكْ... بيروت / عصراً: زَمَنٌ مضى لكنه لا ينتهي بيروت / فجراً : الشاعرُ افتُضِحَتْ قصيدتُهُ تماما وثلاثٌة خانوهُ: تموزٌ وإمرأةٌ وإيقاعٌ فَنَامَا.... لا يستطيع الصوتُ أن يعلو على الغارات في هذا المدى لكنهُ يُصغي لموجتِهِ الخصوصيَّهْ: موتٌ وحريَّهْ يصغي لموجتِه ويتفتحُ وقتَهُ لجنونِهِ من حقِّه أن يُجلس السأمَ الملازمَ فوق مائدةٍ ويشرب قهوةً مَعَهُ إذا ابتعد الندامى الشاعرُ افْتُضِحَتْ قصيدتُهُ تماما بيروتُ تخرجُ من قصيدتِهِ وتدخل خوذةَ المُحتلِّ’ مَن يُعطيه دهشتَه أَرُزَّاً أَو...سلاما الشاعرُ اُفْتُضِحَتَ قصيدتُهُ تماما في بيته بارودةٌ للصَّيْدِ , في أَضلاعه طَيْرٌ وفي الأشجارِ عُقْمٌ مالحُ لم يشهدِ الفصلَ الأخيرَ من المدينةِ. كُلُّ شيء واضحٌ منذ البدايةِ , واضحٌ أو واضحٌ أو واضحٌ وخليلُ حاويْ لا يريد الموتَ ’ رُغْمَاً عنهُ يُصغي لموجَتِهِ الخصوصيَّهْ موتٌ وحريَّهْ هو لا يريد الموتَ رغماً عنهُ فليفتحْ قصيدتَهُ ويذهبْ.. قبلَ أن يُغريه تموزٌ ’ وإمرأةٌ ’ وإيقاعٌ ....وناما الشاعرُ اُفْتُضِحَتْ قصيدتُهُ تماما بيروت / فجراً بيروت / ظهراً بيروت / ليلاً: يخرج الفاشيُّ من جسدِ الضحيَّهْ يرتدي فصلاً من البارود : أُقْتُلْ – كي تكونْ عشرين قرناً كان ينتظُر الجنونْ عشرين قرناً كان سفّاحاً مُعَمَّمْ عشرين قرناً كان يبكي.. كان يبكي كان يخفي سيفَهُ في دمعَتِهْ أَو كان يحشو بالدموع البندقيَّهْ عشرين قرناً كان ينتظر الفلسطينيَّ في طرف المخيَّمْ عشرين قرناً كان يعلَمْ أن البكاءَ سلاحُهُ صبرا – فتاةٌ نائمهْ رحل الرجالُ إلى الرحيلْ والحرب نامت ليلتين صغيرتين , وقدَّمَتْ بيروتُ طاعتها وصارتْ عاصمَهْ.... ليلٌ طويلٌ يرصدُ الأحلامَ في صبرا’ وصبرا نائمهْ صبرا بقايا الكفِّ في جسدٍ فتيلٍ ودِّعتْ فرسانها وزمانها واستسلماْ للنوم من تعبٍ ’ ومن عَرَبٍ رَمَوْها خلفهم صبرا – وما ينسى الجنودُ الراحلون من الجليلِ لا تشتري وتبيعُ إلاَّ صمتها من أجل وردٍ للضَّفيرهْ صبرا تغني نصفَها المفقودَ بين البحرِ والحربِ الأخيرهْ:
من نظام الرقِّ في روما إلى مَنْعِ الكحولِ وآفةِ الأحزاب في المُدُن الحديثةِ كَمْ سَنَهْ نحن البدايةُ والبدايةُ والبدايةُ . كم سَنَهْ وأَنا التَوَازُنُ بين ما يجبُ ؟ كُنَّا هناكَ ومن هنا ستهاجر العَرَبُ لعقيدةٍ أُخرى . وتغتربُ قَصَبٌ هياكلنا وعروشنا قَصَبُ في كُلَّ مئذَنَةٍ حاوٍ , ومغتصبُ يدعو لأندلس إنّ حُوصرتْ حَلَبُ وأَنا التوازُنُ بين مَنْ جاءوا ومن ذهبوا وأنا التوازُنُ بين مَنْ سَلَبُوا وَمَنْ سُلِبوا وأَنا التوازُنُ بين من صَمَدُوا وَمَنْ هربوا وأَنا التوازُنُ بين ما يَجِبُ: يجبُ الذهابُ إل اليسارْ يجبُ التوغُّلُ في اليمين يجبُ التمترسُ في الوسطْ يجبُ الدفاعُ عن الغلطْ يجبُ التشكُ بالمسارْ يجبُ الخروج من اليقينْ يجبُ انهيارُ الأنظمةْ يجب انتظارُ المحكمةْ ...وأنا أُحبك , سوف أحتاج الحقيقةَ عندما أَحتاج تصليح الخرائط والخططْ أَحتاجُ ما يجبُ يجبُ الذي يجبُ أَدعو لأندلسٍ إن حُوصرتْ حلَبُ بيروت / فجراً: يُطلق البحرُ الرصاصَ على النوافِذ . يفتح العصفورُ أُغنيةً مبكرةً . يُطّيرُ جارنا رَفَّ الحمام إلى الدخان . يموتُ مَنْ لا يستطيع الركض في الطرقات : قلبي قطعة من برتقال يابسٍ . أهدي إلى جاري الجريدةَ كي يفتِّش عن أقاربه. أُعزِّيه غداً أَمشي لأبحث عن كنوز الماء في قبو البنايةِ أَشتهي جسداً يضيءُ البارَ والغاباتِ . يا ((جيم )) اقتليني واقتليني واقتليني ! يدخل الطيران أفكاري ويقصفها... فيقيلُ تسعَ عشرةَ طفلةً. يتوقف العصفور عن إنشاده.... عاديَّةٌ ساعاتنا – عاديَّةٌ, لولا صهيل الجنس في ساقيك يا ((جيم)) الجنونْ والموتُ يأتينا بكل سلاحه الجويِّ والبريِّ والبحريِّ. ألفُ قذيفةٍ أُخرى ولا يتقدم الأعداء شبراً واحداً. ((جيم ))اجمعيني مرةً’ ما زلتُ حيَّاً – ألفُ شكرٍ للمصادفةِ السعيدة يبذل الرؤساء جهداً عند أمريكا لتُفْرِجَ عن مياه الشربِ كيف سنغسل الموتى؟ ويسأل صاحبي : وإذا استجابت للضغوطِ فهل سيفر موتنا عن : دولةٍ... أَم خيمةٍ؟ قلتُ : انتظرْ ! لا فرق بين الرايتينْ قلت : انتظر حتى تصب الطائراتُ جحيمها! يا فجرَ بيروتَ الطويلا عَجِّلْ قليلا عَجِّلْ لأعرفَ جيِّداً: إن كنتُ حيَّاً أم قتيلا. بيروت / ظهراً: يستمرُّ الفجرُ منذ الفجرِ تنكسر السماءُ على رغيف الخبزِ. يَنكسر الهواءُ على رؤوس الناسِ من عبءِ الدخانِ ولا جديد لدى العروبةِ : بعد شهرٍ يلتقي كُلُّ الملوكِ بكل أَنواعِ الملوكِ ’ من العقيدِ إلى العميد , ليبحثوا خطر اليهود على وجودِ الله أَمّا الآن فالأحوال هادئة تمتماً مثلما كانت . وإن الموتَ يأتينا بكل سلاحه الجويِّ والبريِّ والبحريِّ مليون انفجار في المدينة هيروشيما هيروشيما وحدنا نُصغي إل رعد الحجارة ’ هيروشيما وحدنا نُصغي لما في الروحِ من عبثٍ ومن جدوى وأمريكا على الأسوارِ تهدي كل طفل لعبةً للموتِ عنقوديَّةً يا هيروشيما العاشقِ العربي أَمريكا هي الطاعون , والطاعونُ أمريكا نعسنا . أَيقظتنا الطائرات وصوتُ أَمريكا وأَمريكا لأمريكا وهذا الأفق اسمنتٌ لوحشِ الجوِّ. نفتحُ علبةَ السردين , تقصفها المدافعُ نحتمي يستارةِ الشباك , تهتز البناية . تقفزُ الأبوابُ . أُمريكا وراء الباب أمريكا ونمشي في الشوارعِ باحثين عن السلامة, من سيدفننا إذا متنا ؟ عرايا نحن , لا أُفقٌ يُغَطينا ولا قبرٌ يوارينا ويا ... يا يومَ بيروتَ المكسَّرَ في الظهيرهْ عَجِّلْ قليلا عَجِّلْ قليلا عَجِّلْ لنعرف أَين صَرْخَتُنا الأخيرهْ بيروت / عصراً: تكثر الحشراتُ. تزدادُ الرطوبةُ ترتخي العضلاتُ نشعر أن للأرض احتفاناً في مفاصلنا فنصرخ : أيها البطل انكسِرْ فينا ! مساء / فوق بيروت: الرخامُ ينزُّ دماً , ويذبحني الحمامُ إلى مَنْ أَرفعُ الكلماتِ سَقفاً وهذي الأرضُ يحملُها الغمامُ ؟ ويرحل , حين يرحلُ ’ نحو تيهي أُحدِّقُ في المسدَّس ’ وهو ملقىَّ على طَرَفِ السرير ’ وأَشتهيهِ وينقذني’ وينقذني الكلامُ ظلامٌ كُلُّ ما حولي ... ظلامُ بيروت / ليلا : لا ظلامَ أَشدَّ من الظلامِ يُضيئني قَتْلي. أَمنْ حَجَرٍ يقُدُّون النُعاسَ؟ أَمِنْ مزاميرٍ يصكُّون السلاحَ؟ ضحيَّةٌقَتَلتْ ضحيَّتها وكانت لي هويَّتُها , أُنادي أشعيا : أخرج من الكتب القديمة مثلما خرجوا , أَزقَّةُ أورشليم تُعَلِّقُ اللحم الفلسطينيَّ فوق مطالع العهد القديم وتدّعي أن الضحية لم تُغيِّر جلدها يا أشعيا... لا تَرْثِ بل أُهْجُ المدينةَ كي أُحبك مَرَّتين وأُعلنَ التقوى وأَغفر لليهوديِّ الصبيِّ بكاءه.. اختلطتْ شخوصْ المسرح الدمويّ: لا قاضٍ سوى القتلى وكفُّ القاتل امتزجَتْ بأقوال الشهودِ, وأُدخل القتلى إلى ملكوت قاتلهم وتمَّتْ رشوةُ القاضي فأعطى وجهه للقاتل الباكي على شيء
سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ, سقط القناعُ لا إخوةٌ لك يا أَخي، أَصدقاءُ يا صديقي، لا قلاعُ لا الماءُ عندكَ, لا الدواء و لا السماء ولا الدماءُ ولا الشراعُ ولا الأمامُ ولا الوراءُ حاصِرْ حصَارَكَ... لا مفرُّ سقطتْ ذراعك فالتقطها واضرب عَدُوَّك ... لا مفرُّ وسقطتُ قربك، فالتقطني واضرب عدوكَ بي .. فأنت الآن حُرُّ حُرٌّ وحُرُّ... قتلاكَ، أو جرحاك فيك ذخيرةٌ فاضربْ بها . إضربْ عدوَّكَ...لا مَفَرُّ أَشلاؤنا أسماؤنا حاصرْ حصارَك بالجنونِ وبالجنونْ ذهبَ الذين تحبُّهم، ذهبوا فإمَّا أن تكونْ أَو لا تكونْ, سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ سقط القناعُ ولا أَحدْ إلاَّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيانِ, فاجعل كُلَّ متراسٍ بَلَدْ لا .. لا أَحَدْ سقط القناعُ عَرَبٌ أَطاعوا رُومَهم عَرَبٌ وبارعوا رُوْحَهُم عَرَبٌ.. وضاعوا سَقَطَ القناعُ والله غَمَّسَ باسمك البحريِّ أَسبوعَ الولادةِ واستراحَ الى الأَبَدْ كُنْ أنتَ. كُنْ حتى تكونْ ! لا ... لا أَحَدْ يا خالقي في هذه الساعاتِ من عَدَمٍ تَجَلَّ! لعلَّ لي حُلُماً لأَعْبدَهُ لَعَلَّ! علمتَني الأسماءَ لولا هذهِ الدولُ اللقيطةُ لم تكنْ بيروت رملا بيروت – كلا بيروت – صورتُنا بيروت – سورتُنا فإمَّا أَن نكونْ أَو لا تكونْ أنا لا أُحبُّكِ، كم أُحبُّكِ! غيمتانِ أنا وأنتِ, وحارسان يُتَوِّجان الانتباهَ بصرخةٍ, ويُمَدِّدان الليلَ حتى الليلَ الأخير. أَقول حين أَقولُ بيروتُ المدينةُ ليست امرأتي وبيروتُ المكانُ مُسَدَّسي الباقي وبيروتُ الزمانُ هُوِيَّةُ ((الآنِ)) المضَّرجِ بالدخانِ أنا أُحبكِ، كم أُحبكِ ! غمِّسي باسمي زهورَك وانثريها فوق من يمشي على جُثَثَي ليتسع السَّرايْ لا تسحبيني من بقاياكِ, اسحبيني من يديُّ ومن هوايْ ولا تلوميني، ولوكي مَنْ رآني سائراً كالعنكبوتِ على خطايْ هل كانَ من حقِّي النزولُ من البنفسجِ والتوهجُ في دمايْ؟ هل كان من حَقِّي عليكِ الموتُ فيكِ لكي تصيري مريماً وأصيرَ نايْ؟ هل كانَ من حقِّي الدفاعُ عن الأغاني وهي تلجأُ من زنازين الشعوب إلى خُطايْ هل كان لي أنْ أَطمئنّ إلى رؤايَ وأن أُصدِّق أنَّ لي قمراً تُكوِّرُهُ يدايْ؟ صَدَّقْتُ ما صَدَّقتُ ’ لكنِّي سأمشي في خُطايْ أنا لا أُحبُّكِ كَمْ أُحبُّكِ ’ كم أُحبُّكِ، كَمْ سَنَهْ أَعطيتني وأَخذتِ عمري. كَمْ سَنَهْ وأَنا أُسمِّيكِ الوداعَ، ولا أُودِّع غير نفسي . كم سَنَهْ لم تذكري قرطاجَ؟ هل كنا هواءَ مالحاً كي تفتحي رئتيكِ للماضي, وتبني هيكلَ القدسِ القديمةِ. كَمْ سَنَهْ وعدُوْكِ باللغةِ الجديدةِ واستعادوا الميتين مع الجريمةِ هل أَنا أَلِفٌ, وباءُ، للكتابِةَ أَمْ لتفجير الهياكلِ؟ كَمْ سَنَهْ كنا معاً طَوْقَ النجاةِ لقارَّةٍ محمولةٍ فوق السرابِ, ودفتر الاعراب؟ كَمْ عَرَبٌ أَتَوْك ليصبحوا غَرْباً وكَمْ غَرْبٌ أَتاكِ ليدخلَ الاسلامَ من الصلاة على النبيِّ, وسُنَّةِ النفطِ المُقَدّسِ؟ كَمْ سَنَة وأنا أَصدِقُ أُن لي أُمماً ستتبعني وأنكِ تكذبين على الطبيعة و المسدَّس ’ كَمْ سَنَهْ ! بيروت – منتصف اللغهْ بيروت – ومضةُ شهوتينْ بيروت – ما قال الفتى لفتاتِهِ والبحرُ يسمعُ, أَو يوزِّعُ صوتَهُ بين اليدينْ. أنا لا لا أَحبكِ غمَسي بدمي زهورَكِ وانثريها حول طائرةٍ تطاردُ عاشقينْ والبحرُ يسمعُ, أَو يوزِّع صوتَهُ بين اليدينْ. وأَنا أُحبكِ غَمِّسي بدمي زهوركِ وانثريها حول طائرةٍ تطاردني وتسمع ما يقول البحرُ لي بيروت لا تعطي لتأخذَ أَنت بيروتُ التي تعطي لتعطي ثم تسأم من ذراعيها ومن شَبَقِ المُحِبْ فبأيِّ إمرأةٍ سأُومنْ وبأيَّ شُبَّاك سأُومنْ مَنْ تُزَوِّجني ضفائرَها لأَشنق رغبتي وأَموت كالأُمم القديمة . كم سَنَهْ أغريتني بالمشي نحو بلاديَ الأولى وبالطيران تحت سمائيَ الأولى وباسمك كنتُ أَرفعُ خميتي للهاربين من التجارة والدعارة والحضارة كَمْ سَنَهْ كُنَا نَرُشُّ على ضحايانا كلام البرقِ: بعد هُنَيْهَةٍ سنكون ما كنا وما سنكونُ إمَّا أن نكون نهارك العالي وإمَّا أن نعود إلى البحيرات القديمة كَمْ سَنَهْ لم تسمعيني جَيِّداً لم تردعيني جيداً لم تحرميني من فواكهكِ الجميلةِ لم تقولي : حين يبتسم المخيَمُ تعبس المدن الكبيرة كم سَنَهْ قلنا معاً: أنا لا أَشاءُ , ولا تشائين. اتفقنا كُلُّنا في البحر ماءٌ . كم سَنَهْ كانت تُنَظِّمنا يَدُ الفوضى: تعبنا من نظامِ الغازِ, من مطرِ الأنابيب الرتيبِ , ومن صعودِ الكهرباء إلى الغُرَفْ... حريتي فوضاي. إني أَعترفْ وسأعترفْ بجميع أَخطائي , وما اقترفَ الفؤادُ من الأَماني ليس من حَقِّ العصافير الغناءُ على سرير النائمين , والإيديولوجيا مهنة البوليس في الدول القويةِ :
جَسَدٌ لأضربِ الظلالْ وعليك أن تمشي بلا طُرُقٍ وراءً، أو أماماً, أو جنوباً أو شمالْ وتحرِّكَ الخطواتِ بالميزانِ حين يشاءُ مَنْ وهبوك قيدَكْ ليزيِّنوك ويأخذوكَ إلى المعارض كي يرى الزُوِّار مجدَكْ كَمْ كنتَ وحدكْ ! هي هجرةٌ أُخرى... فلا تكتتب وصيتكَ الأخيرةَ والسلاما. سَقَطَ السقوطُ , وأنت تعلو فكرةً ويداً و...شاما! لا بَرَّ إلاّ ساعداكْ لا بحرَ إلاّ الغامضُ الكحليُّ فيكْ فتقمَّصِ الأشياء خطوتَك الحراما واسحبْ ظلالكَ عن بلاطِ الحاكمِ العربيِّ حتى لا يُعَلِّقها وساماً واكسرْ ظلالك كُلَّها كيلا يمدُّوها بساطاً أو ظلاما. كسروكَ , كم كسروكَ كي يقفوا على ساقيك عرشا وتقاسموك وأنكروك وخبَّأوك وأنشأوا ليديكَ جيشا حطُّوك في حجرٍ... وقالوا: لا تُسَلِّمْ ورموك في بئرٍ.. وقالوا : لا تُسَلِّمْ وأَطَلْتَ حربَكَ ’ يا ابن أُمِّي, ألف عامٍ ألف عامٍ في النهارِ فأنكروكَ لأنهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرارِ هم يسروقون الآن جلدكْ فاحذرْ ملامحهم...وغمدَكْ كم كنتَ وحدكَ ’ يا ابن أُمِّي, يا ابن أكثرَ مِنْ أَبٍ, كَمْ كُنْتَ وحدكْ ! والآن والأشياءُ سَيِّدَةٌ، وهذا الصمتُ عالٍ كالذبابهْ هل ندركُ المجهول فينا ؟ هل نُغَنِّي مثلما كنا نُغَنِّي؟ سقطتْ قلاعٌ قبلَ هذا اليومِ، لكن الهواء الآن حامضْ وحدي أدافع عن جدارٍ ليس لي وحدي أدافع عن هواءً ليس لي وحدي على سطح المدينة واقفٌ... أَيُّوبُ ماتَ, وماتتِ العنقاءُ، وانصرفَ الصَّحابَهْ وحدي . أراود نفسيَ الثكلى فتأبي أن تساعدني على نفسي ووحدي كنتُ وحدي عندما قاومت وحدي وحدةَ الروحِ الأخيرهْ لا تَذْكُرِ الموتى، فقد ماتوا فُرادى أَو.. عواصمْ سأراك في قلبي غداً, سأراك في قلبي وأجهشُ يا ابن أُمِّي باللُغَهْ لغةٍ تُفَتِّشُ عن بينها، عن أراضيها وراويها تموتُ ككُل مَنْ فيها وتُرمى في المعاجمْ هي آخرُ النَّخل الهزيلِ وساعةُ الصحراءِ، آخرُ ما يَدُلُّ على البقايا كانوا، ولكنْ كُنْتَ وحدك كم كنتَ وحدكَ تنتمي لقصيدتي، وتمدُّ زندكْ، كي تُحوِّلها سَلالِمَ، أو بلاداً، أو خواتمْ كَم كنتَ وحجكَ يا ابن أُمي يا ابن أَكثرَ من أَبٍ كَمْ كنتَ وحدكْ!.... والآن ’ والأشياءُ سَيِّدَةٌ, وهذا الصمت يأتينا سهاما هل ندركُ المجهولَ فينا . هل نغني مثلما كنا نغنيِّ؟ آه , يا دمنا الفضيحة, هل ستأتيهم غماما, هذه أُمم تَمرُّ وتطبخ الأزهار في دمنا وتزدادُ انقساما هذه أُممٌ تفتِّش عن إجازتها مِنَ الجَمَل الزخرفِ... هذه الصحراءُ تكبر حولنا صحراءُ من كل الجهاتْ صحراءُ تأتينا لتلتهم القصيدةَ والحساما الله أَكبرْ هذه آياتنا، فاقرأُ باسم الفدائيَّ الذي خَلَقَا مِن جُرْحِهِ شَفَقا باسم الفدائيَّ الذي يَرحَلْ من وقتِكم.. لندائِهِ الأوِّلْ الأوَّلِ الأوَّلْ سَنُدمِّرُ الهيكلْ باسم الفدائيِّ الذي يبدأْ إقرأْ بيروتُ صُورتُنا بيروتُ سورتُنا بيروتلا ظهري امام البحرِ أسوارٌ و.. لا قد أَخسرُ الدنيا .. نَغَمْ ! قد أَخسرُ الكلماتِ.... لكني أَقول الآن : لا هي آخر الطلقاتِ – لا. هي ما تبقَّى من هواء الأرضِ – لا هي ما تبقَّى من نشيجِ الروحِ – لا بيروت – لا نامي قليلاً، يا ابنتي، نامي قليلا الطائراتُ تضُّني. وتعضُّ ما في القلب من عَسَلٍ فنامي في طريق النحل ’ نامي قبل أن أصحو قتيلا الطائراتُ تطير من غُرَفٍ مجاورةٍ الى الحمَّام , فاضطجعي على درجات هذا السُّلّم الحجريِّ، انتبهي إذا اقتربتْ شظاياها كثيراً منكِ وارتجفي قليلا نامي قليلا كُنَّا نحبُّك’ يا ابنتي, كنا نَعُدُّ على أصابع كفِّك اليُسرى مسيرتَنا ونُنْقِصُها رحيلا نامي قليلا الطائراتُ تطيرُ، والأشجارُ تهوي، والمباني تخبز السُكَّانَ ’ فاختبئي بأُغنيتي الأخيرةِ، أو بطلقتيَ الأخيرةِ، يا ابنتي وتوسّديني كنتُ فحماً أَم نخيلا نامي قليلا وتَفَقَّدي أزهارَ جسمكِ، هل أُصيبتْ؟ واتركي كفِّي, وكأسَيْ شاينا, ودعي الغَسيلا نامي قليلا لو أَستطيع أَعدتُ ترتيب الطبيعةِ: ههنا صفصافةٌ... وهناك قلبي ههنا قَمَرُ التردُّد ههنا عصفورةٌ للانتباهِ هناكَ نافذةٌ تعلِمكِ الهديلَ وشارعٌ يرجوكِ أن تَبْقَي قليلا نامي قليلا كُنَّا نحبكِ، يا ابنتي, والآن، نعبدُ صمتَك العالي ونرفعهُ كنائس من بَتُوْلا هل كنتِ غاضبةً علينا، دون ان ندري.. وندري آهِ مِنّا ... آهِ ماذا لو خَمَشْنا صُرَّةَ الأُفقِ. قد يَخْمِشُ الغرقى يداً تمتدُّ كي تحمي من الغَرَقِ بيروت – لا ظهري أمام البحر أسوارٌ و....لا قد أَخسر الدنيا ’ نَعمْ, قد أَخسر الكلماتِ والذكرى ولكني أَقول الآن : لا هي آخرُ الطلقاتِلا. هي ما تبقَّى من هواء الأرض – لا هي ما تبقَّى من حطامِ الروحِ – لا بيروت – لا أَشلاؤنا أَسماؤنا. لا .. لا مَفَرُّ
بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. خريفُنا يدنو من الأبوابِ... بحرٌ للنشيدِ المرِّ. هيَّأنا لبيروتَ القصيدةَ كُلَّها. بحرٌ لمنتصفِ النهارِ بحرٌ لراياتِ الحمامِ, لظلِّنا ’ لسلاحنا الفرديِّ بحرٌ’ للزمانِ المستعارِ ليديكَ, كمْ من موجةٍ سرقتْ يديكَ من الإشارةِ وانتظاري ضَعْ شكلنا للبحرِ. ضَعْ كيسَ العواصفِ عند أول صخرةٍ واحملْ فراغَكَ...وانكساري ....واستطاعَ القلبُ أن يرمي لنافذةٍ تحيَّتهُ الأخيرةَ, واستطاع القلبُ أن يعوي, وأن يَعدَ البراري بالبكاء الحُرِّ... بَحْرٌ جاهزٌ من أجلنا دَعْ جسمك الدامي يُصَفِّق للخريفِ المُرِّ أجراساً. ستتَّسعُ الصحاري عمَّا قليلٍ , حين ينقضُّ الفضاء على خطاكَ, فرغتُ من شَغَفي ومن لهفي على الأحياء. أفرغتُ انفجاري من ضحاياك , استندتُ على جدارٍ ساقطٍ في شارعِ الزلزالِ , أَجْمَعُ صورتي من أجل موتكَ’ خُذْ بقاياكَ, اتخذني ساعداً في حضرة الأطلالِ.خُذْ قاموسَ ناري وانتصرْ في وردةٍ تُرمى عليكَ من الدموعِ ومن رغيفٍ يابسٍ, حافٍ, وعارِ وانتصرْ في آخر التاريخِ... لا تاريخَ إلا ما يؤرِّخه رحيلُكَ في انهياري قُلنا لبيروت القصيدةَ كُلَّها , قلنا لمنتصفِ النهارِ: بيروت قلعتنا بيروت دمعتُنا ومفتاحٌ لهذا البحر . كُنَّا نقطة التكوينِ , كنا وردةَ السور الطويل وما تبقَّى من جدارِ ماذا تبقَّى منكَ غيرُ قصيدةِ الروحِ المحلِّقِ في الدخان قيامةً وقيامةً بعد القيامةِ؟ خُذْ نُثاري وانتصرْ في ما يُمَزِّق قلبكَ العاري , ويجعلكَ انتشاراً للبذارِ قوساً يَلُمُّ الأرضَ من أطرافها.. جَرَساً لما ينساهُ سُكَّانُ القيامةِ من معانيكَ. انتصرْ, إنَّ الصليب مجالُك الحيويُّ’ مسراكَ الوحيدُ من الحصارِ إلى الحصارِ. بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. وأنتَ إيقاعُ الحديدِ تَدُقُّني سُحُباً على الصحراءِ, فلتمطرْ لأسحبَ هذه الأرضَ الصغيرة من إساري لا شيء يكسرنا , وتنكسر البلادُ على أصابعنا كفُخَّارٍ , وينكسرُ المسدِّسُ من تلهُّفِكَ. انتصرْ , هذا الصباحَ, ووحِّد الراياتِ والأممَ الحزينةَ والفصولَ بكُلِّ ما أوتيتَ من شبق الحياةِ’ بطلقةِ الطلقاتِ باللاشيء وحِّدنا بمعجزةٍ فلسطينيِّةٍ.... بيروت قصَّتُنا بيروت غصَّتنا وبيروت اختبارُ اللهِ . جرَّبناكَ جرَّبناكَ من أَعطاك هذا اللُّغز؟ من سَمَّاكَ؟ من أَعلاك فوق جراحنا ليراكَ؟ فاظهرْ مثل عنقاء الرماد من الدمارِ ! نَمْ يا حبيبي, ساعةً لنمُرَّ من أحلامك الأولى إلى عطش البحار إلى البحارِ. نَمْ ساعةً, نَمْ يا حبيبي ساعةً حتى تتوب المجدلَّيةُ مرةً أخرى’ ويتَّضحَ انتحاري نَمْ , يا حبيبي ’ ساعةً حتى يعود الرومُ, حتى نطردَ الحرَّاسَ عن أَسوار قلعتنا, وتنكسر الصواري. نَمْ ساعةً.نم يا حبيبي كي نصفِّق لاغتصاب نسائنا في شارع الشَّرف التِّجاري نَمْ يا حبيبي ساعةً, حتى نموتْ هيَ ساعةٌ لوضوحنا هيَ ساعةٌ لغموضِ ميلادِ النهارِ أتموتُ في بيروتلا تُولِمْ لبيروتَ الرغيفَ عليكَ أَن تجد انتظاري في أَناشيدِ التلاميذِ الصغارِ’ وفي فراري من حديقتنا الصغيرةِ في اتجاه البحرِ لا تُولِمْ لبيروتَ النبيذَ عليك أن ترمي غباري عن جبينكَ . أن تُدَثِّرني بما أَلِفَتْ يداك من الحجارةِ, أن تموت كما يموت الميتونَ, وأَن تنامَ إلى الأبدْ وإلى الأبدْ... لا شيء يطلعُ من مرايا البحرِ في هذا الحصارِ, عليكَ أن تجدَ الجسدْ في فكرة أُخرى’ وأن تجد البلدْ في جُثَّةٍ أخرى, وأن تجد انفجاري في مكان الانفجار... أينما وَلَّيْتَ وجهكَ: كلُّ شيء قابلٌ للانفجارِ, الآن بحرْ, الآن بحرٌ كُلُّهُ بحرٌ’ وَمَنْ لا بَرَّلَهْ لا بحرَ لَهْ والبحر صورتُنا فلا تذهبْ تماما هي هجرةٌ أخرى , فلا تذهبْ تماما في ماتفتَّحَ من ربيعِ الأرضِ , في ما فجَّر الطيرانُ فينا من ينابيعٍ . ولا تذهبْ تماما في شظايانا لتبحث عن نبيٍّ فيكَ ناما. هي هجرةٌ أُخرى إلى ما لستُ أَعرفُ... أَلفُ سَهْمٍ يكسرنا ومَنْ أَدمى جبين الله ’ يا ابنَ الله , سَمَّاهُ, وأَنزلهُ كتاباً أو غماما كمْ كُنْتَ وحدك , يا ابن أُمِّي, يا ابنَ أكثر من أبٍ, كم كُنْتَ وحدكْ القمحُ مُرُّ في حقول الآخرينْ والماءُ مالحْ والغيم فولاذٌ.وهذا النجمُ جارحْ وعليك أن تحيا وأن تحيا وأن تعطي مقابلَ حبَّةِ الزيتون جِلْدَكْ كَمْ كُنْتَ وحدكْ لاشيء يكسرنا ’ فلا تغرقْ تماما في ما تبقى من دمٍ فينا.. لِنَذْهبْ داخلَ الروحِ المحاصرِ بالشابهِ واليتامى يا ابن الهواء الصَلْبِ’ يا ابنَ اللفظةِ الأولى على الجزر القديمةِ, يا ابنَ سيدةِ البحيرات البعيدةِ ’ يا ابنَ من يحمي القُدامى من خطيئتهم , ويطبع فوقَ وجهِ الصَّخر برقاً أو حماما لحمي على الحيطان لحمُكَ ’ يا ابنَ أُمِّي