لمَ ترحلونَ
وتتركون نساءَكم في بطنِ ليلٍ من حديدِ ؟
لمَ ترحلونْ
وتعلِّقون مَسَاءَكُمْ
فوق المخَّيم والنشيدِ ؟
صبرا تُغَطِّي صدرها العاري بأُُغنية الوداعْ
وتَعُدُّ كفَّيها وتخطيءُ
حين لا تجد الذراعْ:
كَمْ مرةً ستسافرونْ
ولأيِّ حُلمْ؟
وإذا رجعتم ذات يومْ
فلأيِّ منفى ترجعونَ’
لأيِّ منفى ترجعونْ؟
صبرا – تُمَزِّق صدرها المكشوفَ :
كم مَرَّهْ
تتفتَّحُ الزهرهْ
كم مرَّةً
ستُسافر الثورهْ؟
صبرا تخافُ الليل . تسندهُ لرُكْبتها
تغطيهِ بكحلِ عيونها . تبكي لتُلْهيهِ:
رحلوا وما قالوا
شيئاً عن العودهْ
ذَبلوا وما مالوا
عن جمرةِ الوردهْ!
عادوا وما عادوا
لبداية الرحلهْ
والعمرُ أَولادُ
هربوا من القُبْلَهْ.
لا ’ ليس لي منفى
لأقول : لي وطنُ
الله ’ يا زَمَنُ....!
صبرا تنامُ . وخنجرُ الفاشيِّ يصحو
صبرا تنادي ... مَنْ تنادي
كُلُّ هذا الليلِ لي ’ والليلُ ملحُ
يقطع الفاشيُّ ثدييها – يقلُّ الليلُ
يرقص حول خنجرهِ ويلْعَقُهُ . يغني لانتصار الأرْزِ موالاً,
ويمحو
في هدوءٍ... في هدوءٍ لحمَها عن عَظْمِها
ويمدِّدُ الأعضاءَ فوق الطاولَهْ
ويواصل الفاشيُّ رقصَتَهُ ويضحك للعيون المائلَهْ
ويُجَنُّ من فرحٍ وصبرا لم تعد جسداً:
يُرَكِّبها كما شاءتْ غرائزهُ ’ وتصنعها مشيئتهُ
ويسرق خاتماً من لحمها ’ ويعودُ من دمها إلى مرآتِهِ
ويكونبحرُ
ويكون – برُّ
ويكون – غيمُ
ويكون دَمْ
ويكون – ليلُ
ويكون – قتلُ
ويكون – سبتُ
وتكون – صبرا
صبرا – تقاطُعُ شارعيْنِ على جَسَدْ
صبرا – نزولُ الروحِ في حَجَرٍ
وصبرا – لا أحدْ
صبرا هوية عصرنا حتى الأبدْ...
بيروت / أمسِ / الآنَ/ بعدَ غدٍ:
نشيدٌ للخريفِ
صُوَرٌ لما بعد النهارْ
وظلالُ إمرأةٍ غريبهْ
وطني حقيبهْ
وحقيبتي وطني
ولكن ... لا رصيفَ,
ولا جدارْ
لا أرضَ تحتي كي أموتَ كما أشاءُ’
ولا سماءْ
حولي
لأثقبَها وأدخلَ في خيام الأنبياءْ
ظهري إلى الحائطْ
الحائطِ / الساقطْ !
وطني حقيبهْ
وحقيبتي وَطَنُ الغَجَرْ
شعبٌ يُخَيِّمُ في الأغاني والدخانْ
شعبٌ يُفَتِّشُ عن مكانْ
بين الشظايت والمطْر
وجهي على الزهرهْ
الزهرة / الجمرهْ
وطني حقيبهْ
في الليل أفرشها سريرا
وأنامُ فبها ,
أخدعُ الفتياتِ فيها
أدفن الأحباب فيها
أرتضيها لي مصيرا
وأموتُ فيها
كَفِّي على النجمهْ
النجمةِ / الخيمهْ
وطني حقيبهْ
من جلدِ أحبابي
وأندلسَ القريبهْ
وطني على كتفي
بقايا الأرضِ في جسدِ العروبَهْ
قلبي على الصخرهْ
الصخرةِ / الحرَّهْ
يا أهلَ لبنانَ... الوداعا
شكراً لكُلِّ شجيرةٍ حَمَلَتْ دمي
لتضيءَ عيدَ الخبزِ ’
أو لتضيءَ للمحتلِّ وجهي كي يرى وجهي
ويرتديَ الخداعا
شكراً لكُلِّ سحابةٍ غَطِّتْ يديَّ
وَبَلَّلَتْ شفتيَّ ’
حتى أعطت الأعداء باباً ... أو قناعا
شكراً لكُلِّ مُسَدَّسٍ غطِّى رحيلي
بالأرُزِّ وبالزهور,
وكان يبكي أو يزغرد ما استطاعا
يا دمعةً هي ما تبقّى من بلادٍ
أُسندُ الذكرى عليها... والشُّعاعا
يا أهل لبنانَ الوداعا !
اليوم أكملتُ الرسالةَ فانشروني , إن أردتم ’ في القبائلِ توبةً
أو ذكرياتٍ
أو شراعا.
اليوم أكملتُ الرسالةَ فيكُمُ
فلتصفئوا لهبي , إذا شئتم ’ عن الدنيا’
وإنْ شئتمْ فزيدوهُ اندلاعا
أنا لي , كما شاءتْ خطايَ
حملتُ روحي فوق أيديكم فراشاتٍ,
وجسمي نرجساً فيكمْ,
وموتايَ اندفاعا
يا أَهْلَ لبنانَ... الوداعا
هذا دمي ’ ياأهْلَ لبنان ’ ارسموهْ
قمراً على ليلِ العَرَبْ.
هذا دمي – دمُكم خذوه ووزّعوهْ
شجراً رحيلي عن نوافذكم وعن قلبي انحتوهْ
حجراً على قبرِ العربْ
هذا بكاء رصاصنا , هذا يتيم زواجنا ’ فلترفعوهْ
سهراً على عُرس العربْ
هذا نشيجي مزِّقُوه وبعثروهْ
مطراً على أرضِ العربْ
هذا خروج أصابعي من كفِّكمْ
هذا فطام قصيدتي ’ فَلْتكتبوهْ
وتراً على طَرَب العربْ
هذا غبار طريقتنا , فلترفعوهْ
لهمو حصوناً ’ أو قلاعاً
يا أهْلَ لبنانَ الوداعا
سيجيئكم مَطَرٌ
ويغسلُ ما تركتُ على شوارعكم من الكلماتِ ,
يطردُ ما تركتُ على نوافذكم من الشهواتِ
يمحو ما لَمَسْتُ من الصَّنوبرِ في جبالِكُمُ
وينسيكمْ فتىِّ كسرَ الهواءَ على موائدكم قليلاً
أو أضاع يديهِ في أيديكم سَنَةً ’ وضاعا
يا أهْلَ لبنانَ... الوداعا
حدِّقتُ في كَفِّي
لأُبصرَ ما وراء البحرِ
تلك وسيلتي لتَبَصُّرِ الأشياءِ
بحرٌ , ثم بحرٌ ’ ثم بحرٌ
مَنْ رآني
عَدَّ أكفاني
وغطى جرحكم كي يشتري جبلاً
ويبتاعَ الصراعا
يا أهْلَ لبنانَ.... الوداعا
لا جوعَ في روحي ,
أكلتُ من الرغيف الفذِّ ما يكفي المسيرَ إلى نهايات الجهات.
عشاؤكم ليس الأخير
وليس فينا من تراجَعَ ’ أو تداعى
يا أهْلَ لبنان ... الوداعا
جَسَدانِ في تابوتِ هذا الشرق نحنُ
يزوِّودان المزوَدَ المنيَّ بالصرخاتِ’
نحن بشارة الميلادِ نحنُ