[ لا.. للهدية ]الهدية التي تهدى لأصحاب الحكم كثيراً ما يراد بها استمالة قلب الحاكم لكي يبطل بها الحق، أو يحق الباطل
ولذا كان التأكيد شديداً في الأحاديث الشريفة على تحاشي الحكّام والقضاة ومن بيدهم الحول والطول، والحل والعقد،
من قبول الهدايا. قطعاً لهذه الجذور التي تدع المجتمع غير آمن
من الظلم والحيف والإجحاف.
أورد العلاّمة المجلسي قدّس سرّه في (البحار) عن أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه في قول الله عزّ وجلّ: (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ):
قال صلوات الله عليه:
«هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته»
وأورد أيضاً عن جابر بن عبد الله قال:
«هدية الأمراء غلول»
ونقل الشيخ الأنصاري قدّس سرّه في (المكاسب) عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال:
«وإن أخذ ـ يعني الوالي ـ هدية كان غلولا»
وما ورد:
«إنّ هدايا العمّال غلول»
وفي حديث آخر:
«هدايا العمّال سحت»
والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان سيّداً في كل الفضائل، لذلك كان لايقبل الهدايا الشخصية لنفسه، كي لا يطمع فيه أحد، ولا يأمل أحد في إمكان استمالته صلوات الله عليه
وهو صلوات الله عليه يذكر واقعة واحدة أهدى فيها إليه شخص هديّة فردّها صلوات الله عليه، وهو يصيغ الموقف في هذه الصيغة الفولاذية التالية:
قال صلوات الله عليه في بعض خطبه ـ بعد ما ذكر قصّة عقيل وردّه صلوات الله عليه له ـ : «وأعجب
من ذلك طارق طرقنا بملفوفةٍ في وعائها، ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حيّة أو قيئها
فقلت: أصلة، أم زكاة، أم صدقة ؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت
فقال: لا ذا، ولا ذاك، ولكنها هدية
فقلت: هبلتك الهبول
أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟
أمختبط أنت ؟
أم ذو جنة ؟
أم تهجر؟
والله.. لو أعطيت الأقاليم السبعة ـ بما تحت أفلاكها ـ على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته
وإن دنياكم عندي لأهون
من ورقة في فم جرادة تقضمها» (١)
هكذا يعامل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه نفسه حتى لا يخافه مظلوم، ولا يطمع فيه ظالم وما دام الحق هو هكذا
و«علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه حيثما دار»
فلا غرو إذاً في مثل هذه الأساليب الشجاعة في تاريخ أمير المؤمنين صلوات الله عليه
فعلى الحكّام، والقضاة، والرؤساء أن يطبقوا سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في حياتهم الشخصية أوّلاً، لكي يأمن المجتمع
من الظلم والحيف، ثم يطبّقوا سيرته صلوات الله عليه في
السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية وما إليها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) نهج البلاغة ج٢ خ٢٢٤
من كتاب#السياسة_من_واقع_الإسلام#المرجع_الشيرازي#القناة_الرسمية_لمكتب_المرجع_السيد_صادق_الشيرازي_في_لبنان #للاشتراك_في_القناة_على_التلغرام https://t.center/AlShirazziChaneLibanon