نحن لا ننكر انتشار وسائل الفساد وقوة تأثيرها بعد الانفتاح الإعلامي وتطوّر وسائل الاتصالات وتقنياتها العالية، لكن مقتضى العدل الإلهي إنه كلما قويت شوكة الفساد والانحراف والضلال فإن سبل الإيمان وطاعة الله تبارك وتعالى تقوى بموازاتها بحيث تحصل حالة من التوازن وتكون حالة الاختيار والإرادة متعادلة بكلا الاتجاهين تطبيقاً لقوله تعالى: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) بل أن مقتضى اللطف والكرم الإلهيين ورحمة الله الواسعة زيادة وسائل الإيمان وأدواته وتحبيبه إلى القلوب وتزيينه إلى النفوس (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ).
الإسلام يريد أن يحوِّل الإنسان إلى كتلة من نور لا يستشعر السعادة إلا في عمل الله مهما كان يسيراً ، فهو يرفض وسائل اللهو ويُحرِّم الكثير منها، لأنها تشغل القلب وتهدر الوقت، هذا الوقت الذي هو رأس مال الإنسان وقيمته في هذه الحياة والذي هو عبارة عن أيامه ولياليه، فبهذا الرأسمال يكتسب الصديقون مكان الصديقين، وبهذا الوقت أو (الزمن) يكون الأولياء أولياءَ، والعلماء علماءَ، والعارفون عارفين، إذن الزمن عامل (بناء) والذي يصعد ويعرج إلى لقاء الله يصعد بهذه الأيام وبهذه الأسابيع.. هذا الذي جعله الله لعباده جميعاً، فأناس يستغلون الوقت للبناء والعروج إلى الله، وآخرون لا يعرفون ولا يعُون قيمة الوقت وأهميته، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا ابن آدم إنما أنت أيامك) وجاء في الحديث أن كل يوم يمر على ابن آدم يحاسبه: (أنا يوم جديد، وغداً عليك شهيد، افعل فيَّ خيراً تجد خيراً، فإنك لن تلقاني بعده أبداً) .
الذين في موقع يسعهم قضاء حوائج الناس ويقدرون عليها فلا يهتمون ويقصرون في إنجازها فقد خرجوا من ولاية الله تبارك وتعالى، ففي الحديث عن موسى بن جعفر (عليه السلام) (من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يُجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لم يَدَعْ رجلٌ معونةَ أخيه المسلم حتى يسعى فيها ويواسيه إلا ابتلي بمعونة من يأثم ولا يؤجر) .
إن العمل إذا حظي بالقبول والرضا من الله تبارك وتعالى فإنه لا حدود لعطائه ويزكيه وينميه حتى يكون مثل جبل أحد -كما في بعض الروايات- ويضرب الله تعالى لنا مثالاً لذلك قال تعالى: (مَثَلُ الذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنبَتَتْ سَبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلِةٍ مِئَةُ حَبّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .
على المؤمن أن يلتفت إلى #داء_الكِبَر ويتعهد نفسه بالتهذيب وقلبه بالتطهير، وإلا ساقته نفسه إلى الهلكة من حيث يشعر أو لا يشعر، والشيطان يعلم ذلك، لهذا فإن الكبر من أعظم وسائله للإغواء وأوسع مداخله لتحريك النفس الأمّارة بالسوء، قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): (فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبيّة، وأحقاد الجاهليّة،فإنّما تلك الحميّة تكون في المسلم من خطرات الشّيطان ونخواته، ونزغاته ونفثاته،واعتمدوا وضع التّذلّل على رءوسكم، وإلقاء التّعزّز تحت أقدامكم، وخلع التّكبّر من أعناقكم، واتّخذوا التّواضع مسلحة، بينكم وبين عدوّكم إبليس) .
الإنسان خُلِق من ضعف وهوان، وهو صائر إلى الضعف والهوان، فلا يليق به إلا التواضع واستشعار الذلة والفقر والحاجة إلى الرب الغني العزيز المقتدر، روى الإمام السجاد (عليه السلام) قال: (وقع بين سلمان الفارسي رحمه الله وبين رجل كلام وخصومة، فقال له الرجل: من أنت يا سلمان؟ فقال سلمان: أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخري وآخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة ووضعت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، ومن خف ميزانه فهو اللئيم) .
#جديد_المرجعية قبس من نور القرآن لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي -دام ظله- في الاية 56 من سورة غافر ({إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} داء التكبر: سوء عاقبته وأسباب علاجه)
#جديد_المرجعية كلمة جديده لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي -دام ظله- من نور القرآن/ بعنوان : ({إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56] داء التكبر: سوء عاقبته وأسباب علاجه)