إن الدين - من أفواه بعض الدعاة - مر المذاق كريه التناول: لأنهم يضيفون إليه من نفوسهم المعتلة ما تعافه الطباع السليمة، ولأمر ما يقول الله في كتابه: ﴿ قل يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل﴾ .
وهزائم الدين فى بيئات شتى ترجع إلى هذه الإضافات الأرضية لا إلى أصوله السماوية، وعلى المسلمين المعاصرين الالتفات إلى هذه الحقيقة وهم يتصورون دينهم ويصورونه للناس أن فتانين كثيرين انتشروا هنا وهنالك يتحدثون باسم الإسلام وبصرهم بحقائقه كلیل.
كثير من استحضار الخطاب الفقهي بمفاهيمه التعاقدية والقضائية في مسائل العلاقات والتعامل فيها كتلك التي بين الرجل وامرأته وجعل تلك النصوص مشاعًا للتراشق بين العامة -من نحو هل يجب علي أن أفعل لزوجي كذا- ترسخ أزمة الزواج ولا تحلها، وإنما الذين ينبغي أن يكون خطابًا عامًا هو معنى الإحسان والعشرة بالمعروف، وأما المفاصلة فلا تكون إلا عند التنازع الفردي، وتلك المفاصلة إن لم تكن شيئًا عارضًا ينتهي إلى الأصل الثابت الإحسان والمعروف فمآلها علاقة مؤذية إن ظلت قائمة ، أو انفصال..
إذا كان الإنسان الغربي قد اكتشف على مضض أن الأرض ليست مركز الكون، فسرعان ما عوّض عن هذا الإذلال النرجسي بأن جعل من ذاته ومن حضارته ومن قارته مركز الأرض.
ليه الخطابات المغرقة في السوداوية وقرب نهاية العالم والتكلم بها -بكثرة وبغير علمٍ وحكمة- مؤذية ومضرة؛ لأنها ببساطة تُقعِدُ كثيرًا من الناس عن العمل والفاعلية فيما بين أيديهم منتظرًا النهاية، والإنسان كدا كدا ضعيف العزم، بيتلصم… ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الحث على العمل ولو بشيء قليل وإن رأى الإنسان القيامة رأي العين وشهدها، ففي الحديث: إنْ قامتْ على أحدِكُم القِيامةُ، وفي يَدِه فَسيلةٌ فَليَغْرِسْها.
يحكى أن ملكًا كان لديه حمار يريد تعليمه القراءة والكتابة، وقد رصد جائزة عظيمة لمن يقوم بتلك المهمة الجليلة بالإضافة إلى التكفل بعيشه في رغدٍ بجوار الملك طوال مدة حمار الملك النبيه، ومن يفشل فجزاؤه الموت، فتقدم ناس وفشلوا فكان مصيرهم الجزاء الموعود...إلا أن حجا تقدّم إلى الملك النبيه رافعًا شعار أنا لها وأنا ابن بجدتها ومعلم حمارها، لكن لي شرطًا وهي أن تملهني أيها الملك مائة عامٍ أعيش في جوارك معلمًا حمارك حيث هي المدة الكافية لتعليم الحمير لما يستغرق ذلك من جهد وطول زمان، فوافق الملك.. ولما انصرفَ صاحبنا، سأله الناس عن خبره وما ادعاه من تعليم الحمار، ألا يخاف الجزاء! فأخبر رعية الملك مريد تعليم الحمار القراءةِ: أنه إما أن أموتَ أنا أو يموت الملك أو يموت الحمار..!! وهذا حال كثيرٍ من مستشرفي الأيام السود والحوادث العظام ونهاية العالم، والطحين العالمي؛ فإما أن يموت المستشرفُ أو ينسى السامع، أو تتكاثر الأحداثُ فينسى الناس..
بمناسبة ما يكثر بعض الناس من الحديث حوله من لجوء بعض النساء إلى المحاكم وأكل أموال الأزواج بالباطل وظلمهم إلى آخر ذلك الباب الذي لا ينكر أحد وقوعه؛ لكنك بالمقابل لن تعدم في محيطك من وقعت مع زوج ظالمٍ أمسكها ضرارا، أو طلقها ومنعها ما هو حق إما نفقة ولدٍ أو مالٍ لها جاءت به إلى بيته..وحيل الالتفاف حول القانون كثيرة..
● و أكثر العلماء و المتعلمين صوابا في كل مسألة، هو أحسنهم جمعا لما جاء في تلك المسألة، و أعدلهم بعد ذلك نظرا و ميزانا و حكما.*
● و لا أقول أكثرهم جمعا، و لكن أقول أحسنهم جمعا، فقد يجمع كثيرا، و لا يحسن، و يترك بعض ما يضره أن يعمى عنه، و يستكثر من ما لا ينفعه أن يزداد منه.*
● و لو أن رجلا جمع ألف كلمة من الصدق، ثم خلط معها كلمة واحدة من الكذب، و هو يحسب أنها من الصدق، لأضرت به تلك الكلمة، و أفسدت عليه كثيرا من ما كان معه من الصدق.*
● و شر الكذب أخفاه، و الكذب يخفى إذا أشبه الصدق، و إذا خُلِطَ بالصدق، و إذا كان ما معه من الصدق أكثر، كان ما فيه من الكذب أخفى.*
● و شر الكذب كذب الصالحين، و أوهام الثقات الأثبات المقدمين، فإنه يخفى، و يجادل عنه و عنهم كثير من الناس، و أكثر الكذب من الغفلة و ليس من الخيانة.*
● و الكذب القديم أخفى و أثبت، و هو الذي يضل به أكثر الناس، و تجتمع عليه أمم من الضالين.*
سعة الاطلاع والمعرفة والذكاء (محض ذلك) ليس قرينًا للنزاهة الأخلاقية، صحيح أن الدين يحضنا على التزام تلك النزاهة إما تحت مسمى الأخلاق العام أو تحت معنى خلقي العدل والصدق، لكن كسائر الأعمال المأمور بها قد لا يأتيها الإنسان، ويكون محسنًا في أبوابٍ أخرى.
ترسيخ أن معنى القوامة وأن للرجال عليهن درجة ومحاربة النسوية ليس معناه في الرايحة والجاية الحديث عن حق الرجل في تأديب امرأته وضربها، لأن دا لو تصورك عن القوامة وأنها محض دا، فهذا سفه وجهل بالشرع…ولا يؤتمن من كان هذا عقله على بنات الناس..
وبالمثل فالتي تظن أن الزوج لا حق له ولا مسؤولية عليها تجاهه، وأن عليه أن يحتمل سوء خلقها مطلقًا وقلة تربيتها، وأن من لا يفعل ذلك فلا يعرف معنى الرجولة إلى آخر الأكلشيهات السخيفة؛ فتلك سفيهة، ولتجلس في بيت أبيها أريح لها وللناس..
"- أنا لا أخاصم أحدا لكن أغير رتبته عندي. - كيف ؟ - لا أتواصل معه، لا أستجيب له، أغير مكانته عندي ولن تصبح كما كانت. لا أعطيه الوقت الذي كنت أعطيه له سابقاً. لا أفكر فيه ولا أعطيه اهتماماً كما كنت من قبل. وقد أغير حتى اسمه من الهاتف".
وبعد. أما مِن مخرَج لنا من هذا السجن الأيديولوجي المطبِق؟ أيكون فرضًا على كل مجدِّدٍ أن ينتظر تفريخ جيلٍ جديد حتى يجد له مؤيِّدين منذ البداية دون عَنَت؟ إن تقدمَ البشريةَ في كل مجال مرهونٌ بتراكم التفسيرات الأفضل للعِلَل الأساسية للمعلولات (الظواهر) الفيزيائية والبيولوجية والاجتماعية، وإن المجتمع الذي سيترك مناعتَه الأيديولوجية على رسوخها وتصلبها سوف يتخلف عن العالم ويدوسه رَكْبُ التقدم. إن مجرد إدراكنا لخطورة المناعة الأيديولوجية قمينٌ بأن يخفف من وطأتِها ويهَدِّئَ من شِرَّتِها، فالمعرفة قوةٌ محرِّرة. ومادامت الفكرةُ الجديدة مؤيَّدةً بالأدلة العلمية الصحيحة فإن من واجبنا، الفكري والأخلاقي، أن نثبط لها من جهاز مناعتنا الأيديولوجية ونتقبلها كتفسيرٍ أفضل للظاهرة. علينا أن نَعِي بجهاز مناعتِنا الأيديولوجية ونشدَّ به إلى حيز الشعور، فنحکمه ولا يحکمنا، ونملکه ولا یملکنا.
تهور الإنسان في نقد فكرة ما وظهور حيفه فيها وتصيده لقائلها يُضيِّع ما معه من حقٍّ يريد إيصاله وبيانه. وعلى أيِّ حالٍ؛ فعلى النَّاقدِ أن يعدِلَ في قوله ما أمكن ليُقْبَلَ منهُ، وعلى السامع أن يفيد من علمِ الناقدِ ولو لم يكن عادلًا في قولِه -عنده-.
كثير من اجترار أقوال السلف أو العلماء وأفعالهم في حياتهم العادية والاجتماعية يكون بغيرٍ فقه ودون مراعاة لاختلاف السياقات وعادات الناس، وإنما يفعله الناس بانتقائية للتدليل على فكرته التي يريد دعوة الناس إليها.
لوهلة خطر لي كتابة حاشية على هذا المنشور أزيده بيانًا لتيقني أن كثيرًا من الناس سيفهمه على غير وجهه ولن تصل له فكرتي التي أريد إيصالها.. لكن عزفت عن هذا؛ لأن من لم يكن مستعدًا بالقوة لتبين الأفكار؛ فلن يستفيد شيئًا مهما بينت لها وحله أن يترك للأيام تعلمه أو ما تعلموش..مش مهم.. فلسنا رؤساء مجلس إدارة الكون
والله يا جماعة في بيوت يتشارك فيه الزوجان الأمور ومستقرة والدنيا تمام.. والحقيقة الخطابات دي مثالية وفي بعض المجتمعات كالمجتمع المصري غير نافعة..طبعًا لا أتكلم عن تصدر المرأة في كل شيء وأن ينزع الرجل يده من كل أمر ويصدرها فيه.. لكن ما دامت تحسن التدبير وذات عقل حسن؛ فما المانع وما المؤثر على الاستقرار أن تتولى بعض الشئون تفويضًا ووزارة مما يصلح توليها له.. أما موضوع كل صغيرة وكبيرة لا تمر إلا تحت يده ويكون له علمٌ بها؛ وألا يتحرك ساكن أو يسكن متحرك إلا بعلمه ورقابته؛ فليس من عهد الكرم وحسن العشرة..