إنّ مما يمكن أن يُذكَر للشيخ الألباني رحمه الله أنّ له دورًا في النهضة الحديثية المعاصرة، وإنكار ذلك هو إنكار لواقع وتاريخ، فقد كاد علم الحديث أن يندرس، وحاله منذ أيام العثمانيين حتى الأزمنة الحديثة معلوم لأيّ عارف بتاريخ العلوم، وفي التسجيلين أعلاه؛ أولاً كلام للدكتور حمزة البكري أثناء محاضرته المفيدة عن الشخصية العلمية للشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله عن حال علم الحديث زمن العثمانيين حتى في مصر، وفي الثاني كلام للدكتور أحمد معبد عن تأخر تدريس مادة الأسانيد في الأزهر إلى وقت قريب لما جاء الدكتور أحمد الطيب رئيسًا للجامعة، وكلام الشيخ معبد قبل ست سنوات.
هذا الدور لم يتفرّد به الشيخ الألباني، فقد سبقه وعاصره آخرون ساهموا في النهضة الحديثية من اتجاهات مختلفة في المشرق العربي والمغرب والهند، إلا أنّ الإقرار بدوره ليس من باب العدل والإنصاف فحسب، ولكنه ضروري لمعرفة أسباب صعود الآخرين وأوجه القصور الذاتي، فليس كلّ شيء يُعزى للتمويل ودعم الدول، ولا كلُ فضيلة يمكن طمسها باتهام أصحابها بالانقطاع والشذوذ، بل ثمّة ضعف في المدارس التقليدية فسح المجال لظهور مدارس أخرى.
فالألباني كان رجلاً مثابرًا عصاميًا، والكثير من المشاريع العلمية التي يقوم عليها سلفيون هي مشاريع مهمة وتفضلت بإخراج ما لم يلتفت إليه غيرهم من كتب الحديث والفقه، بل والتفسير والقراءات، وأنشؤوا مراكز ومؤسسات تقوم على ذلك، ومجازفات بعض السلفيين في إخراج كتب التراث لا ينفي أنّها لم تخرج إلا بواسطتهم، وقول هذا ليس فيه تزكية لمنهج ولا إنكار للآثار السلبية للتيار السلفي عمومًا، وإنما القصد من ذلك؛ أنّ من ساءه صعود غيره، فلينافسه في العمل، ولا يكتفي بالنقد، فكيف إن كان بعض النقد ثلبًا غير صادق، ومن شخصيات أحيانًا لا تتسم بالنزاهة.