لا أبالغ إن قلت إن هذين الكتابين هما أفضَلا الكتب المؤلفة حديثا في السيرة النبوية؛ إذ إن الأهم في دراسة السيرة النبوية ليس هو مجرد معرفة الأحداث والأخبار على نحو السرد والحكاية- وإن كان هذا مهما ومفيدا بل ولابد منه في البداية - ولكن الأهم هو إعمال قانون النظر والتحليل واستجلاب الدروس المستفادة والتوغل في نقد الروايات التاريخية وترجيح بعضها على بعض بالمنهج العلمي المعتبر، وهذا بعينه ما سلكه الشيخ محمد الصادق عرجون - رحمه الله- في كتابه" محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهج ورسالة بحث وتحقيق" وهو المأمول في كتاب شبلي النعماني، بل أقطع أنه سيكون أوفَى من كتاب الشيخ الصادق عرجون؛ لِما عُرف من سوابق مؤلفات الشيخ من الدقة وبُعد النظر في التحليل وبذل الغاية في الاستقصاء.
لا أظن أن المهتم بالسيرة النبوية يحتاج إلى كتابٍ آخر بعد هاتين الموسوعتين الفريدتين.
الموضوع بسيط ولستُ معترضًا على رسالة السيد الشرع. وإنما الأمر وما فيه أنني، كما في التعليقات، حاولت القول إنّ المبادئ الأخلاقية لا يمكن إنزالها على الواقع بالمطابقة الكاملة، وإنما يُسدد المرء ويُقارب في حدود استطاعته والإكراهات المفروضة عليه، لاسيما في حقل العلاقات السياسية واحتياجات الجماعات البشرية الضخمة، وهو أمر كنّا نحاول قوله طوال السنوات الماضية، حتى يعذر المستضعفون بعضهم، ولا تتحوّل قضاياهم إلى قضايا متنافرة لوجود بعض التناقضات الجزئية في واقع يفرض نفسه، وحتى لا تتحول الأخلاق إلى مزايدات أو أدوات لمصادرة خيارات الآخرين.
وأمّا الرسالة فهي صحيحة طبعًا.. وإن اتهمني أحدهم إني جايبها من مواقع "الحزب الي عاجبني". بس شو الحزب الي عاجبني؟! مش عارف :)
وعشان انفتح موضوع السلفية والأشعرية.. الإحيائية الأشعرية في فلسطين أيضًا لها حضور مستجد منذ أكثر من عشر سنوات.. والكتب التي تصدر عن الدور التي لها اهتمام بالتراث الأشعري والصوفي والفقهي المذهبي لكتبها رواج ولها طلاب. وبعض الأصدقاء لديه تجربة بيع كتب هذا الاتجاه حصرًا، تقريبًا، وتجربته ناجحة.
ذكرتني بعض التعليقات كذلك، أن من الكتب المطلوبة بحسب ما أخبرني البائع: 1. الروايات والكتب التي تتحدث عن السجون السورية زمن النظام الساقط. 2. رواية أبي إبراهيم رحمه الله. وهي غير متوفرة ورقيًّا بالتأكيد عندنا، ولكن القراء يسألون عنها بكثرة.
اليوم سألت صديق بائع في مكتبة، عن اتجاهات القراء بعد الحرب، فذكر لي بالترتيب:
1. روايات الرعب. ويبدو أنها موجة سائدة في البلاد العربية عمومًا. 2. كتب الطاقة، مثل خرافات طاقة الجذب، وما شابه. 3. كتب الشيخ ابن تيمية. 4. كتب ابن الجوزي. 5. كتب الشيخ ابن عثيمين.
وذكر لي تراجع الاهتمام بكتب الفلسفة.
*والمكتبة متنوعة جدًّا وليست مختصة بموضوعات محددة أو بتيار بعينه.
* لذلك الناس المستعجلة دائمًا بالتبشير بنهايات الأشباء بتكون غلطانة دائمًا. :) خاصة في عالمنا العربي.
في غمرة الصراع مع العدوّ، وفي قلب التحولات التي طرأت على القضية الفلسطينية، تُعَلِّمنا التجربة في جانب الحلم والصبر والأناة، مدافعة نزعات المزايدة ومصادرة حقّ الآخرين في الكلام والتخفّف من غلواء الخصومات الشخصية.
وذلك لأنّه لا مأمن لفلسطيني من دفع ثمن هذا العدوّ، ولا يُستبعد على مُنعَّم مُرتاح أن يكون في طليعة دافعي الثمن لاحقًا، ولاسيما في الأطر التي يَعرِف منتسبوها أنّ مجرد الانحياز علاوة على الانتماء قد يكون ثمنه فادحًا في وقت من الأوقات.
وقد رأينا أصدقاء كانوا مرتاحين في التنظير الثوري، لا يُلاحقهم أحد ولا يُحاصَرُ شيء في حياتهم، ولم تَطرُق الأيدي الآثمة أبواب بيوتهم يومًا؛ عادوا وصارت فعالهم الأكثر تصديقًا لأقوالهم، ولولا الحرج لضربتُ أمثلة ممن صارت لهم شهرة بين الناس ومعرفة وبعضهم قضى على طريقه إلى ربه.
وعرفنا شخصيات جمعتنا بها الخصومة العميقة، والتحسس الشخصي، فاختلط التقييم الموضوعي بالبعد الذاتي، ولكنّ الخاتمة المشرّفة، جعلت ما مضى هيّنًا في جنب ما قضوا عليه، وتبدّا لنا بعض من الخطأ في تقييمنا ونظرتنا لهم، وكذلك لم تكن نظرتهم لنا تخلو من ظلم، ولكن المسارات والمآلات فوق الضغائن التي تبقى صغيرة مهما كانت مُحقّة.
وبعض من كان الأكثر مرونة ومهادنة انتهى به الحال ليكون الأكثر صلابة وبذلاً وعطاء وإقدامًا.
فمن كانت هذه تجربته، وهذه استفادته منها، لن ينتقص من غيره لكونه دونه في الإقدام، ليس فقط لأنّه لا ينبغي لأحد المنّ بما يفعل، ولكن أيضًا لأننا جميعًا لا نعلم خواتيمنا، ومن كانت هذه تجربته لن ينصّب نفسه ناطقًا باسم الضحايا الذين لم يشاركهم معاناتهم؛ ليصادر على غيره حقّه في الكلام بدعوى أنّه يتحدث عمّا لا يدفع ثمنه، وهذه مزايدة أرخص من سابقتها، إذ يستوي المزايد بمن يزايد عليه، ومع ذلك يمنح نفسه حقًا ليس مستفادًا من المعاناة الشخصية، وإنما قصده مصادرة آراء الآخرين بدعوى الحساسية الأخلاقية.
لا شيء يمحو من قلبي الأصوات والصور التي رجوت لأصحابها أن يتنفسوا هواء هذا اليوم.. وكم كان مؤلمًا رحيل بعضهم آخر الحرب. لكن الرجاء في الله تعالى أن يكون اختارهم لمكان أحسن ونعيم مقيم وراحة أبديّة.
لا يجدر بالواحد منّا إلا أنْ يتوارى في ظلّ الغزيين، شهيدهم، وجريحهم، ونازحهم، ومقاتلهم.. رحم الله شهداءهم، وجبر خاطرهم، وما عند الله خير وأبقى، وحقهم في رقبة الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم لا يمكن سداده.. وستبقى البشرية مدينة لهم إلى قيام الساعة.