فالقرآن قد أنشأَ العربَ نشأةً مُستَأنفةً، وخلَقهم خلقاً جديداً، وأخرجَهم من جزيرتهم والسَّيفُ في إحدى اليدين والكتابُ في الأخرى يفتحون ويسودون، ويتمكَّنون في الأرض بطولها وعرضها.
لا شكّ أنّ هناك من لا يتمكّن من التخلّص من اهتماماته التافهة حتى في خضمّ هذه الأوضاع المؤسفة التي يمرّ فيها عالمنا العربي، حيث تقام المجازر للمسلمين في فلسطين والسودان وسوريا وغيرها كل يوم، لكن يا أخي ويا أختي على الأقل تذمّموا قليلا ولا تبثّوا تفاهاتكم التي تزاحم أخبار الضحايا وصور الأطفال الممزّقة أجسادهم!
إنْ لم تكن هذه الأحداث بمنزلة صحوة لكثير منّا لنتخلّص ممّا تبقّى لدينا من اهتمامات تافهة وإضاعة للأعمار وتقصير في الواجبات الشرعية فمتى نصحو؟!
وإني والله لأخاطب نفسي قبل كل أحد، وأرجو أن تؤخذ هذه الرسالة على محمل الجدّ، من قلب رجل مقصّر في حقّ ربّه وحقّ أمّته وحقّ نفسه، ويرجو لقلبه أن يفيق كما يرجو لقلوب المسلمين.
إذا كنت تعتذر عن عدم الإنجاز: - في شبابك: بالشهوات الصارفة، - وبعد الزواج: بالمسؤوليات المقيِّدة، - وفي الهرم: بالأمراض المرهقة؛ فمتى تحقق لنفسك وأمتك ما ترضي به ربك؟ لا تستر عجزك بالأعذار، فإنها لا تفارقك.. ولا تغلّف ضعف همتك بالمسوغات، فإنها لا تنفعك.. ولكن قارع بحزمك الأهوال، وادفع بعزمك المُحال، فالعمر أقصر من أن تقضيه في الاعتذار عن الفشل!
«...وهكذا أقبلت أفواج الذئاب من كل ناحية لتعيث فسادا فى قطيع لا راعى له.. إن الإسلام يمر بأسوأ محنة عرضت له خلال تاريخه كله، وليس أعجب من تجمع أعدائه عليه إلا ذهول أتباعه، واحتباسهم فى مآربهم، أو انشغالهم بقضايا لا تسمن ولا تغنى من جوع....».
— الشيخ محمد الغزالي رحمه الله. من كتابه: سر تأخر العرب والمسلمين