إفشاءُ الأسرار العسكريّة لدولة الإسلام وللمجاهدين بشكل عام هو من الكبائر لما فيه من مخاطر قد تؤدِّي إلى قتل النُّفوس وإباحة الممتلكات، ناهيك عن الهزيمة لجيوش المسلمين وسقوط دولتهم.
وبهذا اللحاظ وردت الأدلَّة الشّرعيّة الّتي تُربّي الفرد والجماعة على الكتمان.
إنَّ كتمان الأسرار العسكريّة هي من الأخلاق العمليّة، التي ينبغي أن تتملَّك شخصيّة المجاهدين، لموقعهم الحسَّاس والخطر، والخطأ الّذي يُرتكب هو الأوَّل والأخير، والنَّتيجة ستكون في غاية الخطورة عندئذ ومن ورائها خسارات كبرى لا تُعوَّض، من قتلٍ وأسرٍ واحتلال مواقع. وقد تؤدِّي الأمور إلى هزيمة الجيش بكامله، كما حدث في معركة أحد، وقد تؤدِّي إلى سقوط دولة الإسلام بكاملها.
إنَّ المجاهد أمام مسؤوليَّةٍ كبرى وبين يديه أمانةُ إخوانه المقاتلين، وأمانة الأمّة التي سلَّمته ظهرها ليحرسها ويحفظ حدودها.
إنّ أيَّ إذاعة للسّرّ تُرتكب ولو من دون قصدٍ تُعتبر خيانة كما في الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام: "الإذاعة خيانة"[7].
ولا يمكن أن يجتمع جهاد في سبيل الله وخيانة، وهو أشبه باجتماع النَّقيضين، فإنّ المجاهد يبذل دمه في سبيل الوطن والأمّة، والإذاعة للأسرار العسكريّة هو إباحة الوطن والأمة للأعداء،
ومن هنا غلَّظ الإمام عليّ عليه السلام الوصف بقوله: "من أقبح الغدر إذاعة السِّرّ"[8].
[1] الشيخ علي النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج7، ص436، تحقيق وتصحيح: الشيخ حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، لا.مط، لا.ط، 1418. [2] الآمدي، تصنيف غرر الحكم، ص320. [3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص71. [4] الآمدي، تصنيف غرر الحكم، ص320. [5] سورة آل عمران، الآية 112. [6] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص371. [7] الواسطيّ، عيون المواعظ والحكم، ص 37. [8] الآمدي، غرر الحكم، ص 223.
حفظ السرّ هو من الخصال الإلهيّة، ومن أوصاف المؤمنين الكاملين، وعلامة العقل ومنبع الخيرات. الإنسان الذي يحفظ السرّ وفيّ وأمين،
وهو يحفظ منزلته بحفظ الأسرار، وهو يحترم أعراض ونواميس الآخرين. من هذه الجهة يؤكّد الإسلام على حفظ الأسرار،
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "جمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السرّ"[1].
ويقول عليه السلام في مكان آخر: "كن بأسرارك بخيلاً"[2].
✍️إنّ دور حفظ الأسرار في حياة الإنسان حيويّ، بمنزلة دمه الذي يجري في عروقه: "سرّك من دمك، فلا يجرينّ من غير أوداجك"[3].
🔻يستفاد من هذا الحديث الشريف أنّه كما إنّ جريان الدم في البدن موجب لاستمرار الحياة،
فإذا أُريق إلى الخارج أدّى بالإنسان إلى الموت، فإنّ أسرار الإنسان أيضاً كذلك، إذا خرجت وسارت في غير مجراها الطبيعي، فإنّ حياة الإنسان ستتزلزل وستكون عرضة للخطر الجديّ.
وقد لاحظتم أنَّ سبعة منها مأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) والأول نسبه إلى كتاب المختصر من المنتخب
وأنا لا أعلم بهويَّة مؤلِّف هذا الكتاب إلا أنَّ الذي يظهر من بعض إحالات ابن طاووس على كتابه أنَّه من علماء الإماميَّة،
فقد نقل عنه في الإقبال زيارة وارث المشهورة قال: "فقال ما هذا لفظه: ثم تتأهب للزيارة فتبدئ فتغتسل وتلبس ثوبين طاهرين وتمشي حافيا إلى فوق سطحك أو فضاء من الأرض، ثم تستقبل القبلة فتقول: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله .."16،
وهذا ما يكشف عن أنَّ صاحب كتاب المختصر من المنتخب من علماء الإماميَّة 17.
1. فضائل الأشهر الثلاثة -الصدوق- ص19، الأمالي -الصدوق- ص65، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج10 / ص475.
2. فضائل الأشهر الثلاثة -الصدوق- ص17، الأمالي -الصدوق- ص60.
3. وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج11 / ص253.
4. وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص301. 5. وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص303. 6. وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص466.
7. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص200. 8. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص201.
9. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص208. 10. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص209. 11. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص210.
12. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص210، 211. 13. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص211، 214. 14. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص214، 215. 15. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص215، 216.
16. إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص70. 17. المصدر: موقع سماحة الشيخ محمد صنقور حفظه الله.
الخامس: يبدأ بقوله (ع) "يا من أرجوه لكل خير .." وقد أورده بسند ينتهي إلى محمد بن سنان عن محمد السجاد في حديث طويل،
قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلتُ فداك هذا رجب علِّمني فيه دعاء ينفعني اللهُ به، قال: فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وقل في كلِّ يومٍ من رجب صباحًا ومساءً وفي أعقاب صلواتِك في يومك وليلتك: "يا من أرجوه لكل خير .."12.
دعاء: "اللهم يا ذا المن السابغة"
السادس: يبدأ بقوله (ع): "اللهم يا ذا المن السابغة .."
وقد أورده بسنده إلى جدِّه أبي جعفر الطوسي (رحمه الله) وقال: وهو مما ذكره في المصباح بغير أسناد، ووجدتُه في أواخر كتاب معالم الدين مرويًا عن مولانا الإمام الحجَّةِ المهدي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين .. وهذا لفظ دعائه (عليه السلام): "اللهم يا ذا المن السابغة .."13.
دعاء: "اللهم إني أسألك بمعاني جميع .."
السابع: يبدأ بقوله (ع): "اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك .." وقد أورده بسنده عن جدِّه أبي جعفر الطوسي (رضي الله عنه) فقال: أخبرني جماعة عن ابن عياش قال: ممَّا خرج على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) من الناحية المقدسة ما حدثني به خير بن عبد الله قال:
كتبته من التوقيع الخارج إليه: بسم الله الرحمن الرحيم ادعُ في كلِّ يومٍ من أيام رجب: "اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك .."14.
دعاء: "اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب" الثامن: يبدأ بقوله (ع): "اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب .."
أورده بسنده عن جدِّه أبي جعفر الطوسي (قدس الله روحه)، فقال: قال ابن عياش: وخرج إلى أهلي على يد الشيخ أبي القاسم -السفير الثالث- رضي الله عنه في مقامه عندهم هذا الدعاء في أيام رجب: "اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب .."15.
هذه هي مجمل الأدعية التي أوردها السيد ابن طاووس في الإقبال تحت عنوان (فيما نذكره من الدعوات في أول يوم من رجب وفي كلِّ يوم منه)
وللتثبُّت ممَّا ذكرناه نُشير إلى مجموع الأدعية التي أوردها السيِّد ابن طاووس في كتاب الإقبال في الفصل الثالث والعشرين تحت عنوان (فيما نذكره من الدعوات في أول يوم من رجب وفي كل يوم منه)7 فقد أورد فيه ثمانية أدعية:
دعاء: "اللهم إني أسألك يا الله ..":
الأول: يبدأ "اللهم إني أسألك يا الله يا الله يا الله" وقد نقله -كما أفاد- من كتاب المختصر من المنتخب 8.
دعاء: "يا من يملك حوائج السائلين" الثاني: يبدأ بقوله (ع): "يا من يملك حوائج السائلين .." وقد أورده بسند ينتهي إلى أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يدعو في الحجر في غرة رجب في سنة ابن الزبير، فانصتُ إليه، وكان يقول: "يا من يملك حوائج السائلين .."9.
دعاء: "خاب الوافدون على غيرك":
الثالث: يبدأ بقوله (ع): "خاب الوافدون على غيرك .." وقد أورده بسند ينتهي إلى عبد الله بن مسكان، عن أبي معشر، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه كان إذا دخل رجب يدعو بهذا الدعاء في كل يوم من أيامه: خاب الوافدون على غيرك .."10.
دعاء: "اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك"
الرابع: يبدأ بقوله (ع): "اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك .." وقد أورده بسند ينتهي إلى يونس بن ظبيان قال: كنت عند مولاي أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل علينا المعلَّى بن خنيس في رجب فتذاكروا الدعاء فيه، فقال المعلَّي: يا سيدي علِّمني دعاءً يجمع كلَّ ما أودعته الشيعة في كتبِها فقال: قل يا معلَّى: "اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك .."11.
ومن أعمال شهر رجب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) واستحبابُها بالخصوص ثابتٌ كما هو مقتضى مثل صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألتُ أبا الحسن الرضا (عليه السلام) في أي شهرٍ تزورُ الحسين (عليه السلام)؟
قال: في النصف من رجب والنصف من شعبان"6.
فهذه هي أهم أعمال شهر رجب وقد اتَّضح ممَّا أوجزناه استحبابُها في الجملة، فدعوى نفي استحبابها بنحو الإطلاق مجازفة لا تليق، وأمَّا الأدعية المخصوصة بشهر رجب فأكثرُها مأثورة عن أهل البيت (عليهم السّلام) وقد أوردها المحدِّثون في مصنَّفاتهم مسندةً أو مرسلةً عن أهل البيت (عليهم السلام)،
فدعوى أنَّها متأثرة بالمتصوِّفة أو هي واردة من طرق العامة بما يوحي أنَّ أكثرها جاء من أحد هذين المصدرين هذه الدعوى لا أساس لها
وهي من الطعن غيرِ المبرَّر في المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام)،
نعم قد يتَّفق أنَّ بعض الأدعية منتهية إلى طرق العامَّة أو هي من تأليف بعض العلماء إلا أنَّه مضافًا إلى كونها محدودة فإنَّ الوارد من طُرق العامَّة لا يخفى إذ ينسبُها المصنِّفون إلى طرقِها
وأمَّا الأدعية المخترعة فإنَّها لا تُنسب إلى أهل البيت (عليهم السلام) فإما أنْ ينسبها مخترعُها إلى نفسه أو لا ينسبها إلى أحد،
وهذه الطريقة هي التي جرى عليها السيِّد ابن طاووس في مصنَّفاته، فالتشكيك فيما نَسبه السيِّدُ ابن طاووس إلى المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام) وادِّعاء أنَّه قد أخذه من كتب المتصوِّفة أو كتب العامة يُعدُّ من الطعن في أمانة السيد ابن طاووس (رحمه الله)
حيث إنَّه ينسب الأدعية إلى المأثور عن أهل البيت (عليهم السّلام) والحال أنَّه قد اخترعها أو أخذها من المتصوِّفة أو كتب العامة!!.
نعم قد ينقل بعض الأدعية عن هذه الكتب ولكنَّه ينسبها إلى أهلها كما أنَّ الأدعية التي اخترعها كان ينصُّ على أنَّه قد اخترعها.
ومن هذه الموثقة والتي قبلها تتَّضح جزافيَّة دعوى أنَّ أعمال رجب كلُّها لم يثبت استحبابها، فهذا هو الصيام الذي هو مِن أبرز أعمال شهر رجب واستحبابُه بالخصوص ثابتٌ بلا ريب بهاتين المعتبرتين وغيرهما من الروايات المستفيضة.
🔰تأكُد استحباب عمرة رجب:
✍️ومن أعمال شهر رجب العمرة الرجبيَّة، واستحبابُها بالخصوص ثابتٌ دون أدنى شك، فقد نصَّت على ذلك رواياتٌ معتبرة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال له: ما أفضل ما حج الناس؟
قال: عمرة في رجب وحجَّة مفردة في عامها"3.
وصحيحة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه سُئل أيُّ العمرة أفضل عمرةٌ في رجب أو عمرةٌ في شهر رمضان؟ فقال: لا بل عمرةٌ في رجب أفضل"4.
وصحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء، وأفضل العمرة عمرة رجب"5.