ومن ذلك أن الشافعي كفّر حفصا الفرد بعد المناظرة ووضوح الحجة وقيامها عليه.
ألا ترى تقرير ابن أبي عاصم في السنة: «ومن قال: مخلوق، ممن قامت عليه الحجة فكافر بالله العظيم، ومن قال من قبل أن تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه».
(فلا شيء عليه) لأن القول ليس في ذاته كفرا، فالحجة هنا: بيان اللازم الكفري وتحقيقه للقائل بالملزوم حتى يكون في حكم الالتزام.*
وأما الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) رحمه الله فقد كان يهاب في أول الأمر الكلام في المسألة، ولما خاض الناس فيها وانتشر كلامهم هاب أن يقال: كافر كما رواه الخلال بأسانيده وابن بطة في الكبرى.
ومما روي أنه قال: «كنا نأمر بالسكوت، ونترك الخوض في الكلام، وفي القرآن، فلما دعينا إلى أمر ما كان بدا لنا من أن ندفع ذاك ونبين من أمره ما ينبغي»
«قد كنّا نهاب الكلام في هذا حتى أحدث هؤلاء ما أحدثوا، وقالوا ما قالوا، دعوا الناس إلى ما دعوهم إليه فبان لنا أمرهم، وهو الكفر بالله العظيم»، «إن كلّ يوم ازداد في القوم بصيرة»، وسأله يعقوب بن بختان عمن قال: القرآن مخلوق؟ فأجاب أحمد: «كنت أهاب أن أقول كافر، فرأيت قول الله: ﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم﴾».
وفي جوابه عن سؤال ابن الدورقي: «قد كنا نهاب الكلام في هذا، ثم بان لنا الحكم، يقول الله في كتابه ﴿فمن حاجّك﴾».
وقال الإمام الدارمي: «
وكذلك قال ابن حنبل: كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء، فلما أظهروه لم نجد بدا من مخالفتهم والرد عليهم».ثم صار بعد ذلك إلى التكفير والتشدد فيها، بل صار يكفّر من لم يكفّر القائل بالمخلوقية كما تقدّم.
14-
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: «يجب تكفير عبيد الله بن الحسن العنبري، وعمرو بن بحر الجاحظ في قولهما أن كل مجتهد مصيب».
15-
اختلف العلماء في تكفير ابن عربي الطائي وتكفير من لم يكفّره.
16- واجتهد بعض الفقهاء والقضاة في العمل مع التتار فاختلف العلماء في تكفيرهم.
17- كذلك اجتهد بعضهم في العمل مع بني عبيد والخطبة والدعاء لهم فاختلف العلماء في تكفيرهم وتكفير من لم يكفّرهم.
18- اختلفوا في التفصيل بين أتباع بني عبيد الباطنيين وأطلقوا على المفصّل في حكم الطائفة بالبدعة والضلال.
قال القاضي عياض رحمه الله: «
كان رأي الفقهاء أن بني عبيد زنادقة، وأن الداخل في دعوتهم، وإن لم يقل بقولهم، كافر لتولّيه الكفرة».
وذكر أن الفقهاء حكموا على المفصّل القائل بأن «هذه الفرقة على ضربين: أحدهما كافر، مباح الدم، والضرب. والآخر الذين يقولون بتفضيل علي بن أبي طالب على سائر الصحابة، لا يلزمهم الكفر، ولا تبطل نكاحاتهم. وشاعت فتواه فأنكرها فقهاء إفريقية بالقيروان، وغيرها...» بالبدعة والضلال قال القاضي: «فأطلق الفقهاء الفُتيا عليه بمقالته هذه بالتضليل والتبديع».
ثم ذكر طلب استتابته في الملأ على المنبر: «وحكّم في المسألة اللبيدي، فحكم بأن يقر بالتوبة على المنبر، بمشهد جميع الناس، وأن يقول: كنت ضالا فيما رأيته ونطقت به. ثم رجعت عن ذلك الى مذهب الجماعة. فكانوا على ذلك، وكأنه استعظم الأمر على المنبر، وقال ها أنا أقول هذا بينكم. فساعدوه وقنعوا منه بقول ذلك بحضرة السلطان، والجماعة. وأن يقوله في مجلسه، ويشيعه عن نفسه. فافترقوا على ذلك»
.
والكلام ليس في المصيب والمخطئ فيها وإنما في عدم نسبة المكفّر أو المبدّع الطالب للموافقة على رأيه إلى بدعة الخارجية والمروق من الدين.
19- وكفّر جمع من أهل العلم تيمورلنك مع أنه جاء في كتب التراجم والتاريخ: «أن شعائر الإسلام في بلاد ظاهرة».
20- وقضى كثير من أهل العلم بكفر الدول المحكّمة للقوانين الوضعية وإن كانت منتسبة للإسلام، وحكم العلماء بكفر حبيب بورقيبة، وجمال عبد الناصر، والنميري السوداني، وحافظ الأسد، وصدام حسين، ومعمر القذافي، وحكومة عدن اليمنية، وحكم الشيخ ابن باز بكفر روجا جارودي الفرنسي، إلى أمثلة لا يحصرها العدّ والإحصاء.
فلم أر من نسب المكفّر أو المبدّع إلى بدعة الخارجية والمروق ممن يعتدّ بقوله بسبب الخلاف في الحكم على الأعيان وإلزام الآخر بالرأي الاجتهادي كما هي قاعدة الزنادقة في عصرنا يقولون: فلان تكفيري؛ لأنه كفّر الشيخ الفلانيّ؛ وهذا تكفيري لأنه كفّر الطائفة الفلانية رغم ترديدهم أن التكفير حكم شرعي يعود إلى مناطه لا إلى الأشخاص الاعتبارية والطوائف.#العلامة أبو سلمان الصومالي حفظه الله
https://t.center/fawaidalabadasheekh رابط القناة