أتيتُك بكل الحب والحنان يا ابنتي وبين ذراعي أحضان كثيرة، أفشل في أن أطوي ذراعي حول جسدك الهزيل، وفي قلبي أشواق أفشل في أن أبثها لكِ سوى عبر هذه الدمعات التي تبلل وجهي الشاحب، جئت أُذكِّرك بالماضي الجميل، وجئت وعلى لساني آلاف الأحاديث التي أبثها الآن لأركان هذه الغرفة الصامتة، لا أقوى على رؤيتك جثة هامدة ولا أقوى على حديث الأطباء بأنك لن تعودي كما كنتِ، لن تسيري بهاتين القدمين، ولن تُصافحيني بيدك الغضة هذه ولن أسمع صوتك مجدداً، يموت قلبي والحنين يقطّع أوصالي إلى ذلك الصوت العذب الرقيق، إلى تلك الضحكة الرنّانة التي تملأ المنزل حباً وتحناناً، ربااه!
ماذا أفعل وأنا أنتظر موتك وسط الآمال المنسية؟ ماذا أفعل وأنا أموت مع دقات قلبكِ المتباطئة؟ ماذا أفعل؟ إنهم يقولون أنهم سيفصلون الأجهزة اليوم، يريدونني أن أقتلك يا سلوى! يريدونني أن أفصد كبدي وأُلقيه في حفرةٍ بيدي هذه، أي منطق هذا يا ابنتي؟
لا حل سوى الوداع يا سلوى، بين مطرقة الحُبِّ والأُمُومة وسندانِ الواقع ومحدودية الخيارات، هنا نموت! لن تفارقي الحياة يا سلوى، في الحقيقة يسافر الأموات إلى عالم آخر والأحياء هم من يفارقون الحياة، تبقى أجسادهم هنا وأرواحهم مكبلة مع أؤلئك المسافرين.
جئتُ أضبط جدائل شعرك المنسدل وأرتب خصلات شعرك وأتلمس يديك وأقبلهما وأضع بعض القبلات على عينيك المغمضتين منذ زمن طويل، وأنفث أنفاسي في وجهك الصبوح وأتأكد من أنك في أتم الاستعداد للمغادرة. جئتك أطمئنك على أبنائك فهُم في كنفِ الله قبل أن يكونوا تحت رعايتي أنا وحسن، جئتُكِ أقول بلغي والدك السلام وقولي له قد تركتُ في الأرض أشخاصاً فارقوا الحياة لكنهم ما زالوا يتنفسون، و باللقاء أنفسهم يُمنون، كذبتُ عليك يا حبيبتي حسن لم يذهب ليأتي بالأولاد، حسن ذهب ليجهز مراسم الجنازة. محظوظة أنتِ يا ابنتي؛ لم تريْ وجهه، يكاد الحزن يغير هيأته فكأنه شخص آخر وكأن انتزاع الأمل منه قد انتزع الحياة وكأن فراقك قتله قبل يومه.
اليوم يفصل الطبيب الأجهزة في حضوري معك، طلبتُ أن أكون معك حين تغادرين كما كنتُ معك حين أتيتِ كالنور وشققتِ منزلنا فكنتِ فلق الصبح الذي انتظرناه لأعوام، هانحن نقف عند حافة الوداع وبيديّ الاثنتين أُلوِّح لكِ وبكل ثقلي أنحني عليك وأقبل رأسك.
أتمنى أن تكوني قد رضيت يا أم سلوى دخل الطبيب مقاطعاً لحظات أنسي الأخيرة.
إلى اللقاء يا سلوى، إلى اللقاء يا فلذة كبدي وبعض روحي وكل قلبي، إلى اللقاء علَّ اللّٰه يُحسن منزلك، علَّه يجمعنا في تلك الرِّحاب! .........