سبيل، اليوم أنا لست آسفة، فأنت قد نجَّاك الله مني و قد تكون أطيافي هذه مجرد كفارة لذنوب قديمة، لكنني ما زلت عالقة معي و مع أوهامي، لست أقاضيك أو حتى ألومك أنك لم تصمد هنا؛ إذ كيف لأحد أن يضحي بحياته ليعيشها سواداً و يكدِّرها في كل لحظة و دقيقة؟ لم يعلم أحد أحاجيَّ الغريبة و لم يصمد أحد أمام ما كنت أقوله و لم و لن آوي إلى أي أحد و أفضي إليه بمشاكلي التي تأكلني، أنا أنثى غريبة الأطوار لا هوية لها وسط النساء و لا لها لجنس البشر انتماء، أحسدك لأنك لم تكن ضحية، لقد نفذت بجِلدك من هذه النار التي تأكل السعادة و تذيب القلوب المُحبة، أكمل شاييك و أعذر أطيافي التي تنغص هدوءك، كما قلت ربما تكون كفارة لذنوبك أو تأنيباً على ذلك الشعور المفرط الذي قدمته بين يديك، شعور حبِّ صادق من قلبٍ صافٍ لكنه مشوَّه حاولت اخفاء تشوهاته لكنني فشلت و لم أرد لك الانغماس في وجع و مددت لك طوق النجاة و تركت نفسي تغرق فيَّ.
ابحث عني إن استطعت بين كلمات القصيد و بين أبيات الشعر و بين بساتين الورود و بين غابات الأبنوس، ابحث عني إن شئت في أسطر الروايات أو في بدايات القصص و اطرق جميع أبواب الحي إن استطعت و اسأل عني السابلة في الطريق إن أتتك فرصة، واذهب و اقصد شاطئ النيل و اسأله إن كنتُ قد داعبتُ أطرافه قبل أيام أو حتى سنوات أو عقود و اسأل صديقتي عني إن كانت تعرف لي سبيل و اذهب حيث شئت حتى داري زره و اسأل قاطنيه إن كانت ذات الخال هنا أو لها من خبر جديد، زر المقاهي و الشوارع و الرصيف، و إن شئت أيضاً سافر إلى بلدٍ بعيد، لن تجدني و لن تجد عني من خبر أكيد، سيقولون لا نعلم متى غادرت و أي بلاد قصدت لترتاح و روحها تستعيد، وسيجزم بعضهم أنني قد متتُ و دفنوني و علَّمُوا قبري بالحديد، وستعلم أني من نسج خيالك لا وجود لي في هذا العالم الغريب، آه أعتذر أعلم أنك لن تبحث عن أسباب الوجع و ستدفنُ ذكرى قد كانت تزورك و أنت تحيد، تُجبرك على قبول وجودها و كل فِكر فيك يقول لا أريد، واعذرني إن أهدرتُ أزمانك واستنزفتُ أعوامك وقتلتُ فيك كل حلم سعيد، وادعُ لي الله أن أنجو مني و من هذا السواد المديد.
بطريقة أو بأخرى ستدور الأيام و تدرك أنَّك قد نجوت حين اخترتُ أنا افلات يدك، ستشكرني و لن تلعنني مجدداً، ستُحبُّني جداً؛ لأنني كنتُ صادقة، أخبرتك أنني سراب؛ لئلا تسكب جِرار مائك ظنَّاً منك أنك ستروي ظمأك من واحة لا وجود لها، أخبرتك أنني سراب فلا تنخدع و لا تقترب، ستشكرني مجدداً، سيصلني الشُّكر كما تصلني اللعنات، و سأكون هنا أو في أرض الحكايات فأنا من نسج خيالك لا علاقة لي بالواقع و الحيوات، أنا قلبُ عصفورٍ غضٍّ فضَّل الموت على الحياة.
وكما يقول نزار قباني أيُّها الحبيب :
حبيبة قلبك ليس لها أرض أو وطن أو عنوان
ستفتِّش عنها يا ولدي في كل مكان
وستَسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن
وتجوب بحاراً وبحاراً، وتفيض دموعك أنهاراً
وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجاراً أشجارا
وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان
فحبيبةُ قلبك ليس لها أرض أو وطن أو عنوان
ما أصعب أن تهوى امرأةً يا ولدي ليس لها عنوان
قاطعتْني سعادُ قائلة :أأسكبُ لكِ كوباً آخر من الشاي يا سلوى؟
#دعاء_عبدالمنعم#أرشيف