غايته أن الصوم يلحظ بوجوده الامتدادي فيكون مستحبا في ساعة واجبا في أخرى لتغير موضوع الاستحباب والوجوب. بل قد يمكن تصور ذلك ايضا في ما لو تحقق مناط الشيخوخة في أثناء النهار فيكون الصوم واجبا قبل تحقق العنوان ثم يكون جائزا أو مستحبا بعد تحققه بناء على جواز ترك الصوم للشيخ والشيخة ورجحانه لهما.
وبذلك تتبين جهات النظر في ما ذكره كل من السيدين الاستاذين رحمهما الله، وموضع اتفاقنا واختلافنا مع ما ذكره سيدنا المصنف. يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الفقه: الدرس ١٠٣١ الأربعاء ١٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ كتاب الصوم. شرائط وجوب الصوم. بقية شرائط وجوب الصوم. إذا بلغ الصبي أثناء الصوم. نظر الأعلام في المسألة.
وعلى ذلك جرى السيدان الاستاذان رضوان الله عليهما فقال السيد التقي في مبانيه (توجه التكليف بالصيام تكليفا الزاميا بعد البلوغ يحتاج الى دليل يدل على تنزيل البعض منزلة الكل والمفروض انه لا دليل عليه فالنتيجة عدم الوجوب).
وقال السيد الحكيم في مصباحه : (ويشكل بأن كون المصلحة ملزمة في حقه مشروط بدخوله في عموم الخطاب بالصوم الواجب، وهو غير ثابت في المقام بعد كون الواجب هو الصوم التام، وهو عاجز عنه، لا ما يعم إتمام الصوم القادر عليه. وكذا الحال في الصلاة.
نعم لو بلغ في وقت يسع ركعة من الصلاة فالظاهر وجوب الإتمام عليه، لأنه مكلف بالصلاة حينئذٍ كسائر المكلفين لقدرته عليها، وحيث كان للصلاة فردان اختياري، وهو الصلاة في أثناء الوقت، واضطراري، وهو الصلاة التي تقع ركعة منها فقط في الوقت، وكان قادراً على الأول بإتمام الصلاة التي بلغ في أثنائها، تعين وجوب ذلك عليه، ولا يجوز له التفريط به بقطع الصلاة التي بلغ في أثنائها، واستئناف صلاة أخرى لا يقع منها في الوقت إلا ركعة).
ويناقش الجميع : بأن الإطلاق في أوامر البالغين بالصيام في الآية الكريمة والأحاديث الشريفة تقتضي وجوب الصوم عند البلوغ في كافة الأحوال والأفراد وتشمل في ما تشمل من بلغ في أثناء النهار فمن لم يكن صائما خرج عن الإطلاق لعذره في عدم الصيام والاخلال به فهو عاجز عن تحقيقه بعد إفساده لأنه لا ينقلب عما هو عليه ، وإن كانت الأدلة على وجوب ترك المفطرات في نهار شهر رمضان تتناوله فيجب عليه الإمساك حتى الغروب ويكون حكمه تابعا لمفاد تلك الأدلة.
أما من كان صائما محققا للطبيعة فهو قادر على تحقيق الصوم واتمامه الى الليل فلا يحق له الخروج عن مقتضى إطلاق الأدلة. فإن كانت الإشكال في القول بالوجوب يعود الى عدم صحة عبادات الصبي كما لاحظتَه في عبارات المحقق صاحب الحدائق رحمه الله فهو مندفع بما تقدم من الاستدلال على صحة عباداته ولا سيما صيامه.
وإن كانت الإشكال يرجع الى أن المأمور به في الصوم هو طبيعي الإمساكات المنضمّ بعضها إلى بعض والمرتبطة من المبدأ إلى المنتهي، فليس لطبيعي الصوم في هذا اليوم الذي بلغ فيه الصبي وهو صائم إلَّا فرد واحد ممتدّ، ووجوب الصوم تكليف وحداني لا تبعّض فيه متعلَّق بالإمساك من الطلوع إلى الغروب على صفة الوجوب أو الاستحباب، والذي كان ثابتاً سابقاً هو الأمر الاستحبابي ولم يتعلَّق الوجوبي من الأوّل، وأمّا تعلَّقه بالإمساك في جزءٍ من النهار والاجتزاء به عن الكلّ فهو إنّما ثبت في موارد خاصّة كالمسافر الذي يقدم أهله قبل الزوال. كما يستفاد من خلاصة عبارات السيد الخوئي رحمه الله. فهو يرتفع بملاحظة أن المتعلق واحد وتأكد الحكم وتشديد رتبته وانتقاله من الندب الى الوجوب لا ينافي وحدة المتعلق ولا ارتفاع رتبة الحكم، وهو على القول بكون حقيقة الوجوب مرتبة أعلى من الندب واضح ، وعلى القول بكون الوجوب في عرض الاستحباب ومضادا له فله وجه وجيه لأن اختلاف حقيقة الحكم مع وحدة متعلقه تقتضي الالتزام بمقتضى الحكم بنحو مختلف ولا تقتضي تغير المتعلق وتعدده.
توضيح ذلك : أن المتعلق إما أن يكون بسيطا ليس له امتداد أو لا ، وعلى الأول لا موضوع فيه لتغير الحكم الا بتغير المتعلق وأما على الثاني فكما يعقل تعلق الحكم به لمدة ثم ارتفاعه لأي جهة كانت كالحرج أو الضرر أو المرض أو السفر عندما تعرض على الصوم في أثناء النهار فإنه لا معنى للقول بأن الصوم لم يكن واجبا على المسافر من أول الأمر وأنه بالسفر تبين له الحال لأن السفر يغير الحكم ثبوتا وحقيقة، وليس كاشفا عنه إثباتا وظاهرا كما لا يخفى والا لجاز لمن يعلم بالسفر أن يفطر قبل تحققه، وهو باطل جزما مناف للمفاد المستفاد من الأحاديث إذا خفي الأذان فأفطر. والحاصل أنه يعقل جدا تغير الحكم في الصوم فيكون واجبا قبل المرض والسفر ويكون حراما بعده فكذلك يعقل أن يكون الصوم مستحبا في صبيحة النهار واجبا عند البلوغ دون أي حاجة لافتراض تغير المتعلق.
شأنه في ذلك شأن متعلق الحكم الوضعي الذي يكون طاهرا ثم نجسا ثم طاهرا بلا أن يكون هناك أدنى شبهة في ذلك. ولا مانع من الالتزام بكون المتعلق الممتد بما له من الوحدة الارتباطية بين أجزائه مستحبا في شطر من النهار واجبا في شطر آخر منه عند تحقق البلوغ ومحرما في شطر ثالث منه عند تحقق السفر. وأما نظرتنا إن كانت الى أجزاء هذا الوجود الامتدادي إن لم نأخذ وحدتها الارتباطية ونظرنا اليها بحد نفسها لكان القول بأن بعضها مستحبة وبعضها واجبة لا يخلو من تسامح لأن الأجزاء بما هي ليست متعلقا لا للوجوب ولا للاستحباب لأنه إنما يجب الصوم أو يستحب وليس الامساك في بعض النهار هو الواجب أو المستحب.
وقال السيد الحكيم في مصباحه : (ويشكل بأن كون المصلحة ملزمة في حقه مشروط بدخوله في عموم الخطاب بالصوم الواجب، وهو غير ثابت في المقام بعد كون الواجب هو الصوم التام، وهو عاجز عنه، لا ما يعم إتمام الصوم القادر عليه. وكذا الحال في الصلاة.
نعم لو بلغ في وقت يسع ركعة من الصلاة فالظاهر وجوب الإتمام عليه، لأنه مكلف بالصلاة حينئذٍ كسائر المكلفين لقدرته عليها، وحيث كان للصلاة فردان اختياري، وهو الصلاة في أثناء الوقت، واضطراري، وهو الصلاة التي تقع ركعة منها فقط في الوقت، وكان قادراً على الأول بإتمام الصلاة التي بلغ في أثنائها، تعين وجوب ذلك عليه، ولا يجوز له التفريط به بقطع الصلاة التي بلغ في أثنائها، واستئناف صلاة أخرى لا يقع منها في الوقت إلا ركعة). ويناقش الجميع :
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الفقه: الدرس ١٠٣٠ الثلاثاء ٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ كتاب الصوم. شرائط وجوب الصوم. بقية شرائط وجوب الصوم. إذا بلغ الصبي أثناء الصوم. نظر الأعلام في المسألة.
وأما صاحب الحدائق فقد أرجع الخلاف في هذه المسألة الى مسألة صحة صوم الصبي وقال : ( قد صرح جملة من الأصحاب بأن من فروع الخلاف في صوم الصبي بأنه تمريني أو شرعي الاتصاف بالصحة والبطلان فيتصف على الثاني دون الأول ، وترتب الثواب وعدمه فيترتب على الثاني دون الأول ، والاجتزاء به لو بلغ في أثناء النهار فإنه ينوي الوجوب ويصح صومه على الثاني دون الأول.
والظاهر أن الشيخ في كتاب صوم الخلاف إنما صرح بوجوب الامساك بناء على كون الصوم عنده شرعيا، والعلامة لما كان مذهبه في المختلف أنه تمريني ادعى منافاة أول اليوم لآخره وادعى أنه في الأول غير مكلف فلا يقع التكليف به في باقيه . وفيه نظر قد أوضحناه في ما تقدم في الموضع المشار إليه آنفا ، مع أنه في المنتهى اختار كون صومه صحيحا شرعيا فقال : ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية ذلك . . إلى أن قال : فكان صومه ثابتا في نظر الشرع ، وإذا ثبت ذلك فإن صومه صحيح شرعي ونيته صحيحة وينوي الندب لأنه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي غيره . ثم نقل عن أبي حنيفة أنه ليس بشرعي وإنما هو إمساك عن المفطرات للتأديب قال : وفيه قوة .
وبالجملة فالأحوط في صورة البلوغ في أثناء اليوم لو كان صائما أنه يتمه وجوبا وكذا في الصلاة ثم يأتي بهما بعد ذلك أيضا أداء أو قضاء).
ولا يخلو من نظر فقد يرى بعض الفقهاء عدم وجوب إتمام الصيام على الصبي لعدم تكليفه وجوبا به لأن البلوغ في أثناء النهار لا يحقق شرط التكليف بالصوم في ذلك اليوم فإن الصوم ووجوبه ليسا قابلين للتجزئة. وعلى هذا الاساس تجد السيد الخوئي قدس سره الذي يرى صحة عبادات الصبي قد جوّز ترك الصيام ، وكذا السيد السيستاني دام ظله الذي مال الى الاحتياط الاستحبابي فيه فقال: ( لو صام الصبي تطوعا وبلغ في الأثناء ولو بعد الزوال لم يجب عليه الاتمام ، وإن كان هو الأحوط استحبابا ، ولو أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار وكان مسبوقا بالنية فالأحوط لزوما أن يتم صومه وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك).
نعم يناسب نظر صاحب الحدائق ما ذهب اليه سيدنا المصنف في المستمسك حيث قال : (بناء على التحقيق من شرعية عبادات الصبي، وأنها كعبادة البالغ، غير أنها قد رفع الإلزام بها لمصلحة اقتضت ذلك، فاذا نوى الصبي الصوم قبل الفجر فصام، وفي أثناء النهار بلغ، اختص رفع الإلزام بما قبل البلوغ، وأما بعده فدليل اللزوم بحاله. ودعوى: أن موضوع اللزوم على البالغ هو تمام اليوم لا بعضه. ممنوعة على نحو الكلية، بل يجوز تكليف البالغ بالبعض المتمم للكل إذا ساعدت عليه الأدلة، كما في المقام، فان تفويت المصلحة الملزمة لو لا الصبا حرام، وهو يترتب على الإفطار حين البلوغ في الأثناء. ونظير المقام: ما لو صلى في آخر الوقت وقد بلغ في الأثناء، فإنه يجب عليه إتمام صلاته).
وقد يناقش بما ذكره السيد الخوئي قدس سره في المقام ، وحاصله أن صوم الصبي( وإن كان مشروعاً ومأموراً به حسب الفرض إلَّا أنّه كان على صفة الندب، إذ المأمور بالصوم الواجب هو من كان بالغاً وقت تعلَّق الخطاب أعني: من لدن طلوع الفجر ومن البيّن أنّ الالتزام بانقلاب الأمر الندبي إلى الوجوبي في مرحلة البقاء يحتاج إلى الدليل، ولا دليل عليه في المقام .
ودعوى أنّ المرفوع إنّما كان هو الإلزام حال الصبا وحين صغره، وأمّا بعد البلوغ فالإلزام باقٍ على حاله . مدفوعةٌ بأنّ الصوم تكليف وحداني لا تبعّض فيه متعلَّق بالإمساك من الطلوع إلى الغروب على صفة الوجوب أو الاستحباب، والذي كان ثابتاً سابقاً هو الأمر الاستحبابي ولم يتعلَّق الوجوبي من الأوّل.
وأمّا تعلَّقه بالإمساك في جزءٍ من النهار والاجتزاء به عن الكلّ فهو إنّما ثبت في موارد خاصّة كالمسافر الذي يقدم أهله قبل الزوال، وليس المقام منها).
وخلص في نهاية الكلام _ بعد نقض وإبرام وبيان للفارق من حيث الصلاة والصيام وما ورد في الصلاة من الاكتفاء بإدراك ركعة عن إدراك كل الصلاة فيكون حكمها مختلفا عن حكم الصيام _ الى ( إنّ المأمور به هو طبيعي الإمساكات المنضمّ بعضها إلى بعض والمرتبطة من المبدأ إلى المنتهي، فليس لطبيعي الصوم في هذا اليوم إلَّا فرد واحد ممتدّ، ومثله كيف يمكن إيجاده في الخارج بعد ما بلغ ؟ ! والممكن إنّما هو الإتيان ببقيّة الأجزاء، غير أنّ الاجتزاء به عن الكلّ يحتاج إلى الدليل، ولا دليل عليه في المقام حسبما عرفت).
وعلى ذلك جرى السيدان الاستاذان رضوان الله عليهما فقال السيد التقي في مبانيه(توجه التكليف بالصيام تكليفا الزاميا بعد البلوغ يحتاج الى دليل يدل على تنزيل البعض منزلة الكل والمفروض انه لا دليل عليه فالنتيجة عدم الوجوب).
بحث الفقه ١٠٢٩ : كتاب الصوم. شرائط وجوب الصوم. بقية شرائط وجوب الصوم. عدم المرض والخلو من الحيض والنفاس. إذا بلغ الصبي أثناء الصوم. ٨ جمادى الأولى ١٤٤٦
ممنوعة على نحو الكلية، بل يجوز تكليف البالغ بالبعض المتمم للكل إذا ساعدت عليه الأدلة، كما في المقام، فان تفويت المصلحة الملزمة لو لا الصبا حرام، وهو يترتب على الإفطار حين البلوغ في الأثناء. ونظير المقام: ما لو صلى في آخر الوقت وقد بلغ في الأثناء، فإنه يجب عليه إتمام صلاته).
وقد يناقش بما ذكره السيد الخوئي قدس سره في المقام ، وحاصله أن صوم الصبي (وإن كان مشروعاً ومأموراً به حسب الفرض إلَّا أنّه كان على صفة الندب، إذ المأمور بالصوم الواجب هو من كان بالغاً وقت تعلَّق الخطاب أعني: من لدن طلوع الفجر ومن البيّن أنّ الالتزام بانقلاب الأمر الندبي إلى الوجوبي في مرحلة البقاء يحتاج إلى الدليل، ولا دليل عليه في المقام.
ودعوى أنّ المرفوع إنّما كان هو الإلزام حال الصبا وحين صغره، وأمّا بعد البلوغ فالإلزام باقٍ على حاله . مدفوعةٌ بأنّ الصوم تكليف وحداني لا تبعّض فيه متعلَّق بالإمساك من الطلوع إلى الغروب على صفة الوجوب أو الاستحباب، والذي كان ثابتاً سابقاً هو الأمر الاستحبابي ولم يتعلَّق الوجوبي من الأوّل.
وأمّا تعلَّقه بالإمساك في جزءٍ من النهار والاجتزاء به عن الكلّ فهو إنّما ثبت في موارد خاصّة كالمسافر الذي يقدم أهله قبل الزوال، وليس المقام منها).
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الفقه: الدرس ١٠٢٩ الإثنين ٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ كتاب الصوم. شرائط وجوب الصوم. بقية شرائط وجوب الصوم. عدم المرض والخلو من الحيض والنفاس. إذا بلغ الصبي أثناء الصوم.
ثانيا: أن الظاهر من النصوص سقوط الوجوب مطلقا وأن الموضوع لذلك هو عنوان الحيض بنفسه وليس حصوله بلا اختيار أو عن اختيار، أو فقل أن احتمال اختلاف الموضوعات بحسب أسباب تحققها لا يخدش في الاطلاق، لا سيما مع الالتفات الى أصالة كون العناوين موضوعية وليست مشيرة الى صنف منها.
وبذلك يندفع ما يتوهم من الانصراف بسبب ندرة الوجود فإن محض الندرة ليست منشئا عرفيا للانصراف، لا سيما مع تقدم في بيان كونه موجودا.
هذا مع ما يقتضيه أيضا الاجماع والارتكاز وسيرة المتشرعة التي لو كان فيها ما يخل بغرض الشرع الحنيف لتصدى الشارع له ونوه اليه ، ولم يصل الينا قليل أو كثير من ذلك مع وفرة الدواعي لنقله وعدم الموانع منه لو كان له وجود.
فالحاصل أن الحيض والنفاس مسقط للوجوب وليس مسقطا للصحة فحسب.
قال سيدنا المصنف قدس سره : مسألة 13 - لو صام الصبي تطوعا وبلغ في الأثناء ولو بعد الزوال فلا يبعد وجوب الإتمام(376).
(376) الأمر مختلف فيه ولم أجد نصا خاصا يرفع الخلاف وكأن الأصل فيه ما قاله الشيخ في الخلاف : الصبي إذا دخل في الصلاة أو الصوم ثم بلغ في خلال الصلاة أو خلال الصوم بالنهار بما لا يفسد الصلاة من كمال خمس عشرة سنة أو الإنبات دون الاحتلام الذي يفسد الصلاة ينظر فيه ، فإن كان الوقت باقيا أعاد الصلاة من أولها ، وإن كان ماضيا لم يكن عليه شئ . وأما الصوم فإنه يمسك فيه بقية النهار تأديبا، وليس عليه قضاء.
ولكن قوله تأديبا ظاهر في كون الصوم ذلك اليوم ليس مصداقا للفرض الواجب، وعليه فيحمل نفي القضاء عنه على عدم توجه التكليف اليه.
ولكن العلامة في المختلف فهم منه وجوب الصوم عليه بما هو فرض وليس من باب التأدب في الشهر ولزوم الامساك حتى مع عدم وجوب الصوم لجهة ما فقال تعقيبا عليه بعد أن رد القول بوجوب الصيام عليه وقال: " وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس ، لنا أن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة وهو في أول النهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف به في باقيه.
احتج بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار فيجب عليه إتمامه . والجواب المنع من شرعية صومه وانعقاده".
وأما صاحب الحدائق فقد أرجع الخلاف في هذه المسألة الى مسألة صحة صوم الصبي وقال : ( قد صرح جملة من الأصحاب بأن من فروع الخلاف في صوم الصبي بأنه تمريني أو شرعي الاتصاف بالصحة والبطلان فيتصف على الثاني دون الأول ، وترتب الثواب وعدمه فيترتب على الثاني دون الأول ، والاجتزاء به لو بلغ في أثناء النهار فإنه ينوي الوجوب ويصح صومه على الثاني دون الأول.
والظاهر أن الشيخ في كتاب صوم الخلاف إنما صرح بوجوب الامساك بناء على كون الصوم عنده شرعيا، والعلامة لما كان مذهبه في المختلف أنه تمريني ادعى منافاة أول اليوم لآخره وادعى أنه في الأول غير مكلف فلا يقع التكليف به في باقيه . وفيه نظر قد أوضحناه في ما تقدم في الموضع المشار إليه آنفا ، مع أنه في المنتهى اختار كون صومه صحيحا شرعيا فقال : ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية ذلك . . إلى أن قال : فكان صومه ثابتا في نظر الشرع ، وإذا ثبت ذلك فإن صومه صحيح شرعي ونيته صحيحة وينوي الندب لأنه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي غيره . ثم نقل عن أبي حنيفة أنه ليس بشرعي وإنما هو إمساك عن المفطرات للتأديب قال : وفيه قوة.
وبالجملة فالأحوط في صورة البلوغ في أثناء اليوم لو كان صائما أنه يتمه وجوبا وكذا في الصلاة ثم يأتي بهما بعد ذلك أيضا أداء أو قضاء).
ولا يخلو من نظر فقد يرى بعض الفقهاء عدم وجوب إتمام الصيام على الصبي لعدم تكليفه وجوبا به لأن البلوغ في أثناء النهار لا يحقق شرط التكليف بالصوم في ذلك اليوم فإن الصوم ووجوبه ليسا قابلين للتجزئة. وعلى هذا الاساس تجد السيد الخوئي قدس سره الذي يرى صحة عبادات الصبي قد جوّز ترك الصيام ، وكذا السيد السيستاني دام ظله الذي مال الى الاحتياط الاستحبابي فيه فقال: ( لو صام الصبي تطوعا وبلغ في الأثناء ولو بعد الزوال لم يجب عليه الاتمام ، وإن كان هو الأحوط استحبابا ، ولو أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار وكان مسبوقا بالنية فالأحوط لزوما أن يتم صومه وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك).
نعم يناسب نظر صاحب الحدائق ما ذهب اليه سيدنا المصنف في المستمسك حيث قال : (بناء على التحقيق من شرعية عبادات الصبي، وأنها كعبادة البالغ، غير أنها قد رفع الإلزام بها لمصلحة اقتضت ذلك، فاذا نوى الصبي الصوم قبل الفجر فصام، وفي أثناء النهار بلغ، اختص رفع الإلزام بما قبل البلوغ، وأما بعده فدليل اللزوم بحاله. ودعوى: أن موضوع اللزوم على البالغ هو تمام اليوم لا بعضه.
فالحاصل أن الحيض والنفاس مسقط للوجوب وليس مسقطا للصحة فحسب.
قال سيدنا المصنف قدس سره : مسألة 13 - لو صام الصبي تطوعا وبلغ في الأثناء ولو بعد الزوال فلا يبعد وجوب الإتمام(376).
(376) ) الأمر مختلف فيه ولم أجد نصا خاصا يرفع الخلاف، وكأن الأصل فيه ما قاله الشيخ في الخلاف : الصبي إذا دخل في الصلاة أو الصوم ثم بلغ في خلال الصلاة أو خلال الصوم بالنهار بما لا يفسد الصلاة من كمال خمس عشرة سنة أو الإنبات دون الاحتلام الذي يفسد الصلاة ينظر فيه ، فإن كان الوقت باقيا أعاد الصلاة من أولها ، وإن كان ماضيا لم يكن عليه شئ . وأما الصوم فإنه يمسك فيه بقية النهار تأديبا، وليس عليه قضاء.
ولكن قوله تأديبا ظاهر في كون الصوم ذلك اليوم ليس مصداقا للفرض الواجب، وعليه فيحمل نفي القضاء عنه على عدم توجه التكليف اليه.
ولكن العلامة في المختلف فهم منه وجوب الصوم عليه بما هو فرض وليس من باب التأدب في الشهر ولزوم الامساك حتى مع عدم وجوب الصوم لجهة ما فقال تعقيبا عليه بعد أن رد القول بوجوب الصيام عليه وقال: " وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس ، لنا أن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة وهو في أول النهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف به في باقيه.
احتج بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار فيجب عليه إتمامه . والجواب المنع من شرعية صومه وانعقاده". وأما صاحب الحدائق ...
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الفقه: الدرس ١٠٢٨ الأحد ٧ جمادى الأولى ١٤٤٦ كتاب الصوم. شرائط وجوب الصوم. بقية شرائط وجوب الصوم. عدم المرض والخلو من الحيض والنفاس. إذا بلغ الصبي أثناء الصوم.
لا يقال : على المختار من المبنى العرفي النقلي في استفادة شرطية عدم الحيض والنفاس في التكليف من نفس أدلة الحيض والنفاس وسقوط الصوم بهما بالنحو المشار اليه أعلاه لا يمكن الأخذ بإطلاق الأدلة لحال إمكان تأخير الحيض والنفاس لأنه أمر جديد لم يكن له مصداق معهود في عصر النص بل هو مغفول عنه مطلقا عند المخاطب به ، ويمكن أن يتكأ المعصوم على ذلك في عدم التنويه الى القيد.
لأنه يمكن أن يقال في جوابه أولا : أن استعمال العقاقير للتحكم بالحيض ولو في الجملة لا يصح الجزم بكونه أمرا مغفولا عنه تماما، بل إن المعلومات الطبية والمواد العشبية والغذائية التي كان يتطبب بها في تلك العصور كانت صالحة لأن يتوسل بها الى التحكم الجزئي بالحيض والنفاس. ويكفي ذلك مراجعة الكتب الطبية القديمة التي تتناول ظاهرتي الحيض والولادة و تأثير بعض الأعشاب والطعام في تعجيلها أو تأخيرها ، وقد وجدت الكثير من الشواهد عليه عند إجراء بحث الكتروني سريع في الكتب المنشورة في هذا الشأن وذكر شواهد ذلك تطويل بلا طائل.
والمهم أن بعض الأحاديث الشريفة قد تضمنت أو أشارت الى شيء من ذلك كما في ما رواه الكلين عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى ، عن علي بن مهزيار قال : إن جارية لنا أصابها الحيض وكان لا ينقطع عنها حتى أشرفت على الموت فأمر أبو جعفر عليه السلام أن تسقى سويق العدس ، فسقيت فانقطع عنها وعوفيت.
وفي الكافي أيضا في حديث آخر مرسل عن أبي عبد الله عليه السلام جاء فيه (وكان يقول عليه السلام إذا هاج الدم بأحد من حشمه قال له : اشرب من سويق العدس فإنه يسكن هيجان الدم ويطفئ الحرارة).
وفيه في حديث ثالث عن السويق أيضا وأثره في ذلك جاء (وبعث إلي أن السويق إذا شرب على الريق وهو جاف أطفأ الحرارة وسكن المرة وإذا لُتَّ لم يفعل ذلك).
وفي من لا يحضره الفقيه عن أبي سعيد الخُدريّ: أوصى رَسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَلِيَّ بنَ أبي طالِب ( عليه السلام ) فَقالَ : يا عَلِيُّ : . . . اِمنَعِ العَروسَ في أُسبوعِها مِنَ الأَلبانِ ،وَالخَلِّ ، وَالكُزبُرَةِ ، وَالتُّفّاحِ الحامِضِ ، مِن هذِهِ الأَربَعَةِ الأَشياءِ. فَقالَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) : يا رَسولَ اللهِ ، ولأَيِّ شَئ أمنَعُها هذِهِ الأَشياءَ الأَربَعَةَ ؟ قالَ : لاِنَّ الرَّحِمَ تَعقَمُ وتَبرُدُ مِن هذِهِ الأَربَعَةِ الأَشياءِ . . . . فَقالَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) : يا رَسولَ اللهِ ، ما بالُ الخَلِّ تُمنَعُ مِنهُ ؟ قالَ : إذا حاضَت عَلَى الخَلِّ لَم تَطهُر أبَداً بِتَمام ، وَالكُزبُرَةُ تُثيرُ الحَيضَ في بَطنِها وتُشَدِّدُ عَلَيهَا الوِلادَةَ ، وَالتُّفّاحُ الحامِضُ يَقطَعُ حَيضَها فَيَصيرُ داءً عَلَيها.
وفي الكافي عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن سليمان بن رشيد ، عن مالك بن أشيم ، عن إسماعيل بن بزيع قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إن لي فتاة قد ارتفعت علتها ، فقال : اخضب رأسها بالحناء فإن الحيض سيعود إليها، قال : ففعلت ذلك فعاد إليها الحيض.
وفيه أيضا ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد أو غيره ، عن الحسن ابن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين قال : حججت مع أبي ومعي أخت لي فلما قدمنا مكة حاضت فجزعت جزعا شديدا خوفا أن يفوتها الحج ، فقال لي أبي : ائت أبا الحسن عليه السلام ، ثم ذكر أنه أتاه فسأله فقال له : قل له فليأمرها أن تأخذ قطنة بماء اللبن فلتستدخلها، فإن الدم سينقطع عنها وتقضي مناسكها ، كلها ، قال : فأمرها ففعلت فانقطع الدم عنها وشهدت المناسك كلها ، فلما ارتحلت من مكة بعد الحج وصارت في المحمل عاد إليها الدم.. الحديث). ومثله كثير، وضعف سند بعضه لا يخدش باعتبار بعضه الآخر ولو بتحقيق الوثوق الإجمالي بصدور المضمون، والمهم أن وجود هذه الروايات ينفي دعوى الغفلة العامة التي يدعى صلاحيتها للاتكاء عليها من قبل المعصوم في ترك بيانه للقيد لعدم الحاجة اليه.
ثانيا: أن الظاهر من النصوص سقوط الوجوب مطلقا وأن الموضوع لذلك هو عنوان الحيض بنفسه وليس حصوله بلا اختيار أو عن اختيار، أو فقل أن احتمال اختلاف الموضوعات بحسب أسباب تحققها لا يخدش في الاطلاق، لا سيما مع الالتفات الى أصالة كون العناوين موضوعية وليست مشيرة الى صنف منها.
وبذلك يندفع ما يتوهم من الانصراف بسبب ندرة الوجود فإن محض الندرة ليست منشئا عرفيا للانصراف، لا سيما مع تقدم في بيان كونه موجودا.
هذا مع ما يقتضيه أيضا الاجماع والارتكاز وسيرة المتشرعة التي لو كان فيها ما يخل بغرض الشرع الحنيف لتصدى الشارع له ونوه اليه ، ولم يصل الينا قليل أو كثير من ذلك مع وفرة الدواعي لنقله وعدم الموانع منه لو كان له وجود.
والمهم أن بعض الأحاديث الشريفة قد تضمنت أو أشارت الى شيء من ذلك كما في ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى ، عن علي بن مهزيار قال : إن جارية لنا أصابها الحيض وكان لا ينقطع عنها حتى أشرفت على الموت فأمر أبو جعفر عليه السلام أن تسقى سويق العدس ، فسقيت فانقطع عنها وعوفيت.
وفي الكافي أيضا في حديث آخر مرسل عن أبي عبد الله عليه السلام جاء فيه (وكان يقول عليه السلام إذا هاج الدم بأحد من حشمه قال له : اشرب من سويق العدس فإنه يسكن هيجان الدم ويطفئ الحرارة ).
وفيه في حديث ثالث عن السويق أيضا وأثره في ذلك جاء (وبعث إلي أن السويق إذا شرب على الريق وهو جاف أطفأ الحرارة وسكن المرة وإذا لُتَّ لم يفعل ذلك).
وفي من لا يحضره الفقيه عن أبي سعيد الخُدريّ : أوصى رَسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَلِيَّ بنَ أبي طالِب ( عليه السلام ) فَقالَ : يا عَلِيُّ : . . . اِمنَعِ العَروسَ في أُسبوعِها مِنَ الأَلبانِ ،وَالخَلِّ ، وَالكُزبُرَةِ ، وَالتُّفّاحِ الحامِضِ ، مِن هذِهِ الأَربَعَةِ الأَشياءِ . فَقالَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) : يا رَسولَ اللهِ ، ولأَيِّ شَئ أمنَعُها هذِهِ الأَشياءَ الأَربَعَةَ ؟ قالَ : لاَِنَّ الرَّحِمَ تَعقَمُ وتَبرُدُ مِن هذِهِ الأَربَعَةِ الأَشياءِ . . فَقالَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) : يا رَسولَ اللهِ ، ما بالُ الخَلِّ تُمنَعُ مِنهُ ؟ قالَ : إذا حاضَت عَلَى الخَلِّ لَم تَطهُر أبَداً بِتَمام ، وَالكُزبُرَةُ تُثيرُ الحَيضَ في بَطنِها وتُشَدِّدُ عَلَيهَا الوِلادَةَ ، وَالتُّفّاحُ الحامِضُ يَقطَعُ حَيضَها فَيَصيرُ داءً عَلَيها.
بسم الله الرحمن الرحيم بحث الفقه: الدرس ١٠٢٧ السبت ٦ جمادى الأولى ١٤٤٦ كتاب الصوم. شرائط وجوب الصوم. بقية شرائط وجوب الصوم. عدم المرض والخلو من الحيض والنفاس.
قال سيدنا المصنف قدس سره : مسألة 12 - يشترط في وجوب الصوم : البلوغ والعقل والحضر وعدم الإغماء وعدم المرض والخلو من الحيض والنفاس (375).
(375) ويدل عليه ما رواه الكليني عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس قال : تفطر حين تطمث. ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن صفوان بن يحيى مثله .
ورواه الصدوق بإسناده عن عيص بن القاسم مثله . والسند معتبر والدلالة واضحة حيث قيد الإفطار بوقت الطمث.
وكذلك ما رواه الشيخ بإسناده الى علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي الوشاء ، عن جميل بن دراج ومحمد بن حمران جميعا عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أي ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت ... الحديث.
وفي النفساء ورد في الكافي عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر ؟ قال : تفطر وتقضي ذلك اليوم.
وبما أن الحيض والنفاس _عادة _ أمران غير اختياريين، ولا يعقل عرفا في الأمر غير الاختياري عادة التفكيك بين شرط الصحة وشرط التكليف ومن ثم فإن مفاد الأدلة هو سقوط أصل الوجوب.
ولا ندعي أنه غير اختياري دائما، وأن العقل هو الذي يحكم فيه بكون شرط الصحة فيه شرط وجوب وذلك لحكم العقل نفسه باستحالة التكليف بغير المقدور.
وذلك لما حررناه في الأصول من كون القدرة شرطا في حكم العقل بوجوب الطاعة، وليس بالضرورة أن يكون التكليف نفسه بمعنى الاعتبار القانوني الشرعي مشروطا بها، ومن ثم يعقل تحقق التكليف في حق غير القادر من دون أن يترتب على ذلك أي حكم للعقل بوجوب الطاعة فضلا عن استحقاق العقاب على المخالفة، لكون الأحكام العقلية في حقيقتها راجعة إلى إدراك الحسن والقبح، ولكن يصدق الفوت، فيجب القضاء. وكذلك يجب حفظ القدرة لامتثال التكليف.
وعليه فإن المهم في ميزان المسألة هو مفاد الأدلة وليس هو حكم العقل.
وعلى المختار فلو حصل الحيض والنفاس بالاختيار، وذلك باستعمال العقاقير الموجبة لذلك مثلا كما هو معروف طبيا في عصرنا فالمختار فيه سقوط الصيام تحكيما لظهور الأدلة في موضوعية الحيض والنفاس في ارتفاع التكليف وأنهما معا ليس عدمهما مجرد شرط في الصحة فحسب ومن ثم فإذا حصلا اختيارا سقط شرط التكليف وترتبت سائر الآثار.
وعلى المبنى الآخر وهو المبنى العقلي أي افتراض أن العقل هو الحاكم بسقوط التكليف، وأن الحيض والنفاس وإن كانا شرط صحة الا أن الوجوب يسقط بتحقق أحدهما لأنهما غير اختياريين لحكم العقل مستقلا به وإن لم يف ظهور الأدلة في تنقيح ذلك. ينبغي أن يقال بأنه لا يسقط الوجوب مع تحقق الحيض والنفاس بالاختيار ، وذلك لأنه ليس للمكلف أن يعدم شرط الصحة مادام الوجوب فعليا.
بل إن الالتزام بالمبنى العقلي يقتضي الالتزام بوجوب حفظ المرأة نفسها من الحيض والنفاس ما وسعها ذلك ولو بتناول العقاقير واستخدام أي وسيلة طبية أخرى تمنع ذلك بما لا يوقعها في حرج أو ضرر ، ومع الشك في تأثير العقار الطبي مثلا يجب الاحتياط لحكم العقل بلزوم حفظ القدرة لأداء التكليف بعد فعليته وعدم جواز التفريط بها، فذلك هو مقتضى حق الطاعة المطلق على العبد الذي لا يحده سوى العجز التام أو الغفلة المطلقة أو المؤمن من قبل الشارع نفسه.
ويندرج في ذلك أحكام الحج إن لم تنهض أدلته الشرعية بأخذ عدمهما في موضوع الحج الاختياري بالنحو الذي يطلب من مظانه في مباحث الحج.
لا يقال : على المختار من المبنى العرفي النقلي في استفادة شرطية عدم الحيض والنفاس في التكليف من نفس أدلة الحيض والنفاس وسقوط الصوم بهما بالنحو المشار اليه أعلاه لا يمكن الأخذ بإطلاق الأدلة لحال إمكان تأخير الحيض والنفاس لأنه أمر جديد لم يكن له مصداق معهود في عصر النص بل هو مغفول عنه مطلقا عند المخاطب به ، ويمكن أن يتكأ المعصوم على ذلك في عدم التنويه الى القيد.
لأنه يمكن أن يقال في جوابه أولا : أن استعمال العقاقير للتحكم بالحيض ولو في الجملة لا يصح الجزم بكونه أمرا مغفولا عنه تماما، بل إن المعلومات الطبية والمواد العشبية والغذائية التي كان يتطبب بها في تلك العصور كانت صالحة لأن يتوسل بها الى التحكم الجزئي بالحيض والنفاس. ويكفي ذلك مراجعة الكتب الطبية القديمة التي تتناول ظاهرتي الحيض والولادة و تأثير بعض الأعشاب والطعام في تعجيلها أو تأخيرها ، وقد وجدت الكثير من الشواهد عليه عند إجراء بحث الكتروني سريع في الكتب المنشورة في هذا الشأن وذكر شواهد ذلك تطويل بلا طائل.