بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الفقه: الدرس ١٠٢٩
الإثنين ٨ جمادى الأولى ١٤٤٦
كتاب الصوم. شرائط وجوب الصوم. بقية شرائط وجوب الصوم. عدم المرض والخلو من الحيض والنفاس. إذا بلغ الصبي أثناء الصوم.
ثانيا: أن الظاهر من النصوص سقوط الوجوب مطلقا وأن الموضوع لذلك هو عنوان الحيض بنفسه وليس حصوله بلا اختيار أو عن اختيار، أو فقل أن احتمال اختلاف الموضوعات بحسب أسباب تحققها لا يخدش في الاطلاق، لا سيما مع الالتفات الى أصالة كون العناوين موضوعية وليست مشيرة الى صنف منها.
وبذلك يندفع ما يتوهم من الانصراف بسبب ندرة الوجود فإن محض الندرة ليست منشئا عرفيا للانصراف، لا سيما مع تقدم في بيان كونه موجودا.
هذا مع ما يقتضيه أيضا الاجماع والارتكاز وسيرة المتشرعة التي لو كان فيها ما يخل بغرض الشرع الحنيف لتصدى الشارع له ونوه اليه ، ولم يصل الينا قليل أو كثير من ذلك مع وفرة الدواعي لنقله وعدم الموانع منه لو كان له وجود.
فالحاصل أن الحيض والنفاس مسقط للوجوب وليس مسقطا للصحة فحسب.
قال سيدنا المصنف قدس سره : مسألة 13 - لو صام الصبي تطوعا وبلغ في الأثناء ولو بعد الزوال فلا يبعد وجوب الإتمام(376).
(376) الأمر مختلف فيه ولم أجد نصا خاصا يرفع الخلاف وكأن الأصل فيه ما قاله الشيخ في الخلاف : الصبي إذا دخل في الصلاة أو الصوم ثم بلغ في خلال الصلاة أو خلال الصوم بالنهار بما لا يفسد الصلاة من كمال خمس عشرة سنة أو الإنبات دون الاحتلام الذي يفسد الصلاة ينظر فيه ، فإن كان الوقت باقيا أعاد الصلاة من أولها ، وإن كان ماضيا لم يكن عليه شئ . وأما الصوم فإنه يمسك فيه بقية النهار تأديبا، وليس عليه قضاء.
ولكن قوله تأديبا ظاهر في كون الصوم ذلك اليوم ليس مصداقا للفرض الواجب، وعليه فيحمل نفي القضاء عنه على عدم توجه التكليف اليه.
ولكن العلامة في المختلف فهم منه وجوب الصوم عليه بما هو فرض وليس من باب التأدب في الشهر ولزوم الامساك حتى مع عدم وجوب الصوم لجهة ما فقال تعقيبا عليه بعد أن رد القول بوجوب الصيام عليه وقال: " وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس ، لنا أن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة وهو في أول النهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف به في باقيه.
احتج بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار فيجب عليه إتمامه . والجواب المنع من شرعية صومه وانعقاده".
وأما صاحب الحدائق فقد أرجع الخلاف في هذه المسألة الى مسألة صحة صوم الصبي وقال : ( قد صرح جملة من الأصحاب بأن من فروع الخلاف في صوم الصبي
بأنه تمريني أو شرعي الاتصاف بالصحة والبطلان فيتصف على الثاني دون الأول ، وترتب الثواب وعدمه فيترتب على الثاني دون الأول ، والاجتزاء به لو بلغ في أثناء النهار فإنه ينوي الوجوب ويصح صومه على الثاني دون الأول.
والظاهر أن الشيخ في كتاب صوم الخلاف إنما صرح بوجوب الامساك بناء على كون الصوم عنده شرعيا، والعلامة لما كان مذهبه في المختلف أنه تمريني ادعى منافاة أول اليوم لآخره وادعى أنه في الأول غير مكلف فلا يقع التكليف به في باقيه . وفيه نظر قد أوضحناه في ما تقدم في الموضع المشار إليه آنفا ، مع أنه في المنتهى اختار كون صومه صحيحا شرعيا فقال : ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية ذلك . . إلى أن قال : فكان صومه ثابتا في نظر الشرع ، وإذا ثبت ذلك فإن صومه صحيح شرعي ونيته صحيحة وينوي الندب لأنه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي غيره . ثم نقل عن أبي حنيفة أنه ليس بشرعي وإنما هو إمساك عن المفطرات للتأديب قال : وفيه قوة.
وبالجملة فالأحوط في صورة البلوغ في أثناء اليوم لو كان صائما أنه يتمه وجوبا وكذا في الصلاة ثم يأتي بهما بعد ذلك أيضا أداء أو قضاء).
ولا يخلو من نظر فقد يرى بعض الفقهاء عدم وجوب إتمام الصيام على الصبي لعدم تكليفه وجوبا به لأن البلوغ في أثناء النهار لا يحقق شرط التكليف بالصوم في ذلك اليوم فإن الصوم ووجوبه ليسا قابلين للتجزئة.
وعلى هذا الاساس تجد السيد الخوئي قدس سره الذي يرى صحة عبادات الصبي قد جوّز ترك الصيام ، وكذا السيد السيستاني دام ظله الذي مال الى الاحتياط الاستحبابي فيه فقال: ( لو صام الصبي تطوعا وبلغ في الأثناء ولو بعد الزوال لم يجب عليه الاتمام ، وإن كان هو الأحوط استحبابا ، ولو أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار وكان مسبوقا بالنية فالأحوط لزوما أن يتم صومه وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك).
نعم يناسب نظر صاحب الحدائق ما ذهب اليه سيدنا المصنف في المستمسك حيث قال : (بناء على التحقيق من شرعية عبادات الصبي، وأنها كعبادة البالغ، غير أنها قد رفع الإلزام بها لمصلحة اقتضت ذلك، فاذا نوى الصبي الصوم قبل الفجر فصام، وفي أثناء النهار بلغ، اختص رفع الإلزام بما قبل البلوغ، وأما بعده فدليل اللزوم بحاله. ودعوى: أن موضوع اللزوم على البالغ هو تمام اليوم لا بعضه.