حادثةٌ جرت أيّامَ إمامِنا الصادق تُعلِّمُنا أنّ الذين ينصرون الزهراءَ ينالون عنايةً مِن إمامِ زمانِهم:
❂ يُحدّثُنا بشّارُ المكاري يقول:
دخلتُ على "الصادق عليه السلام" بالكوفة، وقد قُدِّمَ له طبقُ رُطب، وهو يأكل، فقال الإمام:
يا بشّار ادنُ -أي اقترب- فكُل،
فقلتُ:
هنّاكَ اللهُ وجعلني فداك، قد أخذتني الغَيرةُ مِن شيءٍ رأيتُهُ في طريقي أوجع قلبي، وبلغ مِنّي،
فقال لي الإمام: بحقّي لما دنوتَ فأكلت،
قال: فدنوتُ فأكلت، فقال لي: -ما- حديثُك؟
قلتُ:
رأيتُ جلوازاً يضربُ رأسَ امرأة، ويسوقُها إلى الحبس وهي تُنادي بأعلى صوتها: المُستغاثُ باللهِ ورسوله ولا يغيثُها أحد،
قال الإمام: ولِمَ فعل بها ذلك؟
قُلتُ:
سمعتُ الناسَ يقولون إنّها عثرت -أي تعثّرت في مَشيها ووقعت على الأرض- فقالت: لعن اللهُ ظالميكِ يا فاطمة، فارتُكِب منها ما ارتُكِب!
فقطع -الإمام- الأكلَ ولم يزل يبكي حتّى ابتلَّ منديلُهُ ولِحيتُهُ وصدرُهُ بالدموع،
ثمّ قال:
يا بشّار.. قُم بنا إلى مسجدِ السهلة فندعو الله ونسألُهُ خلاصَ هذه المرأة.
ووجّهَ -الإمام- بعضَ الشيعةِ إلى بابِ السُلطان، وتقدَّم إليه بأن لا يبرحَ إلى أن يأتيه رسولُهُ، فإن حدثَ بالمرأةِ حدَثٌ صار إلينا حيث كُنّا.
قال بشّار:
فصِرنا إلى مسجدِ السهلة، وصلّى كلُّ واحدٍ مِنّا ركعتين،
ثمّ رفع الصادقُ "عليه السلام" يدَهُ إلى السماء، ودعا بدعاء،
ثمّ خرَّ ساجداً لا أسمعُ منه إلّا النَفَس، ثمّ رفع رأسهُ، فقال: قُم، فقد أُطلِقَت المرأة.
قال بشّار:
فخرجنا جميعاً.. فبينما نحنُ في بعض الطريق إذ لَحِق بنا الرجل الذي وجّهْنا إلى باب السلطان، فقال له -الإمام-: ما الخبر؟
قال: لقد أُطلِق عنها.
قال الإمام: كيف كان إخراجُها؟
قال الرجل: لا أدري، ولكنّي كنتُ واقفاً على باب السلطان إذ خرج حاجبٌ فدعاها وقال لها: ما الذي تكلّمتِ به؟
قالت المرأة: عثَرتُ فقلتُ:
(لعن اللهُ ظالميكِ يا فاطمة) ففُعِل بي ما فُعِل!
فأخرج -الحاجبُ- مائتي درهم، وقال للمرأة: خُذي هذه واجعلي الأميرَ في حِلٍّ،
فأبت أن تأخذَها
فلمّا رأى -الحاجبُ- ذلك دخل وأعلم صاحبَهُ بذلك، ثمّ خرج فقال: انصرفي إلى بيتكِ، فذهبت إلى منزلها،
فقال أبو عبدالله "عليه السلام": أبتْ أنْ تأخذَ مائتي درهم؟
قال الرجل: نعم، وهي واللهِ مُحتاجةٌ إليها!
فأَخرج -الإمام- مِن جيبِهِ صُرّةً فيها سبعةُ دنانير، وقال: اذهب أنت بهذه إلى منزلِها، فأقرِئْها مِنّي السلام، وادفع إليها هذه الدنانير
قال الرجل: فذهبنا جميعاً فأقرأناها منه السلام، فقالت: باللهِ أقرأني جعفرُ بن محمّدٍ السلام؟!
فقلتُ لها: رَحِمَكِ الله، واللهِ إنّ جعفرَ بن محمّدٍ أَقرأكِ السلام.
فشهقتْ ووقعت مَغشيّةً عليها،
فصبرنا حتّى أفاقت وقالت: أعِدْها عليَّ، فأعدناها عليها حتّى فعلت ذلك ثلاثاً،
ثمّ قُلنا لها: خُذي، هذا ما أرسل به إليك وأبشري بذلك،
فأخذتْهُ مِنّا، وقالت: سَلُوهُ أن يستوهِبَ أمَتَهُ مِن الله، فما أعرفُ أحداً أتوسّلُ به إلى اللهِ أكبرَ منه ومِن آبائه وأجداده "عليهم السلام")
[البحار: ج43]
〰〰〰〰〰〰✸
ومضةُ تفكّرإذا كان إمامُنا الصادقُ يبكي وتنحدِرُ دُموعُهُ على صدرِهِ الشريف مِن أجلِ امرأةٍ سُجِنتْ لأنّها نصرت الزهراءَ بالموقف.. حيثُ لعَنتْ أعداءَ الزهراء وهو مظهرٌ مِن مظاهرِ البراءةِ مِن أعداءِ فاطمة،
فالإمامُ تألّم لأجلِها، وسعى إلى مسجدِ السهلةِ يتضرّعُ لِخلاصِها من السجن
علماً أنّ الإمام يستطيعُ بإشارةٍ واحدةٍ منه أن يُخلِّصَ المرأة.. ولكنّ الإمامَ قصد مسجدَ السهلةِ ليُعلِّمنا ويُبيّنَ لنا عظمةَ هذا المسجدِ وفضلَهُ وأثرَهُ في قضاءِ الحوائج، لأنّ المسجدَ مُرتبطٌ بالإمامِ الحجّة،
فالإمامُ قصد مسجدَ السهلةِ حتّى يربِطَنا بإمامِ زمانِنا،
وهي إشارةٌ مِنه لنا "صلواتُ اللهِ عليه" بأنّ نتوجّهَ في كلّ شِدّةٍ ومِحنةٍ لإمامِ زمانِنا، فهو سفينةُ النجاةِ كما نُخاطبُهُ في زيارتِهِ الشريفة:
(السلامُ عليكَ يا سفينةَ النجاة)وهو وجهُ اللهِ الذي إليه يتوجّهُ الأولياء كما نُخاطبُهُ في دعاء الندبة:
(أين وجهُ الله الذي إليه يتوجّهُ الأولياء)فإذا كان إمامُنا الصادق الّذي هو إمامُ زمانِ تلك المرأة يعتني بهذه المرأةِ عنايةً خاصّةً لأنّها نصرت الصدّيقةَ الزهراء.. فقطعاً إمامُ زمانِنا أيضاً له عنايةٌ ورعايةٌ خاصّة بكلِّ مَن ينصُرُ أُمَّهُ الزهراء ويخدِمُها بمُختلَفِ أشكالِ النُصرةِ والخدمةِ على اختلافِ درجاتها
علماً أنّ أعلى درجاتِ النُصرةِ والخدمةِ الفاطميّةِ هي تلك الخِدمةُ والنُصرةُ الفكريّةُ العقائديّةُ التي تُدافعُ عن حريمِ الزهراء وتَصبُّ في إحياءِ أمرِ إمامِ زمانِنا والتمهيدِ لظُهورِه،
فإنّ الصدّيقةَ الكُبرى عُيونُها شاخصةٌ لإمامِ زماننا،
فإمامُ زمانِنا هو خُلاصةُ فاطِمة وهو حقيقةُ فاطمة التي تتجلّى بين أظهُرِنا
وهو الآخذُ بثأر فاطمةَ وآلها مِمّن ظلَمَهم مِن الأوّلين والآ خرين
➖➖➖➖➖➖قناة
#الثقافة_الزهرائية على التلغرام
🆔 t.center/zahraa_culture