وقفة عند المقامِ الرفيعِ لأبي طالب في القرآن في قولِهِ تعالى: {ألَم يجدكَ يتيماً فآوى}:
❂ يقول إمامُنا الرضا في معنى قولِهِ تعالى:
{ألم يجدك يتيماً فآوى* ووجدك ضالّاً فهدى* ووجدك عائلاً فأغنى} قال:
({يتيماً} أي فَرداً لا مِثل لك في المَخلوقين فآوى الناس إليك..و{ضالًا} أي ضالاً في قومٍ لا يعرفون فضلكَ فهداهُم إليك، و{عائلًا} تعولُ أقواماً بالعِلم فأغناهُم اللهُ بك)[تفسير العيّاشي]
❂ أيضاً ورد نفسُ هذا المضمون عن أهلِ البيت في تفسير القُمّي،
إذ جاء فيه في معنى قولِهِ:
{ألم يجدك يتيماً فآوى} قال:
(اليتيمُ الّذي لا مِثل له، ولذلك سُمّيت "الدُرّة اليتيمة" لأنّه لا مِثل لها)〰〰〰〰〰〰[توضيحات]في ثقافةِ العترة آياتُ القرآن كالشمسِ والقمر لها مطالعُ ولها مجاري ولها آفاق كما يقولُ إمامُنا الصادق:
(كتابُ اللهِ عزَّ وجلَّ على أربعةِ أشياء: على العبارةِ والإشارةِ والّلطائفِ والحقائق؛ فالعبارةُ للعوام -أي المعنى الظاهري لعوامِ الناس -
والإشارةُ للخواص، والّلطائفُ للأولياءِ والحقائقُ للأنبياء)[البحار: ج75]
وهذه الآيةُ الّتي بين أيدينا:
{ألم يجدك يتيماً فآوى} في أُفُق العبارة تتحدّثُ عن اليتيم الّذي فقد والديه،
فرسولُ اللهِ كان يتيماً بلا أبٍ ولا أُم، والّذي آواهُ هو جدّهُ عبدُ المطّلب وعمُّهُ أبو طالب وفاطمةُ بنتُ أسد،
فقد نشأ رسولُ اللهِ في كنَفِ هؤلاء الثلاثةِ الأطهار الّذين هم أبوابُ الله،
ولكنَّ الإيواءَ الحقيقيَّ كان عند عمّهِ أبي طالب.. لأنّ الفترةَ الزمانيّةَ الطويلةَ عاشها رسولُ اللهِ عند أبي طالب،
ولأنّ المرحلةَ الحسّاسةَ التي عاشها رسولُ اللهِ ما بعد البعثةِ كانت مع أبي طالب،
فالإيواءُ الحقيقيُّ بالدرجةِ الأولى في هذه الآيةِ مع أبي طالب.. وإن كان الإيواءُ ينطبِقُ أيضاً على الفترةِ الّتي عاشها رسولُ اللهِ مع جدّهِ عبد المطّلِب،
ولا يُوجدُ فارِقٌ بين عبدِ المطّلبِ وأبي طالب.. وإن كان أبو طالبٍ أعلى شأناً بكثيرٍ مِن أبيهِ عبد المُطّلب
لاحظوا المقامَ الرفيعَ لأبي طالب في هذه الآية:
{ألم يجدكَ يتيماً فآوى}الباري هُنا نسب إيواءَ محمّدٍ إليه.. ولكنّه جعل هذا الإيواءَ مُتحقّقاً على أرضِ الواقع عند أبي طالب،
يعني نسَبَ الباري تعالى الفِعلَ الّذي قام به أبو طالب في رعايةِ النبي وحمايتِهِ ونُصرتِهِ.. نَسَبهُ لنفسِهِ جلَّ شأنه! فجعل إيواءَ أبي طالبٍ لرسولِ اللهِ بمنزلةِ إيواءِ اللهِ نفسِهِ!
وهذا يكشفُ عن مقامٍ رفيعٍ جدّاً لأبي طالب نحنُ لا نُدرِكُهُ!
فالباري في هذه الآية:
{ألم يجدك يتيماً فآوى} يُريدُ أن يقولَ لنبيّهِ الأعظم: إنّني آويتُك في مكانٍ هو أحبُّ مكانٍ إليّ.. لأنّ أسلوبَ الكلام يُشعِرُنا بأنّ اللهَ يحتجُّ هُنا على نبيّهِ الأعظمِ بنعمِهِ،
وقطعاً هو أسلوبُ مُداراةٍ مِن اللهِ كي نفهمَ نحنُ المعنى.. وإلّا فإنّ رسولَ اللهِ لا يحتاجُ لِمثلِ هذا الخِطابِ مِن اللهِ تعالى،
لأنّ الخطابَ فيه لهجةُ احتجاجٍ واضحة،
فاللهُ سُبحانه يحتجُّ على محمّدٍ الأعظمِ الأعظمِ الأعظم بعظيم نِعمةٍ؛ أن آواهُ إليه
فالباري آوى محمّداً إليه، وكان هذا الإيواءُ عند أبي طالب،
فهل كان رسولُ اللهِ لا يعرِفُ ربَّهُ حتّى يحتاجَ إلى أن يحتجَّ اللهُ عليه بمِثلِ هذا الكلام!
قطعاً لا.. وإنّما هو لسانُ القرآن بحسَبِ أُسلوب
"إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة"فالقرآنُ نزل بهذا الّلسان كما يقولُ أهلُ البيت
فهذا الاحتجاجُ لفظاً فقط مُوجّهٌ لرسولِ الله.. أمّا المضمونُ فهو إلينا كي نعرِفَ منزلةَ محمّدٍ عند الله،
وبعبارةٍ دقيقة:
كي نعرِفَ منزلةَ أبي طالبٍ عند اللهِ وعند رسولِهِ، وكي نعرِفَ عظيمَ ما قام به أبو طالب
فهذه النعمةُ العظيمةُ التامّة (نعمةُ الإيواء لرسولِ الله) الباري يحتجُّ بها على نبيّه هنا.. وفي هذا الاحتجاج القُرآني ردٌّ صريح على النواصبِ وعلى مَن سار على نهجِهم وقال بأنّ أبا طالبٍ كان كافراً
لو كان أبو طالبٍ كافراً كما يزعمون ولم يكن في أشرفِ مكانٍ وأعلى درجةٍ وأقربِ منزلةٍ مِن الله.. فلن تكونَ هذه النِعمةُ (نعمةُ الإيواء) تامّةً حتّى يحتجَّ اللهُ بها على رسولِهِ،
وسيكونُ احتجاجُ اللهِ بعظيمِ النِعمةِ على رسولِهِ ليس حكيماً؛ لأنّ محمّداً يستطيعُ أن يُجيبَ فيقول: بأنّك يا ربِّ جعلتَ إيوائي في كنَفِ كافر، في كنَفِ شخصٍ بعيدٍ عنك، في كنَفِ شخصٍ هو مِن أهلِ الجحيم
قطعاً هذا الكلام إذا قُلنا أنّ معنى اليتيم هنا هو الّذي فقد أبويه،
أمّا إذا كان المُراد مِن اليتيم هو الدُرّةُ الإلهيّةُ الفاخِرةُ اليتيمة الّتي لا نظيرَ لها (كما يقولُ أهلُ البيت)
فهذه الدرّةُ اليتيمة لابُدّ لها مِن خُزانةٍ يتيمةٍ تتناسبُ معها.. وتلك الخُزانةُ اليتيمة هي أبو طالب
✦ قد يسأل سائل:إذاً ما المُراد مِن أنّ أبا طالب كان كمؤمن آل فرعون؛ يكتمُ إيمانَه؟
الجواب في تتمة الموضوع على #الرابط التاليhttps://www.facebook.com/photo/?fbid=832808282224662&set=a.571438275028332*منقول