صلاة ربي وسلامه على من تلقى الوحيَ من ربه قرآناً، وتنزل إليه فرقاناً، وجمع بين يديه كتاباً وديواناً، وبيَّن بسُنَّته وسيرته فجاء تبياناً، ووفى بحقوقه، حتى استوى على سوقه, فأخرج الناس من الغي إلى الهداية، وسعدت الدنيا بأنوار شروقه، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولتعلم يا مسكين، أنه ما مضى من حياتك لا يُدفع باليأس ولا بالحزن، بل بالرضا والحمد، ويُحصن بالتوحيد والتوكل، تلك السكينة المطمئنة، وسلامة القلب، ومعية العناية من الله، والملاذ الآمن هو: أنه ما قدر الله لعبده شراً، وكفاية المؤمن وغاية راحته أنه إذا ما سلّم لله = تغتسل الروح من شوائب الغم وعوالق الكدر.
اللهم اجعلنا ممن لطفت بهم يوم كتبت أقدارهم، وجعلت الرضا زادهم، اللهم إنا نشكو إليك تلهفنا على الدنيا، وانقيادنا في طاعة الهوى، جاهلين بحقك، إلهي، إليك المفر من دار كثيرها لا يُشبع، وأنه لا يشقى عائد إليك، سبحانك وبحمدك.
مِن أبوابِ الإيمان بالله أن يَستغرقَ العبدُ في تأمُّلِ نعم اللهِ عليه، التي أولاه اللهُ تعالى إياها، فيَشكُرها حقَّ شُكرِها، ويعظم حق الله تعالى عليه وقدرته، ومَن اشتغل بالشكرِ عن الالتفاتِ إلى المصائبِ والبلايا: بَلغَ من درجات الكمال أعظمَ مبلغ، ورفعه الله في درجات الشاكرين المحسنين.. سبحانه أعظم من وهب، وأجود من أنعم.
اللهٰم لا يجبر كسرنا إلا لطفك ولا يغني فقرنا إلا عطفك ولا يعز ذلنا إلا سلطانك ولا نبلغ أحلامنا إلا بفضلك ولا تنقضي حاجتنا إلا بك ولا يفرج كربتنا إلا رحمتك، سبحانك وبحمدك لا شريك لك.
«فإيَّاك إيَّاك أن تستطيل زمن البلاء، وتضجر من كثرة الدُّعاء، فإنّك مُبتلى بالبلاء، مُتعبّد بالصبر والدُّعاء، ولا تيأس من رَوحِ اللّه وإن طالَ البلاء.»
الله سبحانه صاحب كل جميل، فاجتهد مفتقراً إليه طامعاً فيه، فيجود بالهدى والرشاد، فالله محسن إليك إذ الكل عنك استغنى، فَوَا لَهْفي على قلبٍ إذ أحسن الله إليه، ويا جمال نفسٍ عصمها الله من الحيرة، وصب الله عليها الصبر صباً، فتشكر النعمة وترضى بالقسمة، فتغنم بالجمال من الجميل.. فالكريم لا يخذل من تعرض لكرمه طامعاً في رحمته وجوده.
اللهم لا تجعلْ إحسانك إليَّ بحسب ثنائي عليك، ولا رأفتك بي على قدر تضرعي إليك؛ فتسلبَني كريم ما خوَّلتني، وتنزعَ عني جميلَ ما عوَّدْتني، وتحرمَني هباتك أنْ تُفيضَها عليَّ، وتمنعني رحمتك أن تُنزلها إليَّ!
والله لا يقدر لعباده شرًّا محضًا، كما أنه لا يخلق شرًّا محضًا ولا راجحًا على الخير ولا مساويًا له، إلا وهو يؤول إلى خيرٍ في عمومه، وقد يرى العباد وجهًا من وجوه التقدير، فيرون شرًّا محضًا أو غالبًا أو مساويًا، ويخفى عنهم ما لو رأوه = لعلموا عظيم خلق الله وتقديره وحكمته.
وأني أحب ربي، حب المحتاج الذي لايكفيه عطاء، وآمل فيه أمل الطامح الذي لا يتملكه يأس، وأرجوه رجاء الفقير الذي لا غنى له غير الله.. وانا الواهن الضعيف صاحبي الشيطان وملكي هواي ولا سبيل لي غير لطفك... فحنانيك بعبدك يارب.
اللهم احفظنا مما تخفيه المقادير، والطف بنا يا عزيز يا قدير، اللهم لا نُظلم وأنت حسبنا، ولن يُصيبنا مكروه وأنت ربنا، اللهم لا تقطع رجاءنا وبلِّغنا الأماني، وأصلح لنا شأننا كله يا تواب يا رحيم يا رب العالمين.
فإن الله تعالى قد يجعل ما يحبه هو فيما نكره نحن؛ و ليس للأقدار لغة فتجري على ألفاظنا؛ و قد نسمي النازلة تنزل بنا خسارا و هي ربح، أو نقول مصيبة جائت لتبديل الحياة، و لا تكون إلا طريقة تيسرت لتبديل الفكر.
تسمعها من نصر الدين طوبار لتتجلى في قلبك، يتجلى في قلبك معنى أن الله غفور وأن الله رحيم، رحمته وسعت كل شيء، وما عليك يامسكين إلا أن تعامل الله معاملة الطامع.. فنعم العبد من عرف رحمة ربه وعمل لها، وبئس العبد من عرف رحمة ربه ولم يقاربها.. والله أولى بك من نفسك يؤويك ويكلؤك، فسبحانه الراحم وسبحانه الممن وسبحانه الكريم.
اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بك، يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، ويا مجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.. سبحانك وحدك لا شريك لك.