.. وصلت رسالة موسى بن نصير إلى خليفة المسلمين / الوليد بن عبد الملك .. تلك التي يستاذنه فيها بالعبور لفتح الأندلس .. ، فلما قرأها الخليفة شعر بالقلق الشديد ، فقد كان يخشى على المسلمين من خوض البحر .. !!
.. ، فأرسل إلى موسى بن نصير يقول له :
(( خضها بالسرايا حتى تختبر شأنها ، و لا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال ))
يقصد : ( لا تتحرك بكل الجيش ، و لكن ابدأ أولا بإرسال بعض السرايا الصغيرة للاستكشاف حتى لا يهلك المسلمون جميعا )
.. ، فلما أحس موسى بقلق الوليد أرسل إليه يطمئنه بأن العبور سيكون في مضيق صغير .. ، فقال له :
(( إنه ليس ببحر ، و إنما هو خليج يرى الناظر ما وراءه ))
.. ، فأذن له الوليد أن يتحرك و لكن بحذر شديد حرصا على أرواح المسلمين .. .. ، فأرسل موسى بن نصير سرية استكشافية صغيرة من 500 مسلم فقط .. و ذلك في عام 91 هجرية .. و كانت السرية بقيادة / طريف بن مالك ، و هو أحد فرسان الأمازيغ الشجعان .. ( يطلق على البربر أيضا اسم الأمازيغ )
.. ، فركب طريف و رجاله السفن و عبروا المضيق حتى نزلوا في جزيرة قريبة جدا من جنوب الأندلس ( أطلق عليها بعد ذلك اسم جزيرة طريف )
.. ، و قام طريف و من معه بجمع معلومات هامة عن جنوب الأندلس ، و عن طبيعة الأرض فيها .. ، ثم عادوا إلى بلاد المغرب .. ، فقام موسى بن نصير بدراسة تحليلية لتلك المعلومات ، ثم عزم على تجهيز الجيش الذي سينطلق عبر مضيق جبل طارق لفتح الأندلس .. ، و قرر أن يكون قوام هذا الجيش 7000 مقاتل فقط ، و أن يجعل البطل الوفي التقي / طارق بن زياد أميرا على هذا الجيش .. !!
............. ............. ................
.. ، و قد يتساءل البعض ..
.. ، و لماذا ندرس ( تاريخ الأندلس ) الآن ، و فيه من الآلام و الأحزان ما الله بها عليم ... ؟!!!
.. ، ألا يكفينا ما نحن فيه من الذل و الهوان .. ؟!! .. ، أم أننا سنحكي لنبكي على ( اللبن المسكوب ) .. ؟!!
.. ، و أقول لهؤلاء .. لا والله أبدا .. ليس بكاء على اللبن المسكوب ، فنحن نؤمن بأن الأمور تجري بمقادير ، و أن الله غالب على أمره .. ، و لكن دراسة التاريخ عموما فيها من العبر و العظات ما يوفر على ( العقلاء ) الخوض في الكثير من التجارب الفاشلة .. ، كما تعينهم على قراءة واعية للأحداث المعاصرة ، و للمستقبل أيضا .. .. ، و ذلك لأن التاريخ يعيد نفسه عشرات ، بل مئات المرات فسنن الله سبحانه ثابتة .. لا تتغير و لا تتبدل ، و لا تحابي أحدا على حساب أحد .. .. ، فكما أن الماء يغلي عند درجة 100 مئوية ، و سيظل يغلي عند تلك الدرجة إلى يوم القيامة .. .. ، و كما أن النار تحرق الشجر و البشر ، و ستظل تحرق إلى يوم القيامة .. .. ، فكذلك ( النصر و التمكين ) له أسباب و سنن ثابتة لن تتغير إلى يوم القيامة .. ، و ( الهزيمة و الذل و الهوان ) لها أيضا أسباب و سنن ثابتة لن تتغير إلى يوم القيامة ..
.. ، فكيف لا ندرس ( تاريخ الأندلس ) الضخم الذي يشغل ما يزيد عن 800 عام من عمر التاريخ الإسلامي .. ؟!!
.. ، و كيف لا ندرس ( تاريخ الأندلس ) و هو نموذج كامل التفاصيل و الملامح لتلك ( السنن الإلهية ) الحكيمة التي بها يتحقق النصر أو تقع الهزيمة .. ؟!! .. ، فنحن نقرأ فيه عن دول قامت و نهضت لنعرف كيف نهضت .. ؟!! .. ، و عن أخرى سقطت و ضاعت حتى نفهم كيف سقطت ..؟!!
.. ، فأنت تجد في تاريخ الأندلس الحاكم المجاهد الشجاع ، كما تجد فيه عن الحاكم الجبان الخائن لدينه و وطنه ، الموالي لأعدائه على حساب شعبه .. !! .. ، و تقرأ عن الملك الورع التقي ، و عن الآخر الفاسق المنحرف .. !!!
.. ، و لولا أهمية ( القصص ) في تربية الجيل و صناعة الوعي لما وجدنا ( ثلث القرآن ) عبارة عن ( قصص ) ، و لما قال الله سبحانه : (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ))