كانت هذه وصيةَ الفتية لبعضهم أن يلجأوا إلى الكهف بعد أن ضاقت بهم الدنيا، ونزل بهم من الابتلاء ما نزل..
ثم انظر رحمك الله كيف أن هذه السورة تتفق مع حالنا، فَصرنا أجدر بقراءتها وتدبرها، ففيها شفاء ورحمة للمؤمنين وتطييب لخواطرهم..
فهي الوصية لنا إذن: أن نأوي إلى الكهف؛ لكن ليس إلى الكهف الحقيقي، بل إلى سورة الكهف؛
سيما حين يتنزل البلاء بالمؤمنين، ويحتدم الصراع، وتوشك الكثرة الكافرة أن تقضي على القلة المؤمنة، ثم فجأة.. يرتد الكفرة على أعقابهم فلا ينالون خيرًا، وتنجو القلة المؤمنة بأعجوبة ربانية ومعجزة مدهشة؛ (كما في قصة أصحاب الكهف).
وكذلك حين يرى المؤمنون تطاول الكفر وقوته وثراءه وإنفاقه، بينما المؤمنون ضعفاء، وهم أقل مالًا ونفيرًا، ثم بعد ذلك يصبح الكافرون يقلبون أكفهم على ما أنفقوا في حربهم على المسلمين، ثم تصبح حضارتهم وما بَنَوْا وشيَّدوا خاويًا على عروشه؛ (كما في قصة صاحب الجنتين).
وكذلك حين تشتد الأقدار بالمؤمنين؛ وكيف أن أقدار الله تجري بعناية وحسن تدبير يفوق تصور العقل؛ (كما في قصة موسى عليه السلام).
لتستيقن القلة المؤمنة أن الله ناصرها، ومُمَكِّنٌ لها، ومؤتيها من كل شيء سببًا، وفاتح لها سبل الأرض؛ (كما في قصة ذي القرنين).
لتكون الوصية إذًا للجميع: { فأووا إلى الكهف = ينشرْ لكم ربكم من رحمته ..}
رواية تاريخية أدبية فريدة، تحكي فصلًا من مآثر تاريخنا وحضارتنا في الأندلس، وحقبة الأندلس الذهبية في عهد الناصر محمد بن أبي عامر، العالم المجاهد، والقائد الفذ.
وقد أضفى كاتبها المبدع ؛ د. وليد سيف إلى المفخرة التاريخية: حسًّا أدبيًّا راقيا، وأسلوبًا آسرًا، وبلاغةً تدهش قارئها، بل وتكسبه لغة قوية، وحُجَّة حوارية في عامة مشاهدها.
أحسب أن قارئها يكتسب بها معرفة تاريخة حسنة، وتصورًا جيدًا لأحداث تلك الحقبة العظيمة من تاريخ الأندلس، وأهم محطات القوة التي أردفها الضعف تباعًا حتى سقطت الأندلس، مع ما في هذه الرواية من حصيلة لغوية بلاغية يكتسبها القارئ، مع امتاع عقله، وإشباع عاطفته.
مثل هذه الروايات أولى من تلكم الروايات الفارغة التي تضيع الأوقات والأعمار..
• فيخفض رأسه، • ويركز فكره، • ولا يرفع صوته إلا بقدر ما يُسمع نفسه، • ولا يقلب بصره هنا وهناك؛ بل ينظر محل سجوده. • ولا يقف كأنما يتقلب على صفيح ساخن. • ولا يرسل يده هنا وهناك؛ فيعبث بشيء من شعره، أو لحيته، أو ثوبه، أو جسده. • ولا يحل مشاكله في صلاته، ولا يرتحل بخيالاته وأفكاره وتأملاته، وترتيباته الإدارية وهو في الصلاة!! • فلا يلهو عن الصلاة بشيء سوى الصلاة، والتفكر فيما يقرأ..
فإنه يقبح بالعبد أن يجمع كل هذا؛ وكأنه لا يحلو له أن يفكر فيه إلا بين يدي ربه، ويأخ ذمن الوقت الذي هو حق خالص صِرف لله سبحانه.
•• وعلى الجملة:
فالخشوع: هو أدب القيام بين يدي ربه، فيكون أشد مما يكون العبد أدبًا مما لو قام بين يدي أحد من الناس ذي هيبة أو سلطان فيحفظ جوارحه من العبث والحركات، وبصره من التقليب هنا وهناك، وقلبه وفكره من الاشتغال بشيء سوى الصلاة.
إذ لما سقطت الأندلس بعد أن حل الخريف بربيع قرطبة، وأنهكها الجفاف حتى صارت ممالك الأندلس هشيما تذروه رياح العدو، توالت الهزائم والسقوط على إثرها.
وما جَرُءَ الكفر على بيت المقدس إلا حين سقطت راية الأندلس.
لتكون الرسالة هنا: إن أمجاد الأمة إن أشرقت فإنها تُشرِق تباعًا، وإن أطرقت فإنها تُطْرِق تباعًا، المجد يتلوه المجد، والهزيمة تتلوها الهزيمة،
فلا تسقط دولة أو مملكة إلا وتتبعها أختها التي ظنت أنها ناجية من بطش عدوها حتى وإن هادنته أو مالَأَتْه.
أُقَدِّمُ بهذا لأُعَقِّب قائلًا: إن الأمة النائمة التي تظن أنها بمنأى عن يد عدوها الغربي الأمريكي الصهيوني الذي تتملقه وتسارع فيه وتطبع معه، ويترقب ملوكها ومنافقوها سقوط غزة: أنهم التالي بعد غزة .
وأن الذين يعوّلون على سقوط غزة، ويلمزون بجهادها، وأن الذين افترشوا الهوان، ووضعوا رؤسهم على وسائد الذلة، وارتدَوْا ثوب الكسل، وآثروا نهج السلامة، واكتفوا بنصرة عاطفية ساذجة، وإنكار قلبي باهت لا يصدقه عمل، -وذاك لعمري في قاموس الإيمان: أضعف الإيمان- أنّهم التالي بعد غزة.
ينبغي أن يعلم كل هؤلاء: أن العدو لن يكتفي بسقوط غزة إن سقطت - وذاك غير حاصل بإذن الله - أن غريزة الإبادة لدى عدوهم الذي يطبعون معه ويخشونه: ستنالهم بعدها من فورها، وماذا إذن سيصنعون حينها؟
وما على أهل غزة أن يموتوا أعزة، فلا عار عليهم إن قتلهم عدوهم، إنما العار على أمة قادرة على نصرتها، لكنهم خلَّوْا بينها وبين عدوها حتى نال منها ما نال.