لا تبرحْ مكانكَ ولو لم يبقَ على جبلِ الرُّماة غيرك إن توقّفَ الناسُ فلا تتوقف وإن فترَ الناسُ فلا تفتر اُكتُبْ عن غزَّة كأنَّكَ الوحيد الذي عليه أن يُوثِّقَ دماء أهلها اِبكِهمْ كأنَّكَ لو لم تبكِهمْ ما قام لهم مأتمٌ أرِ اللهَ عُذركَ فكلُّ إنسانٍ لا يبذلُ ما بوسعه فقد خذلهم!
خلقَ الرَّحمة وجعلها مئة جزء أنزلَ واحدةً إلى الأرض بها يتراحم الخلائق إنسهم وجنُّهم ودوابهم وأمسكَ عنده تسعةً وتسعين جزءاً فإذا كان يوم القيامة رحمَ بها عباده! عن اللهِ أُحدِّثُكَ ❤️
في تاريخ دمشق لابن عساكر: كان أويس القرني إذا جنَّ الليل يقول: اللهم إنِّي أبرأُ إليك من كل كبد جائعةٍ، ومن كلِّ بدنٍ عارٍ، اللهم إنِّي لا أملكُ إلا ما ترى!
من سُننِ اللهِ في الصراع بين الحقِّ والباطل: لا تمكِينَ بلا امتحَان، ولا أمنَ إلا ويسبقُه فزع! في غزوة الخندق بلغت قلوب الصّحابة الحناجر، الأحزاب من الخارج، واليهود والمنافقون من الدّاخل راهنوا جميعاً أنها أيام الإسلام الأخيرة! بعد عشر سنوات من غزوة الخندق كان الصحابة يدكُّون…
إياكَ وأن تخاف شيئًا قبل حدوثه، لا تتخيَّلْ، واصرِفْ فِكرك وخوفك عن الغيبيات فهي في عِلمِ الله، واعلمْ أن البلاء إذا نزل على العبد ينزل معه اللطف، فإذا تصوّرت البلاء قبل أن يقع فقد استقبلت البلاء بدون لُطفٍ وأهلكت روحك.. واجبٌ عليك أن تتيقن أن لك رباً قيوماً لا ينام، فاطمئن به، وتوكل عليه، واستبشِر، وتفاءل بالخير تجده!
لم تكُنْ غزوة أُحدٍ بالنسبة إلى قريش مجرَّد نزالٍ ثانٍ مع المسلمين، وإنما كانت معركة ثأر، فقد مرَّغ الإسلام العظيم كبرياءها عند آبار بدر، وتركَ صناديدها صرعى على رمال الصحراء، لهذا جاءتْ بخيلها ورَجْلها تطلبُ ثأرها!
أما في معسكر المسلمين فالاستعدادات كانت على قدم وساق للنزال، النبيُّ صلى الله عليه وسلم لبس درعين لا درعاً واحداً ليعلمنا ثقافة الأخذ بالأسباب، وأن صاحب الدعوة أول من يذود عنها، حمزة قائد هيئة الأركان أخذ موقعه ومن خلفه خيرة رجالٍ مروا على ظهر هذه الأرض، وعلى الجبل تسمَّر الرماة بالأمر النبوي القاطع: لا تبرحوا أماكنكم، إن رأيتمونا نُنصر فلا تشاركونا، وإن رأيتمونا نُهزم فلا تنصرونا!
وبدأ القتال... وسرعان ما ولَّتْ قريش أدبارها متجرعة بعض الذي تجرعته في بدر، عندها نزل الرماة عن الجبل مخالفين الأمر النبوي الشريف، فاستغل خالد بن الوليد الموقف، والتفَّ بفرسانه من وراء الجبل وحوَّل نصر المسلمين إلى هزيمة!
انسحبَ المسلمون إلى الجبل ليصعب على قريش تتبعهم، وشُجَّ رأس النبي صلى الله عليه وسلم وكُسرتْ مقدمة أسنانه، وهو يمسحُ الدم عن وجهه الشريف ويقول: كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم! وعند الجبل أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يصعد على صخرة فلم يستطع بأبي هو وأمي بسبب ثقل الدرعين، وما أصاب الجسد الشريف من جراح، عندها انحنى طلحة بن عبيد الله وجعل من جسمه درجاً يرقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليصعد إلى الصخرة، فلما وصل إليها قال: أوْجَبَ طلحة! أي وجبتْ له الجنة!
أوجبَ طلحة لأنه جعل من نفسه سُلَّماً يرقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن باب الوجوب لم يُغلق بعد، فما زال بإمكاننا أن نُدركَ طلحة، النبي صلى الله عليه وسلم ليس معنا بجسده لنذلل له الظهور والرقاب ليصعد عليها، ولكن دينه وشرعه وسنته بيننا، وكل من حمل هذا الدين على عاتقه يرقى فقد أوجبَ، وأدركَ بإذن الله طلحة!
أيها المجاهد الذي وضع روحه على كفه لإعلاء كلمة لا إله إلا الله قد أوجبتَ!
أيها الداعية الذي قال كلمة الحق ولم يخش في الله لومة لائم، ودلَّ الناس على الله قد أوجبتَ!
أيتها الفتاة التي امتثلتْ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب والعفة ليعود الإسلام سيرته الأولى قد أوجبتِ!
أيها الشاب الذي راوده الإعلام الهابط عن دينه فقال معاذ الله، وزاحم في حِلق الذِّكر، وحلقات التحفيظ، وأدام السير إلى المسجد قد أوجبتَ!
أيها الأبُ الذي أمر أولاده الصلاة أبناء سبع، ودربهم على الصيام منذ نعومة أظفارهم، قد أوجبتَ!
أيها المُدرِّس الباحث بين تلاميذه عن أبي بكر وعمر قد أوجبتَ!
فكلما ضاقت الدنيا بكم، وراودتكم عن أخلاقكم ودينكم، تذكروا أن الجنة قد وجبتْ لطلحة لأنه كان سُلماً لهذا الدين، وتخيلوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أوجبتَ فلان وينطقُ اسمك!
بقيَ الأحنف بن قيس يصوم تطوعاً حتى بلغ من العمر عتياً، فقيل له ذات يوم: إنكَ كبير والصوم يُتعبك، فقال: إني أُعدُّه لسفر طويل، لسفرٍ طويل يا صاحبي، فتأملها!
ولستُ أريد أن أُخيفك مع أنَّ من أخافكَ فقد أمّنكَ، ومن أمّنكَ فقد أخافكَ! ولكني أُناديك: الزاد، الزادَ!
ما بعد الحياة سفر إلى الله يا صاحبي، والدنيا موضع التزود، فتزوَّد! وكلما صعب عليكَ أمر تعزَّ بالجنّة!
يا صاحبي، كان النبيُّ ﷺ يُعزّي أصحابه بالجنة دائماً، تُقطع ذراعي جعفر بن أبي طالب، فيخبرهم أنَّ الله قد أبدله بهما جناحين في الجنة،
ويرى الصحابة مناديل حرير لملوك فارس فيعجبوا به، فيخبرهم أن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أجمل منها! ويموت لأحدهم ولد صغير، فيخبره أنه في كفالة إبراهيم عليه السلام وسارة
ويموت عبد الله بن حزام فيبكيه جابر ابنه، فيخبره أن الله أحيا أباه وكلمه كفاحاً، وقال له: عبدي، تمنَّ!
ويمرُّ على آل ياسر في العذاب، فيقول معزياً: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة، الجنة عزاء عن كل مشقة يا صاحبي فتعزَّ!
يا صاحبي، هذه الدنيا ستنقضي بحلوها ومرها، جوع الصيام وعطشه سينقضي ويثبت الأجر، وتعب القيام سيزول وتبقى الحسنات، والممشى إلى المسجد سيُنسى أما الأجر فيُذكر، فتذكر لحظة دخول الجنة يهُنْ عليك كل شيء!