نحن مدينون لغزّة بهذا التغيير الذي أحدثته فينا! لم نعد نرى الأشياءَ كما كنّا نراها من قبل، هذه المعركة أزالتْ غشاوةً عن أعيننا فبدا كل شيء سافراً بلا زينة ولا بهرجة، قلّ ثمنُ الأشياء وارتفعتْ قيمتها، وتبيّن أن الأشياء الصغيرة في حياتنا هي أشياء كبيرة حقاً وأن هذه الدنيا أتفه من أن يُجرى وراءها!
لن نغضب من أولادنا إذا جاءت علاماتهم المدرسية أقل مما نريد، سنُحبهم أكثر ونخبرهم أنهم رائعون وأنها ليست نهاية الدنيا، لا لأجلهم فقط بل لأجلنا نحن أيضا؛ فلن يكبر كل الصغار، ولن يتخرّج كل المتفوقين.. هناك أحداث مفاجئة، ولن تنفعنا بطاقة العلامات إذا مات أحدهم قبلنا، ولن نترك ذكرى حلوة عنّا في أذهانهم إن نحن متنا قبلهم! قليل من الحُب خير من كثير العلامات!
لن نخاصم الزوجات والأزواج بهذا العناد ويباسة الرأس، لن نُغلف حُبًّا بقشرة من القسوة سعياً لانتصار للكرامة، فمن يدري من يقف على جثمان الآخر مودعا؟! لن تفيد الدموع وقتها.. فإن كنتَ الميت أولًا فقد تركتَ وراءك جرحا، وإن ماتوا قبلك فقد فات أوان عقد الصلح، وستشيِّعهم إلى قبورهم مجروحين! سنعيش حياتنا بحثا عن طمأنينة وستر لا بحثا عن تميُّز وانتصار!
سنحترم النِّعم بعد اليوم، فقد عرفنا أن الإنسان حين يكون في زحام من النِّعم ينسى أنها نِعم وتستحقُّ أن نشكر اللهَ عليها!. من كان منا يتوقع أن يرى الناس عطشى؟ من كان منا يتوقع أن يصبح العثور على رغيف فوزاً عظيماً؟!. شربة ماء ورغيف.. ما أبسط هذه الأشياء، وما أعظمها عند من فقدها! فاللهُمَّ لا تُعلِّمنا قيمة النِّعم بفقدانها.
لن نشكو بعد اليوم ضيق البيوت وصغرها، فما دام البيت ساتراً وجامعاً وواقفاً على قدميه لم ينزل فوق رؤوسنا، ولم ينتشلونا من تحت ركامة أشلاء أو جرحى، فهو والله قصر منيف!. لن نشكو أثاثًا لم نغيّره منذ سنة، وستائر ليست على الموضة.. في الحياة أشياء أكثر قيمة يجب أن يلتفت المرء إليها!
لن نخاصم ونُشاحن قريباً أو صديقاً أو جاراً أو زميلاً في العمل، صرنا نخجل أن يكون لنا معارك غير معركتهم، صرنا نستتفه أن نحرق أعصابنا في نزالات، لا الفائز فيها يستحق التتويج ولا الخاسر يستحق العزاء! بسالة في غير موضعها ووجع في غير ساحته، وإنما يُعرف المرء بمعاركه.
لن نعصي الله تعالى بذات الجرأة التي كنا عليها من قبل.. كنا نحسب الموت بعيداً جداً، وأن معنا وقتا، وأن أوان الغرغرة شاسع، ولكننا عرفنا الآن أكثر من أي وقت مضى، أن الإنسان لا يدري متى تنسدل ستارة حياته على مشهد لم يكن يتوقع أنه الخاتمة، وأن قلّة من الناس سيهرمون حتى تُغرغر أرواحهم في حناجرهم وقد بلغوا من العمر عتيًّا. إن للموت خطفات مباغتة، فاللهُمَّ إنا نعوذ بك من سوء الخاتمة!
مدينون نحن لغزة، مدينون كثيراً، لقد أحيانَا مشهد موتها!
السّلام عليكَ يا صاحبي، تسألني: ماذا ينقصني لأنافس الآخرين؟ فأقولُ لكَ: ومن قال أنه عليكَ أن تُنافس الآخرين؟! الحياة رحلة وليست سِباقاً يا فتى، فاستمتع بها ولا تحوّلها إلى معركة! المضمار الوحيد الذي يستحقُّ أن تُنافس فيه هو الطريق إلى الجنة! ما عدا ذلك فمعارك خاسرة، وسباق إلى غير وُجهة، السلحفاة والأرنب كلاهما أحمق، فأي لذة في أن يفوز الأرنب بسباقٍ ضد أبطأ المخلوقات على الأرض؟! ولِمَ على السلحفاة أن تخوض سباقاً أملها الوحيد بكسبه هو أن ينام الأرنب؟!
طهِّرْ قلبكَ يا صاحبي، وافرحْ بنجاحِ غيركَ كأنه نجاحكَ، وصفِّقْ للفائزين كأنكَ تُصفِّق لنفسكَ، واسعَدْ بصفقة التاجر كأنها صفقتكَ، وبوظيفة جارك كأنها وظيفتك، النظر إلى ما في أيدي الناس سهم مسموم، يُصيبك في قلبكَ قبل أن يُصيبَ الناس!
يا صاحبي، إن كثيراً مما نسميه منافسة ما هو إلا حسدٌ مقنّع، ولكن أسميناه منافسة لنقنع أنفسنا أنها معركة تستحقُّ أن نخوضها! وتذكَّرْ جيداً، أن الحسد هو أول ذنبٍ عُصي الله سبحانه وتعالى به في السماء، حيث رفضَ إبليسُ السجود لآدم، وما معه من ذريعة إلا: أنا خير منه! والحسدُ أول ذنبٍ عُصي الله تعالى به في الأرض، حيث قتلَ قابيل أخاه هابيل لأجل امرأةٍ كانت أجمل من امرأته! فلا يكن فيكَ شيءٌ من إبليس وقابيل، ثم تقول لي أنا أخوض منافسة! لا يا صاحبي أنتَ تحترقُ من الداخل لأن خيراً أصابَ غيركَ ولم يُصبكَ!
اعتنِ بقلبكَ يا صاحبي، نظِّفه جيداً، طهِّره بالذكر، سمِّ الله على كل جميلٍ تقعُ عليه عينك، وقل ما شاء الله على كل رزقٍ ليس لكَ، وارضَ بما قسم الله لكَ، فلن تنال سواه ولو كانت حياتك كلها سِباقاً،
ترك المعاصي يحتاجُ إلى صبر ومجاهدة أوَّل الأمر، فإذا مضت الفترة الأولى، استقامتْ لك النفس! فإن القلب يتعلق بالمعاصي كما يتعلق الوليد بالرضاع! فإذا أرادوا فطامه ضجَّ وثارَ! فيصبرون عليه، فينفطم، ولو أرادوا بعد شهرٍ أن يرضعوه، فإنه يأنف ويشمئز! قاوم في أيام التوبة الأولى فإنها فطام، ثم بعدها ينصاع لك قلبك!
السّلام عليكَ يا صاحبي، هوِّنْ عليكَ فإنَّ الأمور تجري بتقدير الله، وكل أقدار اللهِ خيرٌ وإن أوجعتكَ! تسألُ الله شيئاً بإلحاحٍ فلا يعطيكَ إياه فتحزن، ولا تدري أنكَ كالطفل الصغير الذي يبكي إذا رأى حبوب الدواء الملونة، يُريدها فتمنعه أمه، لأنها تعلمُ أنه يريدُ ما فيه هلكته! وللهِ المثلُ الأعلى، وفي منعِ اللهِ عطاء! وتفقدُ شيئاً عزيزاً فتحزن، ولا تدري أن اللهَ لا يأخذُ إلا ليعطيَ، عندما قتلَ الخضرُ الغلام، بدا الأمر أول وهلةٍ جريمة نكراء، وكذلك حسبها موسى عليه السّلام، ولا شكَّ أن قلبيْ أبويه انفطرا لفقده، ثم كُشفَ الغيبُ، وتبينَّ أن قمة الرحمة كانت في قتله، يأخذُ اللهُ سبحانه من دنياكَ، ليحفظَ لكَ دينكَ!
يا صاحبي، إنَّ الله يُدبِّرُ الأمور بحكمةٍ ورحمةٍ لا تخطرُ على بالنا، لأننا قاصرو النظر، ومحدودو التفكير، ولا نرى من المشهد إلا بقعةً يسيرة، فأما الله فيرى كل شيء! ولو كنتَ مع المساكين حين ثُقبتْ سفينتهم، لربما قلتَ: ألا يكفي الفقر حتى نُصاب في مصدر رزقنا؟! ولكنكَ لن تلبثَ طويلاً حتى ترى أسطول الملكِ الظالم يسلبُ الناس سفنهم، فتدرك عندها رحمة الله، وأن ثقباً في السفينة أرحم من فقدها، سبحان من يبتلي بالصغيرة ليُنجي من الكبيرة!
يا صاحبي إذا ما تعلَّقَ الأمرُ باللهِ فتأدَّبْ! أنسيتَ من كان يسوقُ إليكَ رزقكَ وأنتَ جنينٌ في بطنِ أمكَ؟! أنسيتَ من رققَ قلبها عليكَ رضيعاً، فكانتْ تقوم لأجلكَ في الليل دون تأفّفِ كأنها جارية تخدمُ مَلِكها؟! أنسيتَ أباكَ كيف كان يقتطعُ لكَ رغيفاً من صخر الحياة لتكبر وتنمو ويشتدَّ عودك؟! أما سألتَ من الذي جعلكَ قطعةً من قلبه، فكان على استعداد أن يقطع من لحمه ليطعمكَ إنه الله! الغنيُّ عنكَ ولكنه لا يزهدُ فيكَ والقويُّ الذي لا يحتاجك ولكنه يُناديكَ أنسيتَ كل هذا، ثم إذا أصابكَ من قدره ما لا تُحب بدأتَ تتذمرُ وتتأففُ! اِنتظِرْ دورة الأيام، ستنكشفُ لكَ حُجب الغيب، وستعرف أنه ما أخذ منك إلا ليعطيكَ، وما أصابكَ إلا ليرممكَ، وما صرفكَ عن أمرٍ إلا لآخر هو خير لكَ منه!
نصيحة : لا تجادلْ أحداً، الجاهل لن يفهم، والعنيد لن يقتنع، والمتحيّز لن يسمع، والانتهازي سيستغل كل ما تقوله لصالحه! الحياة الهادئة جميلة جداً، دعْ من يتكلّم يتكلّم، ومن يصدّق يصدّق، لا تحاول أن تفرض مبادئك على غيرك! تعلم السكوت، الجميع يعرف الصح والخطأ فلا تُتعبْ نفسكَ!
الشَّيخ ضياء زقوت لم يكن خطيباً فقط لم تكن ساحته المنابر فقط كان عالماً عاملاً مجاهداً مقداماً وهو صاحب هذه العمليَّة هنيئاً يا أبا عبد الرَّحمن، واللهِ هنيئاً 💚
تمَّ اليوم في جباليا انتشال جثمان الشيخ الحبيب والأخ الرَّائع والصَّديق الوفيّ ضياء زقوت كان جبلاً من العقيدة زاهداً في الدُّنيا وأهلها راجياً ما عند الله هذه خطبته يوم العيد يُثبِّتُ أهل غزَّة وجانب من محادثة بيننا! رحمك الله يا حبيبي وجعل روحك في عليين رجل من عالمٍ آخر!